أضواء على زلازل سياسية ستشكل الشرق الأوسط
المدينة نيوز - كتب ديفيد جاردنر في صحيفة الفايننشال تايمز تحليلا لما يجري في الوطن العربي وتاليا نص المقال الكامل - : وضع العامان الماضيان نهاية لفكرة أن العالم العربي كان آمناً في أيدي طغاة طيعين، وهي معادلة بطيئة تجاهلت الطرق الكثيرة التي كان الاستبداد العربي يبني من خلالها خط تجميع بهدف معين تقريباً، وهو صنع الإسلاميين. ولكن، في بداية العام الثالث لانكشاف فوضوي للصحوة العربية، تعاملت المنطقة مع أربع لحظات قد تُعتبر زلزالية.
ستمتحن الثورة السورية والسقوط المعلق لسلالة الأسد الحاكمة الغارقة في الدماء، والمواجهة الخطيرة مع إيران، والموت الوشيك لحل الدولتين في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي جميعاً شجاعة وبراعة صانعي السياسة.
وقد تأمل أمريكا في الارتكاز على آسيا وقد تكون أوروبا متحولة نحو الشؤون الداخلية، ولكن الشرق الأوسط لا يمنح أي مهلة للممثلين الدوليين أو الإقليميين.
لقد كان الغزو الإنجليزي الأمريكي للعراق، والذي كان دحرجة مندفعة للبيادق الإقليمية، وهو الذي جدّد المعركة التاريخية بين السنة والشيعة.
تعتبر سورية، وربما لبنان الخطوط الأمامية الأساسيّة حالياً في هذا السباق المضر. وتعتبر الطائفة العلويّة التي ينتمي لها بشار الأسد والتي تمثل أقليّة، وهي فرع مقصور على فئة معيّنة نشأت من المذهب الشيعي الذي يعتبر العمود الفقري والجهاز العصبي لدولته الأمنيّة المتداعيّة، وكيلة الشيعة التي يجتمع حولها إيران وحزب الله، الحركة الشيعية شبه الدولة في لبنان.
على العكس، فإن قرار الغرب بالابتعاد قليلا عن محاولة الأغلبية السنيّة في سورية للتحرر من نظام الأسد، يترك في الواقع مهمة توفير المساعدات والسلاح للثوار لدول الخليج.
وفي ليبيا، اختارت الولايات المتحدة أن "تقود من الخلف".
في سورية، اختارت أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون موقفاً كان له عواقبه، فقد حوّل سورية لنقطة جذب للمجاهدين المتطرفين وعزز من تأثير الراديكاليين الإسلاميين المحليين، بشكل يتجاوز ما يمكن أن يوّلده المجتمع المتباين كالفسيفساء في سورية، بشكل طبيعي.
حدث شيء مماثل بينما كان الغرب مترددا بشأن البوسنة، ما خلق فرصة للجهات المدعومة من الغرب في مواجهة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. وكانت العواقب حينئذ محدودة. فقد تحرك المتطرفون، كما سماهم الناس في البوسنة، نحو الشيشان. وهذه المرة لن يتخلى المجاهدون على الأرجح عن موقع استراتيجي في بلاد الشام، خاصة بعد أن أهدروا الفرصة التي منحها لهم احتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة، حيث لم ترحّب بهم القبائل السنيّة، وشنوا حملة إرهاب هازمة لنفسها ضد الأغلبية الشيعية.
سيجرد سقوط الأسد في النهاية إيران من حليفها العربي الأساسي. وقد يشجع هذا إسرائيل، تحت إدارة بنيامين نتنياهو الذي سيعاد انتخابه بشكل حتمي تقريباً، على الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وإذا كان أوباما يرغب في تجنب الانزلاق إلى صراع مع إيران، سيتعين عليه هو وحلفاؤه تحديد أهداف واقعية للتفاوض بشأنها، بحيث يتم السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم حتى مستوى منخفض، وتحت رقابة دولية صارمة ومع تفهم واضح، لأن أي محاولة لتطوير سلاح نووي تعتبر خطا أحمر.
إذا تمسكت إسرائيل بالخط الأحمر الذي حددته والمتمثل في رفض التخصيب بالكامل، ستبدو الحرب أمرا لا مفر منه. وسيمَكّن هذا طهران من تطويق مواطنيها بشكل أكبر، وتوطيد مراكز قوتها في العراق ولبنان، وإعادة تأكيد ذاتها في الساحة العربية، حيث يكون الاتجاه نحو الإسلام السياسي السائد بدلاً من روافده العنيفة. ولن يسر الملالي شيء أكثر من أن يظهروا مرة أخرى كطليعة المقاومة التي تتصدى للشياطين الكبار والصغار، وأبطال الشيعة في مواجهة السنة.
وعبر الخليج هناك مواجهة مع الثورات الإقليمية ومحاولات تأكيد الذات الإيرانية.
على أن ما يشبه التوافق على النظم الملكية وهو ما يعتبر تعايشاً يحتاج لتخطي جيل، والتقدم تدريجيا نحو نظم دستورية، ما يوفر الفرصة والحريات الاجتماعية والسياسية التي يتسع نطاقها للمواطنين المتعلمين على نحو متزايد، وإن كانوا محافظين.
وإذا كانت سورية، وإيران، ودول الخليج تواجه لحظة الحقيقة بالنسبة لهم، فإن إسرائيل تقترب بسرعة من نقطة لا يمكن التراجع عنها في علاقاتها مع الفلسطينيين.
قد كان بُعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية واضحاً خلال مدة زمنيّة طويلة، لأي شخص بإمكانه فهم خريطة. ولكن خطط حكومة نتنياهو الأخيرة الخاصة بتوسيع نطاق المستوطنات اليهودية على الأراضي المحتلة، تقتل فكرة دولة فلسطينية قادرة على الاستمرار في الوجود.
وسيتم تنظيم سور يحيط بالقدس الشرقية ويطوق بيت لحم، وكل حائط وطريق ملتف معزول قريبا لتقسيم الضفة الغربية، بحيث يُساق الفلسطينيين إلى داخل معازل، ما يتيح إمكانية ظهور حكومة من نوع يفوق سلطة البلدية وتؤدي دوراً رقابيّاً.
قد يؤدي هذا فقط لصراع على غرار الفصل العنصري من خلال تحرك فلسطيني (من المحتمل أن يكون موحداً)، يطالب بحقوق متساوية في دولة ثنائية القومية، ويشوه اسم إسرائيل على المستوى الدولي، ويثير شكوكا بشأن الحق الشرعي لليهود في وجود دولة خاصة بهم في الأرض المقدسة التي سيتم التنازع عليها للأبد.
ومن المستحيل وجود بوصلة لا تخطئ في هذا النوع من حقول الألغام. ولكن التردد بشأن ما يحدث في سورية، والتعتيم الاستراتيجي فيما يتعلق بإيران، واسترضاء حكومات معيّنة بشكل تلقائي، يعتبر بالكاد سبيلاً للخروج. ويتطلب الاستقرار وضوحا استراتيجيا، وركيزة مكونة من قيم عالمية، حتى وإن لم تكن موحدة.
الاقتصادية