أزمةٌ أخلاقيةٌ فتّاكة
بدأها رسول الله بقوله ' إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق ' فأين نحن من هذه الاخلاق التي جاء رسول الله متمماً لها... أفعالنا وممارساتنا لا ترضى بها الديانات السماوية ولن ترضي الا صاحب ضمير ميت لا يخاف الله, لم يتوقف رسول الله بهذا القول فحسب قول رسول الله ' الراحمون يرحمهم الله, ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء' ألم يأن أن نتخلق بهذه الأخلاق التي يحثنا رسول الله عليها, هي البداية دائماً سابقة بكل شيء في خير البشرية من الله ورسوله.
فلا أحد ينكر الأزمة الأخلاقية الفتاكة التي تجتاح ابناءنا, خاصة قضية التحرش الجنسي والتي بدأ ظهورها بالمجتمع خلال السنوات الاخيرة, ولكنها هذا العام هي بتزايد مستمر وربما تصل الى حد الظاهرة في المستقبل القريب إن لم يتم التصدي لها ووضع أسس مكافحتها, فالتحرش الجنسي الذي يتعرضن له الفتيات على ابواب المدارس والطرقات بات يشكل خطراً كبيراً وفتّاكاً ويهدد أمن مجتمعنا واخلاقه, الامر ليس ببساطة كلمات تُقال وإنما الاخلاق هي بناءً وقوة لكل مجتمع, فمن خسر أخلاقه خسر قوته وهيبته فكيف حين يخسر المجتمع أخلاقه من فئة ضالة فقدت الوازع الديني والاخلاقي, وفي تخيّر الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى, ولقد أحسن من قال:
واختر من الأصحاب كل مرشد إن القرين بالقرين يقتدي
فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى
وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً
لم يقف الامر في تعرض الفتيات للتحرش على الطرقات وابواب المدارس فمنهم من سولت له نفسه الدخول الى ساحات المدارس وانتهاك حرمتها, فقلوب هذه الفئة خالية من الدين والمعتقدات الصالحة, فأين الأب من ابنه, والعتب اولاً يقع عليه, فمن حق الابناء على الوالدين تعلم كتاب الله عز وجل والصلاة وذلك في قوله تعالى: " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " فالأمر لم يتوقف هنا ايضاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتعليم الابناء الصلاة وهم أبناء سبع وأمر بضربهم عليها وهم أبناء عشر, حتى يبلغوا وهم يؤدون الصلاة.
فحين يغزو مجتمعنا ظاهرة لا تمس ديننا الاسلامي بشيء لا بد من الوقوف على اسبابها, فلو تعلّم الابناء اثناء صغرهم انه وُجِب عليهم الاستئذان قبل دخول أي مكان لكان لهم ذلك توجيهاً ومعرفة بغض البصر وعدم اعتراض حرمات المسلمين, وذلك ملحوظاً في اسلوب تربوي متدرج في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} صدق الله العظيم. ففي حين تربية الأولاد على هذه الآداب تعويد لهم على غض البصر عن العورات وحفظ لهم من أسباب الإثارات التي قد تسبب لهم بعض الأضرار النفسية والاجتماعية والخلقية.
التربية الاخلاقية اساسها ارضاء الله سبحانه وتعالى وذلك بتجسيد الأخلاق القرآنية في مناشط الحياة عن طريق تنمية الوازع الديني الداخلي, ألا وهو الضمير الاخلاقي الذي تأتي أفعاله حسب ايمان الفرد بالله وصدق معتقداته التي تربى عليها, فإن لم يكن لديه الايمان بالله والمعتقدات الكافية بدينه لن تخرج منه أفعالٌ مرضية لدينه ومجتمعه, ولا بد من التزود ايضاً بالمعرفة عن طريق العلم والتجربة, وتربية الإرادة لتربي في الفرد حرية الاختيار الصحيح, والقدرة على عمل الخير أينما حلّ وكان.
هناك نقصٌ حادٌّ في القِيم والأخلاق، على مستوى الدول والمجتمعات والأفراد، وذلك يؤدي إلى نتائج مدمِّرة تهدِّد القِيم العليا والأهداف السامية في المجتمع, وبذلك تولّدت الأزمة الأخلاقية واستفحلتْ؛ بسبب عدم الخوف من الآخرة ونسيان الموت وما بعده من عذاب القبْر أو ثوابه، فصار أكثر الناس لا يخافون الله ولا يستحيون منه؛ ممَّا شجَّعهم على ممارسة المزيد من أصناف الأخلاق السيِّئة، وهم يظنُّون أنهم يحققون إنجازاتٍ كبيرة، يستحقون الاحترام والتقدير عليها، خاصة في ظل سكوت الصالحين.
أخي القارىء الكريم لست هنا معمماً على أخلاق ابناءنا كافة وإنما هي دعوة لضرورة معالجة هذه الظاهرة قبل أن تتفشى بشكلٍ أكبر من ذلك, فانتهاك حرمة بناتنا ليست بالامر البسيط, ولا بد من وضع حلول لمكافحة هذه الظاهرة الأخلاقية وغيرها من الظواهر المنتشرة بين فئات قليلة وضالة أخلاقهم خارجة عن ديننا الاسلامي.