الثورة حطّمت قاموس "البعث "..السوريون يستعيدون لغتهم
(رموز الثورة السورية)
المدينة نيوز - لو أن الثورة السورية تزامنت مع اندلاع الربيع العربي، لكانت مفردة ثورة ذاتها غريبة على السوريين. هم اعتادوا على سماع هذه الكلمة للتدليل على ثورة الثامن من آذار "المجيدة " التي قادها حزب البعث "ضد القوى الرجعية في البلاد ". لم يكن النظام السوري ليتخيل يوماً أن كلمة ثورة التي وجهها عبر أدبياته لتطال "قوى الاستعمار " سترتد عليه وتستخدم ضده.
طوال عقود من حكمه، سجن "البعث " اللغة وزوّر المفاهيم والمصطلحات، مُجيّراً كل شيء لصالحه. الثورة التي أطلقها بعض الصبية من مدينة درعا وامتدت إلى عموم المدن السورية هزّت قاموس "البعث " وحطّمت صنميته لتعيد للمفردات دلالاتها الحقيقية.
الشهيد
مفردة "شهيد " كانت حكراً على النظام الحاكم، هو من يحددّ "الشهيد " ويغدق عليه الأوسمة. النظام الممانع الذي لا يملّ من التذكير بتمسكه بالقضية الفلسطينية أنكر مرات كثيرة على الفلسطينين شهداءهم ﻷنهم يعارضون خطه السياسي.
في صبيحة 21 يناير (كانون الثاني) 1994 استفاق السوريون على خبر "استشهاد " النجل اﻷكبر للرئيس حافظ اﻷسد. المثير للصدمة في حينها أن المهندس باسل اﻷسد قتل جرّاء حادث سير على طريق مطار دمشق، وليس في معركة بين سوريا وإسرائيل. حتى أنه لم يمت اغتيالاً كي يتُّهم عدو ما بقتله فيصير شهيداً. مات بسبب قيادته الرعناء لسيارة فارهة. نظام "البعث " حوّل الشاب الذي كان يهوى الفروسية إلى "شهيد " و "فارس ذهبي "، تُسمّى الشوارع والساحات على اسمه.
بعد سبعة عشر عاما على تنصيب باسل اﻷسد "شهيداً " على السوريين، أعاد الشاب الدرعاوي محمود الجوابرة الاعتبار لكلمة "شهيد ". خلال مشاركته في إحدى التظاهرات السلمية، سقط محمود برصاص قوات اﻷمن ليكون أول شهيد في الثورة السورية. بعده سقط شهداء واجهوا القمع الدموي بالصدور العارية.. وما زالوا. وكل واحد منهم يسقط يحرر مفردة شهيد من حبسها.
المقاومة
صورُ الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله كانت تملأ شوارع دمشق ومدن سوريا الأخرى. فالرجل في الوعي الجماعي السوري هو "قائد المقاومة ضد إسرائيل " وهو "الأمل الوحيد الباقي لتحرير اﻷراضي المحتلة ". لكن نصرالله الذي وضع الكثير من السوريين أجزاء من خطَبه كنغمات لأجهزتهم الخلوية، خيّب أمل الشعب الثائر على نظامه وانحاز بوضوح إلى جانب النظام.
ليس موقف نصرالله وحده ما دفع السوريين إلى إعادة النظر في مفهوم المقاومة. بل أيضًا مواقف كثيرة عبّر عنها منظّرو "المقاومة " ودعاتها. الشعب الذي كان يصغي بسرور وحماسة، تحديداً على قناة "المنار "، إلى أنيس النقاش وهو يحلل مدى قدرة حزب الله على تهديد الأمن الإسرائيلي، وجد نفسه أمام المحلل ذاته لكنه هذه المرة يحلل مدى قدرة الجيش السوري النظامي على اقتحام بابا عمرو وإنهاء الثورة فيها.
يقول أحد الناشطين السوريين: "المقاومة في أذهان السوريين أصبحت موجهة ضد النظام الذي يسجن ويعذب ويقتل ويغتصب. تكرست هذه الحقيقة بشكل واضح بعد تأسيس الجيش السوري الحر على يد العقيد رياض موسى اﻷسعد وانتشار كتائبه في جميع المدن السورية بهدف مقاومة قوات النظام وحماية التظاهرات السلمية ".
يضيف: "من المؤكد أن الشعب السوري لم يُسقِط إسرائيل كعدو تاريخي يحتل أرضه. ما تم إسقاطه من وعي هذا الشعب هو التوظيف السياسي لشعارات المقاومة والممانعة، والذي أدّى في النهاية إلى تبرير القتل والقمع والظلم ".
البيجو
من المشاهد التي بقيت لعقود طويلة تزرع الرعب في نفوس السوريين سيارة بيجو (504) موديل (1975) بيضاء اللون. مجرد مرور هذا السيارة يعني وجود دورية مخابرات في داخلها، ذاهبة للقيام بعملية اعتقال أو مداهمة أو تشبيح. اﻷمن السوري اعتمد هذه النوعية من السيارات في الثمانينات اﻷمر الذي جعلها راسخة في ذاكرة المجتمع السوري كوسيلة للرعب وليس للنقل.
الخالة
أقارب المعتقلين السياسيين في سجون النظام كانوا يخشون الإفصاح عن مكان تواجد أقاربهم المعتقلين. يستعيضون عن ذلك بالقول إنه في بيت خالته. "بيت الخالة " مصطلح لا يعرفه سوى السوريين، المقصود به السجن السياسي. لا أحد يعرف من أين أتت هذه التسمية وكيف تم ترويجها ولماذا. البعض تجاوزت زيارته إلى بيت خالته عشرة أعوام وآخرون خمسة عشر عاما. تلك الخالة، كانت قاسية على السوريين.
"الخط الحلو "
حين نسمع سورييَّن يتحاوران عن شخص ثالث واصفان إياه بـ "خطه حلو " علينا أن نعلم أن ذلك الشخص هو مُخبِر يكتب التقارير لصالح أحد الأجهزة الامنية. "الخط الحلو " يترَجم في الوشاية بالآخرين والكتابة ضدهم. عدد كبير من السوريين فُنيت أعمارهم في السجون بسبب تقرير كتبه أحد أصحاب "الخط الحلو ".
بعد الثامن من آذار 2011 لحظة اندلاع الثورة السورية أصبح المغنّي ابراهيم القاشوش والطفل حمزة الخطيب أبرز الأمثلة عن الشهداء في سوريا. والمقاومة صارت كل عمل مناهض لنظام الحكم سلمياً كان أو عسكرياً. سيارة البيجو البيضاء عادت وسيلة نقل. "الخط الحلو " مشغول بكتابة اللافتات التي ترفع عادة في التظاهرات المعارضة.
والخالة عادت أختاً للأم يزورها السوريون كل أسبوع ويعودون إلى بيوتهم سالمين,.( لبنان الان)