الوحدة اليمنية في عامها التاسع عشر
قبل يومين وتحديدا يوم الجمعة الماضية الموافق 22/5/2009 صادفت الذكرى التاسعة عشرة لتوحيد شطري اليمن تلك المناسبة العزيزة والغالية على قلوب العرب والمسلمين جميعا كونها الانجاز والنجاح العربي الوحيد في بداية تسعينات القرن الماضي وسط المآسي والاضطرابات التي كانت ولا زالت تعصف بالعالم العربي.
وقد قُدّر لي ان اكون احد المتابعين لهذا الحدث العظيم حيث شاءت قدرة الله عز وجل ان اكون احد المعارين ضمن افراد البعثة التعليمية الاردنية التي توجهت الى اليمن في نفس عام الوحدة 1990 وشاركت الشعب اليمني احتفالاته وفرحته بهذه المناسبة.
واليوم وانا استذكر هذه المناسبة فقد جاشت نفسي ودفعتني للتعبير عما جال في خاطري وقد استعرضت شريط الذكريات الخاص بتلك المناسبة ولن انسى تلك اللحظات يوم 22/5/1990 لحظة مراسيم رفع علم الوحدة حيث انتابت معظم الحاضرين والمتابعين حشرجة وسرت في اجسامهم قشعريرة وفاضت الدموع من العيون من شدة الفرح, واقسم بالله اني شاهدت المرحوم المشير عبد الله السلال يمسح دموع الفرح من على وجنتيه وهو واقف امام سارية العلم وبالقرب منه المرحوم الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر وعلامات الفرح والبِشر واضحة على محياة وحولهما جمع من رجالات اليمن من شماله وجنوبه ومن شرقه وغربه واقفون وبشموخ جبال اليمن اسود امام عرينها هذا المشهد الرائع ترسخ في ذاكرتي ويأبى ان يفارق مخيلتي وقد دفعتني هذه الحالة التي انتابتني والتي امتزجت بالحب الشديد لليمن .
وبعد حوالي ستة شهور من التاريخ المشار اليه رتبنا رحلة القصد منها التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة والتعرف ومشاهدة تلك الحدود التي كانت تفصل الشطرين ورأينا ان تكون الرحلة انطلاقا من الشطر الشمالي صوب الشطر الجنوبي وقد شارك في هذه الرحلة مجموعة من التربويين من ابناء الوطن العربي المعارين الى اليمن ومجموعة من المعازيب من اهل اليمن وانطلقنا من مدينة تعز مرورا بالدمنه والراهدة وحيفان وسلكنا وادي القبيطه والعبوس وصولا الى طور الباحة حيث وقفنا على الحدود التي كانت تفصل الشطرين فما رأينا شيئا سوى براميل عادية مغروس نصفها في الارض مصفوفة بجانب بعضها البعض وتجاوزناها الى اول مدينة في الشطر الجنوبي لحج وعندما دخلناها لم نلحظ اي فارق بين اليمني الشمالي واليمني الجنوبي فالاشكال واحدة واللهجة واحدة وكل شيء واحد وتبين ان الشعب اليمني لم يكن في يوم من الايام قابلا للقسمة فهو شعب واحد فالاب من عدن والابن في تعز والابن الثاني في صعدة والابنة متزوجة من ابن عمها في ذمار والابنة الثانية متزوجة من ابن خالها في صنعاء نسيج متين قوي يصعب تشطيره وان حالة الانشطار التي جثمت على صدر الشعب اليمني ردحا من الزمان ما هي الا حالة من صنع الاستعمار الذي من دأبه خلق بؤر توتر في شتى انحاء العالم ليسهل عليه السيطرة وتحقيق اهدافه واطماعه, وهكذا وبوصولنا الى عدن وتجوالنا فيها والجلوس قليلا على شاطئها الذهبي واخذ قسط من الراحلة قبالة بحر العرب.
انتهت مرحلة الذهاب من الرحلة وبدأنا مرحلة الاياب فكانت العودة من الطريق الرئيسي بين تعز وعدن مرورا بمحافظة الضالع ومن امام قاعدة (العَنَد) التي كان لها فيما بعد حكاية يعرفها اليمنيون فقط وانتهت المرحلة من حيث بدأت في مدينة تعز وبالتقييم كانت النتيجة والحقيقة ان الشعب اليمني موحد بطبعه وفطرته وان اعلان الوحدة في 22/5/1990 كان وأد للتشطير ودعاة التشطير وان ذلك ترسخ وتجذر عام 1994 حينما تم دفن مصطلح الانفصال والتشطير بلا عودة فهنيئا للشعب اليميني وحدته ابعثها من اردن الحشد والرباط تهنئة صادقة ممزوجة برائحة الشيح والزعتر والقيصوم عبر سماء الارض المقدسة لتحمل معها بركات الحرمين الشريفين معانقة جبال اليمن الشماء الشامخة الشاهدة على حضارات ضاربة في جذور التاريخ وتحية الى كل من ساهم في صنع الوحدة.
وختاما هذا نداء من مواطن اردني عربي مسلم الى كل المخلصين من ابناء الشعب اليمني للحفاظ على هذا الانجاز العظيم والمكتسبات الرائعة التي حققتها الوحدة والتي ازعجت واقلقت اعداء اليمن وتفويت الفرصة على كل من يعزف في هذه الايام على شبابة الانفصال والتشطير لا قدّر الله. وألهث بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى ان يحفظ اليمن موحدا قويا منيعا شامخا شموخ جباله وان ينعم عليه بالامن والامان والاستقرار وعلى الشعب اليمني بالتقدم والازدهار والرخاء.