أما آن للأسد أن يتنحى؟؟

تم نشره الخميس 30 آب / أغسطس 2012 06:15 مساءً
أما آن للأسد أن يتنحى؟؟
عادل بني عيسى

 

 لم تكن الشرارة التي انطلقت من درعا السورية،  الثلاثاء 15  آذار مارس 2011 ، احتجاجا على نظام بشار الأسد، وليدة يومها، بل بدأت منذ عقود، ربما قبل مذبحة حماة، التي اقترفها الأسد الأب في 2 شباط فبراير من العام 1982، في حملته المسعورة الواسعة النطاق على المدينة الآمنة، التي مكث سكانها تحت حمم مدفعية ودبابات وطائرات النظام ، فأبيدت أحياء بأكملها ومُسحت من على الخريطة، في حصار من قبل الجيش دام 27 يوما، ومن ثم اجتياحها وارتكاب مجزرة مروعة فيها، كان ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين، بقيادة العقيد المعروف بتاريخه الإجرامي، رفعت الأسد، شقيق الرئيس غير المغفور له.
 
فالمدينة التي كان تعداد  سكانها زهاء 750 ألف نسمة آنذاك، شهدت أقسى هجوم يشنه عليها النظام بجيش منظم، وقوات خاصة مدربة للمهمات الصعبة، وبصلاحيات واسعة ، لاجتثاث ما سمي بالمعارضة من جذورها، بينما فرضت السلطات السورية، تعتيما إعلاميا كاملا على ما يحدث، وحجبت الحقيقة عن العالم.
 
ما يحدث في سورية اليوم، ليس بعيدا عن ذلك بكثير، مع تغيّر كبير في نمط الثورة...بأهدافها واستراتيجيتها، فهي  تهدف هذه المرة الى إسقاط النظام وإذلاله، والخروج من قبضته، بعد أن أصبح تداول السلطة في هذا البلد ، حصرا على عائلة الأسد، بنهج وراثي بليد، لا يراعي أبسط حقوق الإنسان، ولا يفترض أن الشعب، ربما بات ضجرا، من طريقة تداول السلطة، بطريقة مضحكة، وبانتخابات صورية، يُجبر الناخبون على الادلاء بأصواتهم قسرا لمرشح واحد ليس له منافس،  لتخرج النتائج في النهاية: 99.9 أو 98.9.% في أسوأ الظروف، الى أن أصلحت انتخاباتنا نكتة يتندر بها الغرب، يصفونا من خلالها بالتخلف، الذي هو أقرب ما يكون للغباء، بينما يتداول  الشارع العربي، نتائج انتخابات رئيسه قبل إعلانها، بألم مكبوت.


ومع أن هنالك أصوات نشاز تقول: أن الثورة مستوردة، وهي مخطط خارجي للإطاحة بما تبقى من محور الممانعة، فإنني أعتذر من هذه الأصوات، التي ترى في أن نظام الأسد أو أي نظام عربي، يجب أن يبقى للأبد، بحجة الحفاظ على وحدة الأراضي، وهيبة الدولة وقوتها وأمنها، الى آخر هذا المسلسل الذي يبعث على الغثيان والاشمئزاز، لأنه غير واقعي، ويحث على الاستسلام لزمرة من الفاسدين والأصنام، التي ورثنا عبادتها والهتاف بحياتها، مع انها ميتة، ولا تراعي مصالحنا، فتغولت علينا، الى أن أتت على خبزنا، وحليب أطفالنا.
الأصوات المعارضة للثورات، لها وجهة نظر ربما يحترمها البعض، وهي أن الثورات لها ثمن باهض، نعم ..هذا صحيح، ولكن من وجهة نظري، فإن الحرية ثمينة أيضا،  اذا ما نظرنا لجيل جديد لم يألفها ، ولم يستسغ طعمها، واعتاد على أب يقول له أسكت، للحيطان آذان، كلما أراد أن يهمس باسم زعيمه، فاعتاد على الجبن صغيرا، حتى ظن أن هذا الزعيم ربما ملاك لا يأكل ولا يشرب، وربما لا يستخدم الحمّام مثلنا، اذن فهو إله فحسب، لا يجوز التفكير في شخصه، ومهما أخطأ، فإنه يفعل الصواب، لأنه منزه... لا تصح الا طاعته، كقول بعض شيوخنا المنافقين الذين يفتون بأنه" لا يجوز الخروج على الحاكم طالما انه يسمح بالصلاة ورفع الأذان"...أما أن يستفرد بالثروة ويوزعها كيف يشاء، ويعيث فسادا، فيجوع شعبه ويعرى ويركن الى القمامة للبحث عن لقمة عيشه، فهذا يجب علينا طاعته والهتاف بحياته والانصياع لاوامره..فأي فتوى هذه؟؟.
 
الثورة السورية كانت المفاجأة الأكبر في الربيع العربي، اذ لم نكن نفكر يوما، أن يرتفع صوت السوري ليقول للنظام لا...ففي سورية لا أحد يتحدث في السياسة، فهي ممنوعة إلا في الاعلام الرسمي، الذي يتشدق بمناقب الرئيس، فلا أحد يتحدث، الا بحدود عائلته ومجتمعه، وليس خارج حدود بلده.
 
الثورة السورية التي ستنهي بشار حتماً، وتخلعه من جذوره، بعد أن شلح السوري هاجس الخوف، كما في تونس وليبيا ومصر، كان ثمنها باهضا، وما زال هذا الشعب يدفع ضريبة حريته التي لا تُنتزع الا بالدم، فالأبناء يستحقون الحرية التي حُرمنا منها، والتي  حُرم منها الشعب السوري على مدى عقود من حقبة حكم الأسدين الأب والابن .. فلا يمكنك أن تجد في بلد ما من هذا العالم غير النظام السوري، من يغير إسم المتهم  لكيلا تتعرف عليه عائلته، فهو في حكم المفقود، الى أن تفرج عنه السلطات، التي تنتهج طريقة إذلالية لتركيع شعبها .
 
نعم ...لا بد من ثمن باهض لقاء الحرية، فحصيلة شهداء الثورة تجاوزت الستة آلاف شهيد منهم 322 طفل  212 امرأة، بينما تجاوز عدد المفقودين 50 ألف مفقود، فيما وصل عدد الذين قضوا تحت التعذيب الى 177 شخصاً، والمعتقلون إلى اكثر من 59,000 معتقل. أما عدد اللاجئين فهو: 16,227 ، منهم  10,227 في تركيا، 4,000 في لينان و 2,000 في الأردن، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة على مدار الساعة والأسد ماض في عتوه، والمهم الحفاظ على كرسيه وليس حقن دم الشعب، الذي هتف باسمه واسم ابيه، على مدى عقود.
 
إذن... وبعد كل هذه الأرقام، والدماء التي روت شوارع سورية، بمدنها وقراها واريافها، فإن الشعب السوري لن  يرجع الى بيته الا برأس الأسد، بعد أن فقد أحد أعضاء أسرته أو كلها، وبعد أن دُمر بيته، ناهيك عن هتك الأعراض، والتمثيل بالجثث التي اقترفها الجيش النظامي، الذي يطلق على نفسه الجيش العربي السوري، فأي جيش عربي هذا الذي نراه، وهو يدمر مدناً، ويقتل ويروعُ سكانها، وينتهك أعراضها، فهل وجدت جيوشنا لحماية الأنظمة فقط فانسلخت عن شعوبها إلى هذه الدرجة ؟؟ واذا كان الجواب نعم ... فمن أين أتت ؟؟
 
يؤلمني حقا مشاهدة طائرات الميج والهيليوكبتر التي تحمل العلم السوري وهي تغير على المدن السورية، وتلقي بحممها على السكان الذين من المفروض ان تحميهم، مع ان هذه الطائرات لم تقطع الحدود يوما باتجاه اسرائيل، التي تحتل ارضا سورية.
 
الحرب على الساحة السورية تحولت لحرب طائفية، وإن حاولنا التخفيف من حدتها، فهنالك على الأرض قتلى وأسرى من إيران والعراق، وعناصر من حزب الله اللبناني ، وهذا ما أعلنه ويعلنه الجيش الحر، الذي يخوض حربا حقيقية بمختلف أنواع الأسلحة، ضد كل هذه الأطراف، بما فيها روسيا والصين، التي ترى في نظام الأسد دوام لمصالحها في المنطقة، التي يتنازع على سيادتها العالم.
أعود الى البداية، والى الأصوات التي تقول بأن هناك مخطط خارجي  للقضاء على صوت الممانعة، أقول لهؤلاء: أن النظام السوري لم يمانع أصلاً، ويأتمر بإمرة إيران، ومن قال بأن إيران عدوة لأمريكا فهو مخطىء أيضاً، لأن أمريكا اقتسمت الكعكة العراقية مع إيران مناصفة .. لأمريكا النفط والثروة، ولإيران السلطة، وما نسمع من توتر للعلاقات الأمريكية – الايرانية، ما هو الا بهرجة إعلامية، والمخفي أعظم بكثير مما نعرف...ومهما كانت الحجج التي يطلقها معارضوا الثورة، فليس من المنصف، ان يبقى الوطن بحوزة شخص، أو عائلة بعينها، تملك كل السلطات، وتتحكم بكل الثروات، تكتب الدستور، وتقر التشريعات التي تلائم مصلحتها، وتضمن بقاءها في السلطة الى الأبد، فأي شريعة هذه التي نتحدث عنها...أهي شريعة الغاب حقاً؟ لا بد من نزع مثل هؤلاء الطغاة عن عروشهم، لأن الشعب سيقول كلمته في وجه الطغيان مهما طال صمته، وسيرمي بمن كانوا سبب شقائه وتأخره وفقره، إلى مزبلة التاريخ، فليس الأسد بأفضل حال من زملائه  في تونس وليبيا واليمن ومصر، ودولا أخرى ستنتصر على نفسها للخروج عن صمتها.....فهذا الربيع لا بد أن يزهو، فتتفتح أزهاره ويطلق عبقه بنسائم الحرية والحياة الافضل، ليس لنا فحسب، ولكن لجيل منفتح يستحق الحياة.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات