فقط للتاريخ يا سوريا العظيمة
تمر اليوم على الأمة العربية ظروفا حالكة ومخيفة وغامضة، تعصف بكل الأمنيات، وتطيح ببقايا أبيات موطني وبلاد العرب أوطاني.
فموطني أصبح مرتعا للدماء والخونة والإرهابيين والمسلحين، الملتحفين بعباءات الغاز والنفط الملوثة بدماء الشعب السوري، وبلاد العرب أضحت أرصفة مكتظة بالمرتزقة، وأشلاء حكام أعدمتهم الماسونية العالمية، أو قصفهم الناتو تحت تصفيق ثوار الناتو الديمقراطيين الذين يذبحون بلا رحمة أو هوادة.
ضاعت البوصلة وتاهت القبلة، ولم نعد نثق بوائل غنيم بالرغم من حقيقة غضب بو العزيزي، وأصبحت قناة روسيا اليوم أكثر واقعية ومنطقية وعقلانية من كذب استوديوهات الجزيرة الملفقة، وانحياز قناة العربية المفهوم والواضح، في تجاهل مقصود لما يحدث في البحرين والسعودية واليمن.
المعركة المستعرة بين معسكري الشرق (روسيا وإيران والصين ودول البريكس) والغرب (أمريكا وإسرائيل ودول غرب أوروبا) يدفع ثمن فاتورتها الشعب السوري من دمائه وأمنه ومستقبل أبنائه وبناته وعزة أهله واستقرار حياته، وأرض المعركة هي سوريا الحبيبة بما تمثله من موقع إقليمي جغرافي وسياسي خطير، وخط حدود مع الكيان الصهيوني، وعمق استراتيجي للأمة، وساحل غني بالغاز، ومحور متحالف مع معسكر الشرق ضد معسكر الغرب الذي أطاح بكل الوطن العربي باستثناء سوريا.
سوريا قلب العروبة النابض وعمق الأمة وظهرها وسندها، والدولة العربية الوحيدة التي تمكنت بالرغم من كل المؤامرات التي حيكت وتحاك ضدها من تحقيق اكتفاء ذاتي من مواردها الوطنية، وإنقاذ نفسها من تبعية الديون الخارجية، وتحرير سياستها من الانبطاح للآخر مقابل التحالف مع الآخر، سوريا الدولة العربية الوحيدة التي لم تبع غوطة دمشق ومؤسساتها الوطنية للمستثمرين الأمريكان والفرنسيين وأذنابهم من الكمبرادورية، سوريا العصية على الخارج كان لزاما أن يتم تفتيتها من الداخل.
دمشق ثالث عاصمة حضارية ترعب أعراب الخليج بعباءاتهم الإنجليزية النفطية النتنة، وجِمالهم الألمانية الفارهة وخيمهم الفرنسية المذهبة، أولئك البدو الرعاة الذين أسكنتهم أمريكا قصورا عاجية مقابل اتفاقيات وصفقات باعوا بموجبها القدس والأقصى والأمة ودماء الشعوب ومستقبل الأوطان، تآمروا سرا وعجزا وخوفا على زعيم الأمة عبد الناصر خوفا من القومية العربية تندلع نيرانها من القاهرة، ثم تآمروا علنا وبوقاحة على صدام حسين حتى تم إعدامه فجر عيد الأضحى، بما لهذا الإعدام والتوقيت من رمزية خانقة ومؤلمة ومخزية، وسقطت بغداد تحت أقدام الأمريكان الفاتحين الفاسدين وأعوانهم من الثوار الخائنين، وجفت مياه دجلة والفرات تحت وطأة جدب وعهر وظلم ما يحدث في عراق الحضارة والتاريخ، ونحن نئن بصمت كقطة جائعة خائفة في أروقة الليل والخزي والظلام.
واليوم ما زالت كلاب الصحراء تحاول الانقضاض على عواصم الحضارة والتاريخ دمشق من بعد القاهرة وبغداد، وكعادتهم في كواليس الصمت والخفاء ومن خلال أموالهم المدنسة بتجارة البشر والأرواح والأوطان.
لست بعثية وأعلم أن النظام الحاكم في سوريا كان وما زال نظاما كغيره من الأنظمة العربية مستبدا وظالما وقمعيا، ولكن سقوطه على أيدي نتنياهو وهيلاري وهولاند وأوباما وأردوغان وحمد وعبدالله له دلالات كثيرة وتداعيات خطيرة تجعلني أرفض سقوطه بهذه الطريقة المخزية، التي تذكرني بالعديد من مواقفنا غير المتزنة تجاه الكثير من شؤوننا الداخلية.
لست شيعية ولكننا بحاجة إلى حماية سلاح المقاومة بيد حزب الله، بل والالتفاف حوله، ونحن بأمس الحاجة إلى دعوة إيران إلى طاولة الحديث والتفاوض، بدلا من شيطنة إيران وتحويل العداء العربي الإسرائيلي إلى عداء سني شيعي، ولزاما علينا إعادة النظر في إنشاء تحالفات جديدة في المنطقة مع روسيا والصين ودول البريكس.
نعم عربية فلسطينية أردنية سورية ليبية ونحتاج إلى توجيه فوهة البندقية إلى عدونا بالجوار-الكيان الصهيوني- الذي كان ومازال بؤرة البلابل وأساس مصائب المنطقة.
للأسف ضاعت فلسطين والسلطة الفلسطينية ما زالت حتى اليوم تتخبط في تصريحاتها ومواقفها تجاه الأحداث العربية والإقليمية، بل تجاه القضية الفلسطينية برمتها، وبينما دماء أطفال غزة تراق تحت مزنجرات دبابات العدو الإسرائيلي، يبحث عباس عن اعتراف دولي بدولة غير عضو أو اعتراف غير كامل أو ربما اعتراف بدولة بدون دولة، وتدير حماس ظهرها لأحداث سوريا في تصريحات ممجوجة ومتضاربة وتحركات غير مفهومة، فلا عجب أن القضية قد ماعت، والأرض قد ضاعت، عندما يطالب بها قادة ورموز لا صلابة في مواقفهم، ولا مبدئية في تحركاتهم أو تصرفاتها أو تصريحاتهم.
وللأسف ما زلنا في الأردن غير مدريكن لحجم خطورة ما ينتظر الشارع الأردني بعد سقوط النظام الحاكم في سوريا، فدماؤنا ليست أثمن من دماء الشعب الليبي أو السوري بالنسبة لراسمي حدود الشرق الأوسط الجديد، وقضية فلسطين ما زالت تحتاج إلى تصفية لن تتم إلا من خلال شلالات دم تغرق عمّان وضواحيها، فاستيقظ أيها الشعب الغافل وتأهب لما ينتظرك وتمسك بالوعي والإيمان، والانتماء لا للحي أو العشيرة بل لوطن مترام من الخليج إلى المحيط، فقد أثبت التاريخ الذي يتكرر باستمرار، ونحن عاجزين عن قراءته وفهمه وتحليله واستيعابه والاتعاظ منه، أن مصير هذه الأمة واحد وتاريخها واحد ومستقبلها واحد، فإما أن نهب هبة رجل واحد أو أن نتساقط في الهاوية واحدا تلو الآخر، ستتبعنا عباءات الخليج وآباره ولن تنجو سفينة واحدة بكل حمولتها من النفط والغاز والخيانة والعمالة.