كلنا شركاء في الفساد
معتذرا عن الاطالة فإنني سأبدأ مستغربا من كثرة من يضربون الدولة اليوم على وجهها وقفاها , في زمن قد ازدادت فيه القلاقل , وحرمت فيه الدوح على البلابل . هذا التعنيف بهذه الطريقة البشعة , قادني الى تساؤل ما أحوجني إلى من يجيبني عنه , أي ذنب قد اقترف الأردنيون حتى استحقوا هذا الكم الهائل من الانتقاد وعدم الرضى ,لا ممن في الداخل ولا ممن في الخارج ؟!!, والأدهى والأمر أن عداء من في الداخل وشره أكثر تأثيرا وأكبر وقعا .
أصبحت أتجرع كما هائلا من المرارة صباح كل يوم , مرارة تغنيني عن المرارة التي أتجرعها في فنجان القهوة " السادة " الذي يفترض أن اتناوله في كل صباح . والسبب في هذه المرارة يعود إلى أنني قد حرمت كما غيري من وطن أستطيع أن أجاهر بالافتخار به , وبأنني أنتمي اليه , وصارت عبارات القدح والذم تنطلق من أفواه "خط الهجوم السريع" على كل مَنْيختلف معهم في الرأي أويستنكر شيئا من الأفعال التي يقومون بها , فمرة يقولون عنا "سحيجه" , ومرة ومرة , حتى أصبح الواحد منا يخاف من الدخول معهم في حوار سينتهي بكل تأكيد بوابل من الشتائم , إن لم تكن معلنة بدافع الحياء, فهي وبكل تأكيد في السر, لها ما لها من تأثير .
أصبح حب الوطن مجاملة وبلطجة , وأصبح التطاول والهمجية والاعتداء على الآخر واحدة من العلامات التي تدل على الرغبة بالإصلاح ومحاربة الفساد , اذا اجتمع نفر قليل منهم ,رفعوا شعارا كتبوا في مقدمته " الشعب يريد " , وإذا تحدث شخص, فعبر عما يدور في أذهان الالاف بل الملايين , فهذا الشخص لا يعبر عنهم ولا يمثلهم , وينضم سريعا الى قائمة " السحيجه" أو البلطجية , معادلة ما أصعب حلها لو أردنا لها حلا .
أما عن الفساد , المسرحية التي أصبح المطالبون بالقضاء عليه من عشاق الشهرة السياسية والاجتماعية هم ابطالها , بينما يجلس مخرج هذه المسرحية ومؤلفها مع جمهور المتفرجين , ينتظران النتيجة لما قد صنعت ايديهما بفارغ الصبر .
أخطأ هؤلاء عندما حصروا الفساد في فئة قليلة من الناس أطلقوا عليهم اسم النظام , وهنا يخرج لي سؤالين اضيفهما الى سؤالي الأول , ما الذي يعنيه هؤلاء بكلمة الفساد ؟ ثم ما الذي يعنيه هؤلاء بكلمة النظام ؟ ,
اذا كان الفساد المقصود هو مخالفة أوامر الله , فهم في هذا التعريف قد اتفقوا مع ما جاء في كتاب الله عز وجل عندما قال سبحانه وتعالى , " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " فلا نستطيع أن نختلف معهم على هذا التعريف أبدا , ويكون غالب المجتمع في هذه الحالة شريكا في جريمة الفساد , ويسقط مباشرة من غالبية الناس حق المطالبة بمحاربة الفساد واجتثاثه من المجتمع .
إن قالوا لكم كيف هذا فاسألوهم , عن نساء كاسيات عاريات , مائلات مميلات , رؤوسهن كأسنمة البخت المائلات , واسألوهم عن النوادي الليلية والخمارات , ثم اسألوهم عن ما يحدث في المدارس والجامعات , وفي المعاهد والكليات , ثم اسألوهم عن مواقع قد تم ترخيصها لبيع القهوة والشاي ما يحصل فيها من منكرات , ثم اسألوهم عن مواقع تم ترخيصها كمراكز ثقافية يستفيد الداخلون اليها من خدمات "الانترنت" , ما الذي يحدث فيها بعد الثانية عشرة ليلا بالذات , ثم اسألوهم عن شارع الأردن , وشارع وادي صقرة , ودوار عبدون وغيرها وما يفعله فيها الساقطونوالساقطات ,اسألوهم عن شباب في عمر الزهور ملأوا الأسواق والمولات , وهجروا الكتب والمكتبات , ثم اسألوهم عن صلاة قد ضاعت , ومساجد قد هجرت , وبرامج في شاشات التلفاز قد بثت وحفظت , واسألوهم واسألوهم .
إن أجابوكم عليها فاسألوهم هل سمعتم أو قرأتم " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ,أم أنكم تريدون بحراككم هذا تحد صريح لكلام الله عز وجل بزعمكم قدرتكم على الاصلاح والتغيير في ظل هذا الحال المتهالك الذي أشبه ما يكون بالجاهلية الأولى بابتعادنا عن أوامر الله سبحانه وتعالى , فما أشبهكم بمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم .
وإذا كان الفساد برأيهم هو التعدي على أموال الدولة الذي أدى إلى افلاس الخزينة وبالتالي بيع مقدرات الوطن واحدة تلو الأخرى فهذا سيولد مجموعة كبيرة من الأسئلة التي كم أتمنى لو أجد إجابة عليها ,
باعوا أمام عيوننا فسكتنا عن تصرفهم ولم ننكره أصلا , انتخبنا نوابا لينوبوا عنا في مجلس الأمة فكانوا نائبة على الوطن قبل أن يكونوا نائبة علينا , خرجوا من مجلسهم يجرون أذيال الخيبة ورائهم وكانوا على درجة من الوقاحة بأن رشحوا أنفسهم للانتخابات مرة أخرى , وكنا نحن على درجة من الغباء فأعدناهم إلى المجلس ليستمروا في مسلسل الاستخفاف بعقولنا ,
وضعنا شرطا على من نريد أن ننتخبهم للمجلس أن يوظفوا لنا ابنا أو أخا أو قريبا , فكان النائب الذي ننتخبه مضطرا لأن يستجدي الوزراء ويطلب رضاهم ليلبوا له مطالبه , ثم وبكل ذكاء طلبنا من النائب في المجلس أن يعارض قرارا للحكومة أو أن ينتقد وزيرا من وزرائها , يترشح عندنا الدكتور والمهندس والمؤهل فنختار ابن العشيرة , فيخرج لنا بخطابات لا نعرف لها بداية من نهاية , ونطلب منه أن يناقش القوانين وأن يعدل عليها بصفته مشرعا للقوانين مراقبا للأداء الحكومي . يشترون أصوات البعض ببخس المال , ثم يعودون الينا ويتحدثون عن الفساد ومكافحته , فيكون الرويبضة هو سيد الموقف ويدخل سريعا في مدرسة سرقة البلد وممتلكاته , إن لم يكن بشكل مباشر فبسكوته على من يسرقوننا أمام عيونه , وبهذا يتضح سريعا أننا قد فشلنا في اختيار من يمثلنا , ليس لمرة بل لعدة مرات , جعلت للبعض مقعد دائم في مجلس النواب , وهذا الاختيار السيء لمرات متتالية عليه ضريبة لا بد أن ندفعها .
قد يخرج أحدهم ليقول أن الدولة هي التي تختار هؤلاء وتتدخل بنجاحهم , أقول أن الدولة مهما بلغت من الذكاء فإنها لا تستطيع أن تختار خمسين بالمئة منهم , فيبقى لنا اختيار البقية , فأين بالله عليكم نصف النواب الذين كشفوا لنا التلاعب المستمر بأموال الدولة الذي أدى إلى أن نصل إلى ما وصلنا اليه اليوم , وأين نصفهم الذين حجبوا الثقة عن حكومات أثبتت فشلها من تجارب سابقة ؟!
ولكن المصالح الشخصية والأنانية أدت إلى ابتلاء ما أصعبه , مصالح النواب وذويهم تحتاج إلى صاحب قرار , وصاحب القرار هو وزير أو مسؤول أكبر منه , والسكوت عن حق هو النتيجة في كل الأحوال , والابتلاء هو لص وقح , يسرق , ويعلم نوابنا أنه يسرق , وهو يعلم أنهم يعلمون أنه يسرق , ثم يقول لهم :حاسبوني إن استطعتم ؟!!وبصراحة الأمر فالميزانية ومال الدولة أصبح شبيها بالمال السائب لكل من هؤلاء الحق بأن يأخذ منه ما يشاء ,
صرنا نراقب هؤلاء يسرقوننا فما راق لنا أن نتركهم في ميدان السرقة بمفردهم فدخلنا إلى الميدان , هذا يتهرب من الضريبة , بل ويتبع الف طريقة وطريقة للتهرب من الضريبة , والآخر يقوم بسرقة الكهرباء أو الماء أو حتى الدواء , والثالث يقوم بأخذ الرشوة من مواطن للقيام بواجبه , ومواطن يريد التجاوز عن القانون فيدفع الرشوة , مواطن يتعاون مع أحد المسؤولين لتزوير أوراق عطاء حكومي معين , وآخر يأخذ معونة من إحدى المؤسسات الحكومية التنموية فيقوم بعمل مشروع أوله نصب وآخره احتيال , الآخر يستخدم سيارة الدائرة الحكومية لأغراضه الشخصية , والآخر يقوم بتوظيف حارس على مقبرة لكسب الرضى , وأحدهم يقوم ببناء مدرسة حكومية تكون عرضة للسقوط بعد عام أو عامين لأنه قد خالف المواصفات , وعلى سرقتنا للمال العام أمثال كثيرة سأكتفي منها بما ذكرت , ليتبين سريعا أننا شركاء في جريمة الفساد مهما كان نوعه وأيا كان شكله , وهذا ليس من اليوم ولكن منذ فترة طويلة من الزمن !!
( ..... )
وإن كان المقصود بالنظام كل من هو مسؤول , فهذه أشبه بشوكة علقت بكرة من الصوف , يا الله ما أصعب إخراجها , نحن والمسؤولون شركاء في جريمة الفساد , الساكت عن الحق شيطان أخرس , والمستفيد من الفساد الساكت عنه فاسد أيضا , الشعب يختار النائب , والنائب يسكت , والمسؤول يسرق , والمعادلة شائكة صعبه .
وهنا إذا تحدثنا عن إصلاح النظام فهذا يبدأ من بيوتنا .
خلاصة القول ... الفساد موجود بل ومستفحل , وكلنا شركاء فيه , والحل لا يمكن أن يكون من الشارع , بل ربما سيبدأ من بيوتنا , غيروا ما بأنفسكم يغير الله أحوالكم . والله من وراء القصد .