إغلاق فضائيات عراقية: قرار إداري برائحة سياسية
المدينة نيوز - قرار إغلاق قنوات تلفزيونية في العراق تُذكّر الوسط الإعلامي بأن حرية التعبير مكفولة له دستوراً، لكنها منتهكة بمصالح تجعل النص القانوني مطية لها.
أخيراً، قررت السلطات العراقية إغلاق مكاتب قناة «البغدادية» في العراق، وهي محطة تبث من القاهرة، ويديرها الإعلامي ورجل الأعمال عبد عون الخشلوك. وقالت هيئة الاتصالات والإعلام، المشرفة على تنظيم البث في البلاد، في بيان أنّ القناة «خالفت قواعد البث، ولم توقع على لائحة السلوك الإعلامي».
أخذت وزارة الداخلية العراقية مهمة الإغلاق على عاتقها، وتحركت وحدات من الشرطة في المحافظات إلى ضبط سيارات البث المباشر (sng)، ومنعت المراسلين والمصورين من العمل، «بناءً على أوامر قضائية»، كما أفاد بيان رسمي للوزارة. وتوقف بعض صحافيي القناة عن العمل وانصرف عن الأنظار «خوفاً على حياته»، كما ينقل عنهم مرصد الحريات الصحافية، وهو مرصد مدني يهتم بحقوق الصحافيين ويراقب معايير الحريات في مؤسساتهم، واعتبر قرار إغلاق القناة «انتكاسة لحرية الصحافة».
القناة البغدادية نشرت في خبر عاجل على شاشتها ليلة 14 كانون الأول (ديسمبر) 2012، بأن «مكتبها في مدينة البصرة (جنوب) تعرض للاقتحام من قوات أمنية عبثت بمحتوياته وحطمت بعض الأثاث فيه»، وحال هذا المكتب يشبه تماماً مكاتب القناة في مدن أخرى، فيما يقول مقدم البرامج في القناة عماد العبادي إن «شخصاً زعم أنه ممثل هيئة الإعلام والاتصالات حاول دخول مبنى القناة ورفض إعطاء ما يثبت زعمه وقال: أنا فوق القانون».
وكما يبدو لم يكن قرار «البغدادية متقناً، إذ وُقِع خارج توقيتات العمل الرسمي. وتعلق النائب ميسون الدملوجي، نائب رئيس لجنة الثقافة في البرلمان العراقي بأن «إغلاق القناة غير مبرر(...) الطريقة التي تم فيها، الجمعة، 14 كانون الأول خارج الدوام الرسمي، مستنكرة وانتقائية».
وهذه ليست المرة الأولى التي تُغلق فيها قنوات عراقية، ذلك أن غياب قانون ينظم عملها يؤثر في طبيعة العلاقة بين المؤسسات الإعلامية والجهات الحكومية، التي تعمل وفق لوائح وقواعد موقتة، لكن ازدواج المعايير غالب على تلك العلاقة. وكانت «الحياة» سألت، في وقت سابق مجاهد أبو الهيل، مدير «تنظيم المرئي والمسموع» في هيئة الاتصالات والإعلام عن تداعيات غياب مثل هذا القانون، «فحمّل البرلمان العراقي، والخلافات السياسية بين كتله وأحزابه، مسؤولية عدم تشريع قوانين للهيئة، ولعمل المؤسسات الإعلامية».
ومنذ سنوات، مع بدء الحكومة العراقية إصدار قرارات إغلاق لقنوات مثل «الشرقية» و «البغدادية»، كانت تسجل تجاوزاتها على لائحة السلوك، وهي في الغالب تستوجب توجيه إنذار أو توقيع غرامة مالية، كما هو حال تجاوزات من قبيل أن يتلفظ مذيع أو مقدم برامج بـ «ألفاظ نابية»، أو أن تُبثَ لقطة «تخدش الحياء» في مسلسل أو فيلم ما. لكن هذه التجاوزات تستعملها السلطات حين يتأزم المشهد السياسي، وأخيراً كانت «البغدادية» بثت برامج حوارات استضافت فيها نواباً عن كتلة التيار الصدري، وهؤلاء وجهوا نقداً لاذعاً لرئيس الحكومة نوري المالكي، على خلفية تنافس بين كتلته «دولة القانون» وكتلة مقتدى الصدر في البرلمان على مقترح قانون قدمه نوابه، طعن المالكي فيه بدعوى قضائية، وبعد أيام أصدرت السلطات أمراً بإغلاق «البغدادية».
والحال أن جدلاً واسعاً يتفاقم في الأوساط الإعلامية العراقية في شأن حقيقة أن الحكومة تستثمر قرارات الإغلاق لمصالح سياسية، فهيئة الاتصالات تنفي خضوع إجراءاتها لمثل هذه المعايير، وفي ما يخص «البغدادية» فإنها توجه نقداً للحكومة العراقية منذ تأسيسها، بخاصة حكومة نوري المالكي الحالية، لذا فإن الرأي العام يأخذ «الإغلاق» على محمل سياسي وحسب.
الأوساط المقربة من الحكومة، وحزب رئيسها، تجد أن قنوات عراقية تقدم صورة سلبية عن الأوضاع في العراق، وهي «تضخم من حقيقة الفساد»، وتقدم «انطباعاً خاطئاً عن الاستقرار الأمني» وهو ما يغيظها. لكن هذا الطرح لا يمكن وضعه إلا في إطار وجهات النظر والسياسات الإعلامية الخاصة بوسائل الإعلام تلك، كما أن القنوات العراقية، ومنها شبكة الإعلام العراقي الممولة من المال العام، تقدم مشهداً عراقياً متفائلاً جداً، كما يفيد نقاد وصحافيون عراقيون، وهي «وجهة نظر أيضاً»، وفي الحالتين لا يمكن إغلاق البث لمجرد رؤى ووجهات نظر في إنتاج المادة الإعلامية.
وتترافق إجراءات غلق قنوات فضائية مع مناخ ملبد بالغيوم لعمل الصحافيين العراقيين، إذ لا توجد ضمانات حقيقية لحصولهم على المعلومة، ويتعرض عدد منهم إلى مضايقات في ما لو غامر أحدهم في استقصاء قضية فساد، أو تعرض لقوى سياسية نافذة بالنقد. إلى جانب هذا لا يحقق القانون الذي شرعه البرلمان العراقي هذا العام طموحات الصحافيين، وعلى العكس فهو ينسجم مع متطلبات القوى السياسية الحاكمة، إذ أنه يضع شرطاً عاماً وطيعاً للتأويل حين يختم حقوق الصحافيين بعبارة «إلا ما خالف الآداب العامة والأمن الوطني». وهنا يضع الرأي العام خطوطاً عدة تحت سؤال من هو الذي يفسر تلك الآداب، ومن يضع حدوداً للأمن الوطني.(الحياة)