لماذا أقرّت طهران بتواجدها العسكري في سوريا؟

المدينة نيوز - اعتبر البعض في منطقة الخليج العربي أن إقرار القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، بوجود عناصر من فيلق القدس في سوريا ولبنان «جرأة وقحة وإهانة».
لكننا لم نكن ممن فوجئ بمثل هذا الإقرار. فقد سبق أن كتبنا في القبس يوم 22 يونيو الماضي، تحت عنوان «صراع إيراني ـــ خليجي في سوريا»، أن نجاحات الجيش الحر انحسرت وكثرت انسحاباته، ذلك لأنه وببساطة لم يعد يواجه الجيش النظامي فقط، بل قوات الحرس الثوري الإيراني وقوات النخبة في حزب الله اللبناني، وفرق الموت العراقية (جماعة «اليوم الموعود» وجماعة «عصائب أهل الحق»، وقوات «حزب الله العراقي») المدعومين جميعا من إيران.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، قد نقلت في مايو الماضي عن إحدى المواقع الرسمية الإيرانية، اعتراف نائب قائد فيلق القدس، إسماعيل كوان، بوقوفهم لجانب دمشق ماديا وجسديا. وأشارت الصحيفة الى أن الموقع الاخباري أزال المقابلة لخطورتها. ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، في أغسطس الماضي، أن إيران أرسلت قادة من النخبة والمئات من الجنود إلى سوريا لدعم بشار الأسد، ونقلت عن العميد سالار أبنوش، من الحرس الثوري، أن قرار إرسال تلك القوة جاء بعد بداية معركة حلب، وتفجير دمشق الذي أودى بحياة كبار القادة السوريين.
لقد كانت أغلب العواصم المشاركة في الأزمة السورية في الشرق والغرب تقول بتردد: إن لإيران قوات داخل سوريا. لكن طهران كانت تنفي ذلك. ثم جاء الإقرار مؤخرا، وما يهمنا هو معرفة دوافعه والغايات الإيرانية من إعلانه؟
ـــ تحاول طهران أن توهم العالم أنها لاعب كبير قادر على العمل على كل أنواع الفرضيات، كما فعلت في ملفها النووي. والإقرار بوجودها العسكري في سوريا لن تكون له تبعات تثقل كاهلها، فقد تجاوزت مهارة خلق الأزمات الى مهارة خلق الأزمات وإدارتها كقوة عظمى.
ـــ نجح الجيش الحر في أسر العديد من منتسبي القوات الإيرانية، ولن تستطيع طهران المطالبة بأسير أو حتى بجثته، طالما أنها تنكر وجوده، أو تدعي أن الأسرى من المتقاعدين رغم أن أغلبهم في ريعان الشباب.
ـــ تؤمن طهران بأن سقوط نظام الأسد مسألة وقت، وعليه فقد بدأت في حفر أساسات قاعدة لحزب الله، الذي سيخوض صراع اقتطاع معسكر له في خارطة الفوضى العسكرية التي ستعقب سقوط بشار.
ـــ أفادت معلومات مجلة دير شبيغل الألمانية بأن ضباطا إيرانيين كانوا ضمن القوة العسكرية السورية، التي قامت بتجريب أسلحة كيماوية نهاية أغسطس الماضي في الصحراء، بالقرب من مدينة السفيرة شرقي حلب، التي صدر على اثرها تهديد الرئيس الأميركي باراك أوباما الشديد للأسد. وما الإعلان عن تواجد عسكريين إيرانيين تحت مظلة التحالف العسكري مع دمشق ضمن اتفاقية دفاع مشترك، إلا لتجنيبهم تهمة المرتزقة أو محاكمتهم كمجرمي حرب لو ألقي القبض عليهم.
تنفيذ الأوامر
ـ خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي لمناقشة تقرير حول الآثار المترتبة على إيران جراء سقوط نظام الأسد، أمر المرشد الأعلى علي خامنئي فيلق القدس بتكثيف الهجمات ضد الغرب وحلفائه، رداً على دعمهم الإطاحة بالأسد. وما إقرار جعفري بالتواجد هناك إلا تنفيذا لأوامر المرشد الأعلى، ودخول الصراع الإقليمي والدولي في سوريا فصل صراع الإرادات الذي يتصف باللعب والأوراق مكشوفة.
ـــ ترى إيران نفسها رمزا للمقاومة والممانعة، وتحاول أن تحافظ على هذه الصورة في الداخل أكثر من أي مكان آخر. فهي المدافع بالمدفع وليس باللسان فقط عن الأمة الإسلامية في العراق وأفغانستان والسودان وسوريا.
ـــ أصبحت سوريا ساحة للصراعات الإقليمية. فإذا كان من حق الخليجيين والولايات المتحدة وتركيا فرض وجودهم على الأرض السورية وتزويد الموالين لهم بالسلاح والمال، فمن حق إيران أن تعمل في السياق نفسه وبعلانية.
ورقة للمساومة
ـــ شعرت طهران أنها قد غاصت حتى أذنيها في المستنقع السوري، وان اليوم وليس غدا هو أفضل فرصة للخروج من هناك. ولكون اجتياز المستنقع يحتاج لقارب قوي فقد صنعته من عناصر الحرس الثوري، القادر على جعل غرقها في سجلات مناوئيها عالي الكلفة.
ـــ في كلمته أمام قمة دول عدم الانحياز، دعا الرئيس المصري محمد مرسي الى حوار عربي ــــ إيراني ــــ تركي، لخلق ظروف انتقال آمن للسلطة في سوريا. فرحبت الدول المعنية بذلك، ومن ضمنهم إيران التي بدأت في خلق موقف تفاوضي متقدم عبر قوة عسكرية يدعمها نظام الأسد نفسه.
ـــ قد يكون في إقرار طهران بتواجد الحرس الثوي في سوريا كذب وتدليس، وعليه ستساوم على أن تسمح بسقوط الأسد، وبأن تسحب قواتها الكبيرة والفاعلة التي أوهمت العالم بوجودها بهذا الإقرار الإيحاء نظير تغاضي الغرب عن مشروعها النووي، أو بخلق موقف تفاوضي في اجتماعات طهران مع مجموعة 5+1 المقرر في أكتوبر المقبل.
تواجد إيراني مستتر
التدخل العسكري الإيراني الذي اعترف به اللواء جعفري هو انتهاك لسيادة سوريا، ويعطي المجلس الوطني السوري المعارض والجيش الحر والدول الداعمة للانتفاضة السورية مبررا لطلب التدخل العسكري الدولي. كما أن التواجد العسكري الإيراني دافع لدول الخليج، المترددة، لزيادة مددها المادي والمعنوي للجيش الحر، الذي مزق قناع التواجد الإيراني المستتر. لأن الفشل في تحقيق التدخل الدولي وعدم وصول المدد العسكري، يعني زيادة حجم التواجد الإيراني. فقد اتهمت واشنطن الحكومة العراقية قبل أسابيع بتسهيل نقل السلاح الى الأسد خلال فتحها المجال الجوي العراقي أمام الطائرات الإيرانية.(القبس)