العرض المسرحي "إلى إشعار آخر" يعيد تأثيث المكان المسرحي
المدينة نيوز - أعاد مخرج العرض المسرحي "إلى إشعار آخر" المأخوذ عن نص الدكتور عبدالكريم السوداني، تأثيث المكان المسرحي "الخشبة" لينسل من خلالها إلى رؤيا مسرحية تعيد صياغة الفضاء المسرحي إلى أبعاد لامتناهية تجعل من المتلقي عنصرا رئيسا فيه، لتفعيل محتوى عملية الاتصال والتفاعل الدرامي وبعدها العلائقي معه.
ومن المعروف أن السينوغرافيا تهتم بتأثيث خشبة المسرح وتنظيمها وتأطير الفضاء الدرامي وتصويره ووضع مناظره المشهدية وبناء الديكور، وهي فن بمعنى أن السينوغرافي لابد أن يكون له ذوق جمالي وفني في تأثيث الخشبة المسرحية، وأن ينطلق من روح إبداعية في فهم النص الدرامي وتفسيره وخلقه من جديد، وصياغة الرؤية الإخراجية للنص الدرامي المعروض أمام المتفرجين، إذ أن المسرح ليس نقلاً للواقع كما هو ولكنه لحظة ابداع ممتزجة بقراءة فكرية.
وفي رؤيته الدرامية للعرض الذي افتتح به مساء الخميس موسم مسرح الكبار على المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي وكان شارك في مهرجان المسرح الاردني التاسع عشر والذي اختتم الاربعاء الماضي، نحا مخرج العمل الزيودي في توظيفه لإعادة تشكيل خشبة المسرح وإعادة تشكيل اماكن الجلوس، من خلال استحداث خشبة إضافية تمتد كتشكيل معماري جديد حيث حيز الجمهور، الى الاقتراب من مذهبي تكعيبية السينوغرافيا ورمزيتها الاحالية في آن، لتشكل محمولات درامية تتسق مع الرؤية الشمولية للفضاء المسرحي واحداث العرض.
العرض يستهل بمؤثرات صوتية مختلفة (ريح وصهيل الخيل وصفارة القطار وطائرات وانفجارات) بما حملت من معان، تصاحبها خلفية موسيقية الفها الفنان نصر الزعبي لترانيم عزف شفيف للعود تنبعث في ظلمة المشهد التي يشقها دخول شخصيتي اللصين اللتين جسدهما محمد خابور ومحمد ابو غزلة، بمعطفيهما مرتدين نظارتين سوداويتين وهما ينفثان دخان سيجارتيهما ليقفا على جهتي الامتداد المستحدث للخشبة، حيث تسلط عليهما إضاءة علوية بيضاء لتعلن عن هوية متداخلة لهما راوحت بين تلك الفئة التي تسرق احلام الشعب، وتحتمي بنفوذ خفي.
ويأتي عنصر الاضاءة والتعتيم الذي نفذه محمد المراشدة، موزعا بتغيراته ومتسقا مع سياق مشاهد العرض واحداثه مضفيا بعدا جماليا مكملا لفضائه حيث حملت الاضاءة مدلولاتها وابعادها وجاءت كتوظيف مطلق لأسلوب عرض الصور الدرامية الصادمة تارة والشاذة تارة والرومانسية تارة والحزينة تارة اخرى، فيما حجبت مقاعد الجمهور التي احتلت الخشبة الاصلية، الاضاءة السفلية الزرقاء لمتموضعة على يمين الخشبة ذاتها، وهو ما طرح تساؤل جدوى وجودها .
مشهدية ظهور الفنان المتميز محمد الابراهيمي الذي قام بإعداد النص، تجلت فيها الصورة الجمالية للسينوغرافيا بمختلف ابعادها ما اوجد توازنا مسرحيا مميزا، حيث يدخل من خلفية خشبة المسرح الاصلية عابرا لستائر سوداء ينبعث من عمقها ضوءا مثل كوة لا متناهية للامكان لازمها إنبعاث دخان ابيض شفيف.
العرض الذي كاد ان يكون عرضا مونودراميا حيث حمل عبئه الاكبر الفنان الابراهيمي بأدائه المتميز، جاء محملا باسقاطات اجتماعية وسياسية معبرا عن إرهاصات المواطن العربي في مواجهة واقعه الموغل في التهميش وغياب الحقوق المنتهكة من قبل فئة فاسدة استطاعت ان تتشكل بصور مختلفة وتختفي وراء شخصيات ووجوه متعددة.
واستطاع الزيودي ضمن رؤيته الاخراجية بتحقيق الموائمة الحركية للممثلين من خلال ضبطها كي تتوافق مع الموقف الدرامي النص المنطوق، الذي توزع بين اللهجة المحكية والفصحى التي سقط الخابور وابو غزلة في اخطائها النحوية ورتابة اتكائهما على مفردات شعبية مكررة في عروض سابقة وجاءت غير موفقة وفائضة عن الحاجة، إلا ان التعبير الجسدي لدى فريق التمثيل باستثناء الفنان الابراهيمي، جاء الى حد ما انفعاليا، فيما عبرت الموسيقى بمختلف تلاوينها عن الموقف الدرامي للحدث واتسقت مع سياق نصه المنطوق، مثلما جاء الشكل الخارجي للممثلين من حيث الملابس متوافقا مع المشاهد التمثيلية والمواقف الدرامية وعبرت عنها بوضوح.
يتلخص العرض الذي لا يخلو من تهكمية بأسلوب الكوميديا الخفيفة بهدف تبسيط وكسر الحتمية المأساوية للحكاية، حول شاب لأسرة فقيرة من 6 اشخاص يبحث عن الاشياء المفقودة منه في حقيبة وهو الذي فقد حبيبته واضاع احلامه لعدم قدرته الحصول على عمل يوفر له حياة كريمة، فيما لصوص يسرقون كل شيء ليختتم مشاهده وشخصية الممثل الرئيس الشاب/ الابراهيمي يرفض الاستسلام والخضوع لخياراتهم الموزعة بين الانضمام اليهم او السفر، بقوله "لن ارحل سأبقى هنا". (بترا)