مُسلِمُو بورْمَا بَيْنَ خِذلانِ الأوْلياِء وَوَحْشِيَّةِ الأعْداءِ !!
إنَّ ما يجرِي اليومَ مِنْ مذابحَ وحربِ إبادةٍ لمسلمي ميانيمار "بورما " وصمةُ عارٍ في جبينِ الإنسانيةِ ،وجريمةٌ بشعةٌ ،وانتهاكٌ صارخٌ ضدَّ حقوقِ البشرِ ،وليسَ ضدَّ الإسلامِ والمسلمين فقطْ ،بعدَ أنْ خيَّمَ الصمتُ المخزي على العالمِ إزاءَ هذهِ المجازرِ . فعجباً لهذا الصمتِ المطبقِ ،وهذا التخاذلِ المحدقِ ،وتلكَ المواقفِ الهشةِ المتخاذلةِ ،رغمَ حارِّ النداءاتِ ،وشديدِ الاستغاثاتِ ،فصوتُ استغاثاتِهم يَكوِي الفؤادَ وما مِنْ منقذِ ،أو ما للناسِ آذانٌ ؟!
إنَّ ما يُعانِيه مسلمُو ميانمار " بورما " في الوقتِ الراهنِ ليسَ بجديدٍ ،ولكنَّه مُتجِددٌ فدومًا ما يواجهُ مُسلمو "بورما " الاضطِهادَ ،والقتلَ ،والتشريدَ ،وانتهاكًا للحرماتِ ،وهدمًا للمساجدِ ،واغتصابًا للنساءِ ،حتَّى هجَروا بلادَهم مراتٍ عديدةٍ.
و "ميانمار " أو «بورما» مِنَ الدولِ التِي لا يعرفُ الناسُ عنها شيئًا ،ولا تظهرُ في الأخبارِ إلا معَ الكوارثِ ،وهيَ محكومةٌ بمجموعةٍ مِنَ العَسكرِ منذُ ما يقربُ مِنْ ثلاثين سنةً ،ومِنْ أكثرِ دولِ العالمِ فقرًا ، وهي واحدةٌ مِنْ أكثرِ دولِ العالمِ تنوعًا عرقيًّا ،حيثُ تضمُ إلى جانبِ البوذيين الذين يُشكِّلون 89% ، المسيحيين والهندوس والبهائيين ،والقوميةُ الأساسيَّةُ فيها هي البامار ،ومنها اشتُقَّ اسمُها بورما ،وهو اسمٌ استعماريٌّ مِنْ صياغةِ ونحتِ أم "الخبائث بريطانيا " التي حكمتها لفترة ٍطويلةٍ بسببِ موقِعِها الاستراتيجيِّ وحدودِها معَ الهندِ ،وهي بلدٌ غنيٌّ ومواردُها كبيرةٌ وفيها البترولُ ،والزراعةُ مِنْ مواردها الأساسية.
ويعيشُ في ميانمار حوالى مليون مسلم من (الروهينجا) في ولايةِ (أراكان) حيثُ تعتبرُهم الأممُ المتحدةُ أحدَ أكثر شعوبِ الأرضِ والأقلياتِ الدينيَّةِ تعرضًا للاضطهادِ في العالمِ .ويرجعُ تاريخُ ظهوِر الإسلامِ في هذهِ المنطقةِ إلى القرنِ الثامنِ الميلاديِّ ،وقضيتُهم تُعتَبَرُ «جريمةُ الاستعمارِ» ففي عامِ 1937 وبعدَ أنْ كانتْ "أراكان " تتبعُ الهندَ ،قامتْ بريطانيا بضمِّها إلى ميانمار ،واتَّبَعَ الاستعمارُ البريطانِيُّ سياستَه المعروفَةُ «فرِّقْ تَسُدْ» خلالَ مقاومةِ الروهينجا لَهُ فقامَ بإثارةِ الفتنِ وتسليحِ البوذيِّين (الماج) ضدَّ مسلمِيّ "أراكان " . والأدهَى مِنْ ذلِكَ أنَّ السلطاتِ في ميانمار صادقتْ عامَ 1982 على قانونِ الجنسيَّةِ الذِي وصفَهُم بأنَّهُم مهاجِرونَ مِنْ بنجلاديش مِمَّا جعلَهم بلا وطنٍ ؛كما منعتهمْ مِنْ مُمَارَسةِ كافَّةِ حقوقِهم السياسيَّةِ ،وصادرتْ مُمتلكاتِهم ومحَالِّهم .فهمْ بحسبِ نصِّ القانونِ «البِدُون » حيثُ صنِّفوا على أنَّهم أجانبٌ دخلوا البلادَ لاجئِين أثناءَ الاحتلالِ البريطانِيِّ ،وهوَ ما يناقضُ التاريخُ «فأراكان» كانتْ دولةً إسلاميَّةً مستقلةً الي أنْ احتلَّها الملكُ البُوذِيُّ البورمِيُّ "بوداباي "، في عام 1784م وضمَّ الاقليمَ الي بورما خوفًا مِنْ انتشارِ الإسلامِ في المنطقهِ ،ومنذُ ذلكَ الوقتِ والمسلمونَ يتعرضونَ لحربِ إبادةٍ شاملةِ وتهجيرِ وتشريدِ ومجازرَ لا تتوقفُ ،ويتعرضونَ لشتَّى أنواعِ التعذيبِ والتنكيلِ مِنَ البوذيِّين.
وفي سنةِ 1942 حدثتْ مذبحةٌ كُبرَى لمسلمِي "أراكان " استُشهِدَ فيها أكثرَ مِنْ مِئةِ ألفِ مسلمٍ أمامَ أعينِ العالمِ أجمعِ ؛ثمَّ تعرَّضَ مسلمو "أراكان " للتهجيرِ مِنْ أراضيهم بينَ الأعوامِ 1962 و1991 ،وتمَّ بالفعل تهجيرُ حوالي 1.5 مليون مسلم إلى بنجلاديش.
ويقالُ إنَّ سببَ الأزمةِ الأخيرةِ أنَّهُ في بدايةِ شهرِ حزيرانَ الماضي ،أعلنتْ الحكومةُ البورميةُ أنَّها ستمنحُ بطاقةَ المواطنةِ للعرقيَّةِ الروهنجيَّةِ المسلمةِ في "أراكان " ،فغضبَ البوذيون كثيرًا بسببِ هذا الإعلانِ لأنَّهم يدركونَ أنَّهُ سيؤثرُ في حجمِ انتشارِ الإسلامِ في المنطقةِ ،فخطَّطوا لإحداثِ الفوضَى ،وهاجمُوا حافلةً كانتْ تُقِلُّ عشرةَ دعاةٍ مسلمينَ كانوا عائدين مِنْ أداءِ العمرةِ ،وشاركَ في الهجومِ أكثرَ مِنْ 450 بوذيًا ، وربطوا الدعاةَ العشرةَ مِنْ أيديهِم وأرجلهِم وانهالوا عليْهم الـ 450 بوذيًا ضربًا بالعصِيِّ بكلِ وحشيةٍ وبربريةٍ حتَّى استشهِدوا – رَحِمَهُم الله - .
ولكي يجدَ البوذيونَ تبريرًا ،قالوا إنَّهم فعلوا ذلكَ انتقامَا لشرفِهم منزوعِي الشرفِ بعدَ أنْ قامَ شابٌ مسلمٌ باغتصابِ فتاةٍ بوذيةٍ وقتلِها ،وكانَ موقفُ الحكومَةِ مُخزيًا للغايةِ ،حيثُ سارُعتْ بإرضاءِ البوذيِّين بإعدامِ اثنين بتهمةِ اغتصابِ الفتاةِ التي اعتُبِرَتْ «الشرارة »التي أشعلتْ الأحداثَ ،وتركتْ الـ 450 قاتلاً بدونِ عقابٍ ،وهذا يبيَّنُ حجمَ العداءِ بينَ الحكومةِ والميانماريين البوذيين مِنْ جهةٍ وبينَ "الروهينجا " المسلمةِ مِنْ جهةٍ أخرى.
لقدْ باتتْ قضايا الجالياتِ المسلمةِ المضطهدةِ في كافةِ أرجاءِ الأرضِ هي آخرُ ما يأبهُ بهِ العالمُ المتحضرُ ومنظماتُه الدوليةُ وليسَ لهَا أيَّ حقوقٍ دينيةٍ أو سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ أو ثقافيةٍ بلْ ليسَ لها حقٌ في العيشِ الكريمِ ؛ لمجردِ أنَّها تدينُ بالإسلامِ ،ومَنْ سيأبهُ بهم إذا كانَ أكثرُ المسلمينَ لا يأبهونَ بِهم معَ أنَّهم إخوانُهم وعلى دينِهم ، لقدْ عانَتْ هذهِ الجالياتُ المسلمةُ المضطهدةُ الأمرَّين مِنْ تجاهلِ إخوانِهم لَهم ، وتسلطِ أعدائِهم عليْهم ،وتُركوهم يواجهون مصيرَهم وحدَهم .
ألا وإنَّ مِنْ واجبِ إخوانِنا المستضعفينَ عليْنا أنْ نبرِزَ للناسِ قضاياهم ومعاناتِهم ،إنَّ خذلانَ المُسلمِ ،وتركِ نُصْرَتهِ ومعاونتِهِ ،يُعرِّضُ المسلمَ لخذلانِ اللهِ تعالَى له فِي أحلكِ الظروفِ وأقسى المُصابِ قالَ رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - :[ ما مِنْ مُسْلِمٍ يَخْذُلُ مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ ،وَيُنْتَقَصُ مِنْ عِرْضِهِ ،إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يَنْصُرُ امْرَءاً مُسْلِماً فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ،ويُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ ،إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ]
فما الذي فعلتْهُ القمةُ الإسلاميةُ التي عُقِدَتْ بمكةَ المكرمةِ مؤخرًا مِنْ خُطواتٍ عاجلِةٍ لإنقاذِ مسلمِي "بورما " مِنَ الإبادةِ والتهجيرِ القسرِيِّ ؟! ألا يستحقونَ مِنْ إخوانِهم في الدِّينِ عمالِقةِ هذهِ الأمَّةِ وقادتِها موقفًا سياسيًّا صارمًا لوضعِ حدٍّ لهذهِ المهزلَةِ الإنسانيَّةِ التي سكتَ عنْها العالمُ أجمعُ ؛وأنْ تَستخْدِمَ القمةُ أسلوبَ الضغطِ المباشرِ على قيادةِ "بورما " السياسيَّةِ المتورطةِ في هذهِ المجازرِ ومطالبتِها المجتمعَ الدولِيّ بفتحِ تحقيقٍ دولَيٍّ في هذهِ المجازرِ ؛وأنْ يتمَّ التعرُّفُ على مَن وراءِ هذهِ التصفيةِ الجسديَّةِ والمجازرِ البشعةِ وهي بالطبعِ السلطاتُ الحاكِمَةُ وعلى رأسِهِم . رئيسُ البلادِ نفسُه "ثين سين " الذي يقوِّي موقفَ الجماعاتِ البوذيَّةِ المتطرفَةِ التِي تديرُ هذهِ المذابحِ ضدَّ المسلمين ؛عندما أعلنَ أنَّ "الروهينجا " ليسوا مواطنين لدولةِ ميانمار وأنَّهم مُستوطنونَ جاءوا مِنْ الخارجِ. الَّلهُمَّ فرِّج همَّهم ونفِّس كربَهم واجعلْ لهم مِنْ كلَّ همٍّ فرجاً ، ومِنْ كلِّ كرْبٍ وضيقٍ مخرجاً ،ومِنْ كلِّ بلاءٍ عافيةً.