قراءة متأنية في نتائج الثانوية العامة
انه ليوم جميل ومبارك لأبنائنا الأعزاء طلبة الثانوية العامة .. نقشوه بالجدِّ والاجتهاد.. وزيّنوه بالفرح والسعادة .. فكان عرساً لهم ولعائلاتهم .. فلنبارك لهم نجاحهم في الدورة الصيفية من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة.. بعد حصاد زرع طويل وشاق .. في أول خطواتهم نحو مستقبلهم المشرق .. هذا الامتحان .. الذي أصرت وزارة التربية وا
لتعليم أن تجعل منه امتحاناً وطنياً وسيادياً ... تكافح من اجل رُقِيِّه وتطويرِه .. ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلةٍ .. أو بوابة للمجهول.. بل ضماناً للمستقبل.
فبعد مخاض مرهق انفض مولد الثانوية العامة الذي يتكرر مشهده كل عام .. وأعلنت نتائج الدورة الصيفية لشهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2012م.. في وقت استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات في هذا الشهر الفضيل لتتخذ القرارات في الطريق الصحيح نحو خطوات جادة تسعى من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج حتى خرجت بالصورة الميسرة والمأمولة .. وفي هذا دعوني أسجل شكري وتقديري للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم التصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل في إدارة الامتحانات والاختبارات في وزارتنا العتيدة - وزارة التربية والتعليم-
إننا مرتاحون من نتائج هذه الدورة وبما تحقق من انجازات لطلبتنا الأعزاء في مختلف الفروع.. فنسب النجاح والتفوق كانت بدرجة عالية .. فما تشير إليه النتائج أن نسبه الذين حصلوا على معدلات مرتفعة.. هي نسبة كبيرة .. وهذا يشير إلى أن النجاح والتفوق ليس حكراً على أحد بل هو متاح لكافة الطلاب على اختلاف مستوياتهم العلمية ..
وقد رأينا من الطلاب من كان تحصيله العلمي متوسطاً أو عادياً في مرحلة التعليم الأساسي أو بداية المرحلة الثانوية وتمكن من إحراز التفوق في الشهادة الثانوية لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ طموحهم بكل همة ومسؤولية .. موقنين أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم .. ونتيجتها الدراسية غالباً ما تحدد مصيرهم .. حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية .. وغالباً ما يكون المتفوق من استطاع التحكم بذاته وظروفه وابتعد عن الملهيات واختار أقرانه بعناية فائقة ..
ولكن .. دعونا نستعرض بعضا من الأمور التي يجب أن نقف عندها وقفة المتأمل .. نراجعها بكل شفافية .. وبصراحة متناهية .. وبمزيد من التفكير والمسؤولية .. لنكشف عن كثير من الإشكالات التي كانت سبب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد .. والتي اعترضت وتعترض العملية التعليمية بشكل عام .. فعند التأني في قراءة النتائج يجب الكشف في نفس الوقت عن جوانب الخلل .. ونقاط من الضعف .. بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية..خاصة عند التريث في قراءة بعض منها.. فلا نريد أن تكون المشكلة بمجرد إشكالية بسيطة وتذهب أدراج الرياح .. فهي عائدة لا محالة في السنوات المقبلة .. وبنفس الوتيرة .. ولا نريد أن نتحدث عن نسب الرسوب وعدد الذين شملتهم تلك النسبة .. بل أن هناك سؤالاً يدور في خلد كل متتبع لنتائج الثانوية العامة وهو : لماذا يخفق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟ ولم يحالف طلابها الحظ بل وأخفقوا جميعاً دون استثناء !! ..
فكم هي كثيرة تلك المدارس التي لم ينجح من طلابها سوى القليل لتكون نسبة الرسوب فيها أكثر من 90% وهي نسبة مرعبة حقاً تدفعنا نحو التساؤل أين هو الخلل ؟ على من نلقي بالأئمة؟ ما هي الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات بصورتها العامة المتمثلة في ارتفاع نسب الرسوب وفي نسبة المعدلات المتدنية في تلك المدارس ؟.. وهل نتجرأ ونعترف أن هناك خلل واضح ومستشري في بعض من مدارسنا ؟ دعونا نسأل : ما هو موقف معلم المادة الذي أرهقته المدرسة والدروس الخصوصية عند علمه أن جميع طلبته دون استثناء لم يفلح منهم أحدا ؟ بل كيف هو موقف مدير المدرسة والهيئات التدريسية وحتى مديريات التربية وعلى رأسهم الإشراف التربوي من ذلك ؟ أنا أعتقد أن المدرسة الراكدة والتي نسبة النجاح فيها لم تتجاوز ال صفر % في الثانوية العامة لا بد من إعادة النظر في وضعها ومراجعة حساباتنا معها ونع كوادرها الإدارية والتدريسية .. فهي مدرسة ثانوية محسوبة على البلاد والعباد..لتخرج أفرادا فاعلين في مجتمع نسعى إلى رقيه وتطوره .. فليس من الممكن أن يصدق أحداً أن جميع طلاب تلك المدرسة هم أغبياء لا يفهمون شيئاً دون استثناء ..
ولا أعتقد أن مصطلح ( الغباء ) موجود في قواميس التربية والتعليم وأدبياتها فمن المؤلم أن نلقي باللائمة على الطلبة .. ليبدأ عام دراسي جديد تكون حصيلته النهائية مثل هذه النتيجة. .. لا بد من أن هناك من يسمع ويعي ويتابع النتائج بدقة.. وهذا الأمر لا ينبغي أن يمر دون مراجعة ومحاسبة .. فلا داعي للمغالطة والصمت المقيت وترحيل المشاكل للمستقبل المثقل بأعباء تربوية أخرى .. فلن ننسى أننا في قرن العولمة والتحديات .. القرن الواحد والعشرين .... وبذلك لا داعي لوضع مبررات وإلقائها على كاهل الضحايا ذاتهم الذين وجدوا أنفسهم في كشوفات الفشل ، فمن يسمع ؟ وهل من مجيب ؟ أدركونا أيها التربويون !! فإذا أردنا أن نلقي باللائمة على الطالب .. فمن الذي أوصله إلى هذه المرحلة ما دام ليس أهلا لها .. بالرغم أننا ما زلنا نتبنى سياسة تلقائية النجاح التي هي صيرورة حتمية متوسدة في نظامنا التربوي الذي ندعي عصرنته .. أنا اجزم أننا بحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور وإلا سنبقى نراوح في أمكنتنا نلوم أنفسنا ونندب حظنا ؟ إن من وجهة نظري ..
إننا وبكل صراحة وموضوعية بحاجة إلى نوع من الثقافة الذاتية المعتمدة على الضمير الحي الذي يجب أن بتجذر في عروقنا .. ليكون ولاؤنا وانتماؤنا ووفاؤنا خالصة لله ولتراب هذا الوطن الطيب الطاهر ولمهنتنا التي اخترنا . فنحن نحتاج إلى ثقافة تربوية ذات بعد كاريزمي وجاذبية كبيرة وحضور عميق ليتجسد في شخصية أحبتنا زملائنا المعلمين .. ليمتلكوا القدرة على التأثير على الآخرين إيجابيا .. وخاصة عند طلبتهم الذين هم أمانه في أعناقهم .. لا بل يجب أن يتمتعوا بسحر شخصي .. وبروح تبعث الطاقة العاطفية المؤثرة في الناس على المستوى الفكري أو الحسي أو الانفعالي.. ليتم التواصل الإيجابي بالعملية التربوية التعليمية ومن مختلف جوانبها ملامسة لحاجات الطلاب .. من هنا لا بد من دعوة صريحة.. ندعو من خلالها إلى عمل تقييم شامل للعملية التعليمية ومراجعة عامة وشاملة وخاصة للمرحلة الثانوية ؟!
وكذلك لا بد من توفير المزيد من الكوادر التعليمية المدربة والقادرة على التفاعل مع أركان مجتمع طلاب الثانوية العامة .. وكذلك فيما يتعلق بتحديد المناهج الدراسية و بيداغوجيا التعليم في مختلف التخصصات ..وحتى بأدوات التقييم التقليدية المختلفة .. وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية كبائل قوية للمناهج الرسمية..
وأخيراً دعوني أبارك مرة أخرى للنخبة الطيبة من طلبتنا الأعزاء الذين فرحوا هذا اليوم بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار .
وليعذرني زملائي فما أردت سوى الوقوف على أعتاب بعض ما نعانيه جميعا فكل الحب إلى كل يد مخلصة تأبى إلا العطاء إرضاءً لله عز وجل ... أعاننا الله على تحمل المسؤولية ..
.... ودمتم بخير سادتي ....