المواطن والاعلام الوطني
كان المواطن الأردني في فترة التسعينيات وحتى وقت ليس ببعيد يتعايش مع إعلام ينقل له العام من الأخبار والرسمي من القرارات في وجبة إعلامية تحيط الشأن العام بثوب من الايجابية وطرح أفكار الحكومات من خلال أسلوب المقابلات التلفزيونية وإخراج البرامج التي كانت تلبس ثوب الوطن وتتعايش مع هموم المواطن وقضاياه , ولا أنسى كيف أن الناس كانوا "بتمسمرو على الساعة 9" لمشاهدة 60دقيقه مع الإعلامي د.عساف الشوبكي , وعندما كنت صغيرا ومع أني كنت لا افهم ما يجري بتحديد في الستين دقيقه هذه ولكن كنت أتشوق لهذه الفترة من الليل لما أراه من اندماج أسرتي مع هذا البرنامج كما هو الحال مع باقي الأسر الأردنية , وحتى موجز السادسة كانت له نكهة جميله ومشاهدة جدا منتظره من قبل كافة شرائح المواطنين , إضافة لبرامج كانت تعتبر رئة المواطن الصباحية التي يستنشق منها أخبار الوطن ويسمع قصص الناس ,وكيف كان يوم جديد ويسعد صباحك برامج لها رونقها وإبراقها في بيوت الأردنيين ,ولم يكن يوم الجمعة يوما مكتملا إلا بمتابعة برنامج يسعد صباحك ,وكانت أمهاتنا تقص لنا أخبار الناس والوطن بعد عودتنا من المدارس لمشاهدتهن برنامج يوم جديد,وحتى جريدة الرأي أو الدستور أو العرب اليوم ودخان سيجارة الوالد ورائحة قهوة الصباح تتلاعب بين أوراقها .
لم يكن المواطن الأردني بسيطا بقدر ما كان الإعلام الأردني أكثر محاكة للواقع , وان سياسية الإعلام لم تكن متعددة الأوجه ولا تحتوي على رغبات في إظهار أشخاص وإخفاء آخرين كما يحدث الآن , واقصد إعلاميا فإننا لاحظنا اختفاء الكثير من الأوجه الاعلاميه التي اعتاد عليها المواطن إما مهاجرة لمكان استوعبهم وشعر بقيمتهم أكثر أو أنها كما اعتدنا دهاليز إعلام وخطط تهميش وسياسيات "مودرن".
وبعد الانفتاح في الإعلام المسموع والمقروء أصبح المواطن في كل صباح يواجه كم هائل من الأخبار العديدة المتناقضة والمشكلة أنها تكون مرفقة بصور ومصادر في بعض الأحيان تجعلك في حيره وغير قادر على تحديد موقفك من قضية ما ,فأصبح المواطن لا يقرا إلا الكترونيا ولا يشاهد إلا فضائيا ,ومن ثم يمارس حياته في واقع لا يظهر كل هذه التداعيات الاخباريه والاعلاميه التي تشعره بان الوطن كره ملتهبة بالأحداث السياسية والاقتصادية في كل لحظه .
نحن نعي بان العالم أصبح أكثر قربا والأحداث أصبحت أكثر سرعة في التفاعل مع بعضها البعض ,ولكن هناك مساحه فكريه تعيش في وجدان كل مواطن أو قارئ لا يجب أن تمس من قبل الإعلام وهي الرؤى الراسخة والمبادئ المعيشية التي تعطيه وقود حياة واستمرارية معيشية مستقره ,فلا يجوز أن نعرف الأسود اسود وفي الصباح يتضح لنا من خلال خبر أو قضية مضخمه بأنه ابيض ,لا أقول بان إظهار الحقيقة ليس واجب بل بالعكس على الإعلام أن يظهر ما هو موجود ولكن وأنا لا أضيف هنا من منطلق تخصص في الإعلام بل مواطن متسائل أليس الخبر أو القضية إذا ما نظرنا إليها بمهنية إعلاميه تعتبر كمسلسل أو فيلم سينمائي له مخرجه الذي يتوخى الحذر في عميلة إخراجه على المشاهد خاصة عندما يكون الفيلم أو المادة المشاهدة تمس قضية رأي عام أو مذهب معين أو حتى قضايا تاريخيه ؟؟
وان إعلامنا الوطني إعلام حر ومهني ولكن وكما قرأت عن نظريات الإعلام , فهناك نظريات متعددة في الإعلام وهذه نظريات عالميه في تصنيف نوعيه المادة الاعلاميه أو حتى منهج الإعلام في التعامل والتأثير على القارئ ,فهناك من يحب ويعشق من أقطاب إعلامنا( نظرية الرصاصة)- ولا اعلم إذا وافقني القراء على هذا المسمى – فهناك بعض المواقع التي تبحث عن تخدير القارئ بخبر كصاعقه تجعله يدور في دهاليز الموقع أو الجريدة لدقائق كثيرة بحثا عن المزيد وصولا إلى سريان سيل من الأفكار والتحليلات داخل عقل القارئ تجعله فيما بعدا مفكرا متحدثا بهذا الخبر أو ذاك, وأصحاب هذا الفكر يطمحون إلى الصعق الذهني للفكر ولكن" المؤقت" والذي يخدم فترة و وفئة معينه , وبعدها قد تزول تأثيراته عن القارئ , وهناك أيضا نظرية تهدف إلى جعل القارئ يتابع معجبا وليس متشوقا أي أنها تبحث عن تلقيح الفكر بماده إخبارية منتظمة طبيعية التفاعل مع الواقع من اجل خلق ثقة مع القارئ وهذا ما يسمى (نظرية التلقيح) ,مع أني أفضل نظرية أخرى وهي( نظرية الأولويات) فهذه نظريه تهدف إلى إبراز المادة الاعلاميه والاخباريه التي تغطي أولويات الوطن أو البيئة التي نعيش أو بطرح عام للقضايا الهامة التي تعنى بهموم القارئ, ومناقشتها لتؤدي دورها في رفد البيئة المحيطة بنوع من الفهم والتأمل وذلك من خلال ترسيخ الفكرة أو الخبر بجوانب إعلاميه شامله بالتحليل والاستكشاف الميداني وإبراز كافة الآراء والى آخره من شجون الإعلام وأساليبه .
ومن هنا نعود منهين حديثنا إلى فقرتنا الأولى واستذكارنا للفترة الذهبية التي كان بها إعلامنا يداعب فكر المواطن ويتقرب منه بأسلوب إعلامي مهني ومطبقا الأولوية في طرح القضايا ومحاكيا لواقع المواطن- وشاملا لما يهمه – وقد تكون هناك انتقادات عديدة لتلك الفترة ولكن لن تكون في الأسلوب أو في الفكر الإعلامي , بقدر الانتقاد للجودة والمقدرة على مواكبة التكنولوجيا وفن الإخراج, فقد كان التأثير العام للإعلام الأردني واضحا على المواطن وبطريقة ايجابية, ولكن الآن أصبحت وللأسف المطابخ الاعلاميه كثيرة فأصبح الخبر يعرض بأساليب مختلفة ومن مصادر متعدده , حتى أصبح الإعلام يحكم على القارئ وليس العكس فمن يجعلك تحتار وتفكر كثيرا حقق ما يريد وأنت ما زلت غير قادر على أن تحدد الفكر الصحيح الذي تنتهجه ,وفي النهاية كلنا فخر وابتهاج بالإعلام الوطني الذي نمتلك والذي يعتبر ميزه تجعلنا أكثر دراية بما يحدث من أي شعب عربي آخر ولكن ينقصنا تحديد الموقف والفكرة في عقولنا ,لا اعلم هي بوادر تفاعل حقيقي مع الديمقراطية من منطلق الرأي والرأي الأخر؟ أم هي فترة زمنية تحاكي هذه التداعيات الكثيرة محليا وعربيا ؟ هي الجملة المعتادة الحكم للقارئ !