حين يُسْتَمرئُ الحرام
يتفاخر الكثير ممن وصل إلى منصب أو وظيفة كبرى من أنه بني نفسه وصنع له مجدا له ولمن بعده من أبنائه وقد يصل إلى عشيرته من ثروات الوطن التي سلبها وحرم المحتاجين منها ، متفاخرا متباهيا بذلك لأنه أعمل في المنصب نهبا وسلبا ، بل جعل الأمر يصل لحد لا يطاق كما فعل الكثير من مسؤولين في وطني استلموا مناصب فجعلوها خرابا ودمارا بل عاثوا في الأرض فسادا وإفسادا، ونسوا وتناسوا مصير امة ووطن ، ولو كان عندهم أو لديهم ذرة من مخافة الله قبلا لما فعلوا ما فعلوه ، لأن عقاب الله اليم شديد.
فهل كان باعتقادهم أن هذا الأمر حلال أم حرام ؟. أم إن المنصب والمال أعمى بصيرتهم .؟
فلو بحثنا في الحرام لغة: عند الإمام الرازي في كتابه مختار الصحاح لوجدنا:أن الحرام هو ضد الحلال وهو ما لا يحل انتهاكه.
وأما اصطلاحا فكما عرّفه علماء الأصول، فقالوا: هو ما طلب الشارع تركه على سبيل الإلزام والجزم بحيث يتعرض من خالف أمر الترك إلى عقوبة أخروية أي في الآخرة، أو إلى عقوبة دنيوية إن كان شرع الله مطبقا في الأرض.
يقول رب العزة سبحانه: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف:33].
فلنعلم أن الله ما أحل إلا طيبا وما حرم إلا خبيثا.
سئل أعرابي لماذا أسلمت؟ قال: لم أر شيئا من قول أو فعل يستحسنه العقل وتستطيبه الفطرة إلا وحث عليه الإسلام وأمر به وأحله رب العزة سبحانه، ولم أجد شيئا يستقبحه العقل وتستقذره الفطرة إلا ونهى الله عنه وحرمه على عباده.
لذا يقول أحد السلف: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام.
جاء رجل إلى النبي وذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أن عنده خمرا، وأنه يعلم بتحريم الله عز وجل له فقال: يا رسول الله أفلا أكارم بها اليهود (أي أهديها إلى اليهود) فاليهود يشربون الخمر، فقال عليه الصلاة السلام: ((إن الذي حرمها حرم إهداءها)).
فكيف بمن يستغل سلطته ومنصبه ووظيفته في أكل الحرام بل واستغلال المال العام بشكل لا يتصوره عقل والذي يسمى في عصرنا بالفساد.
ذكر أن جنيد البغدادي رحمه الله جاء يوما إلى داره فرأى جارية جاره ترضع ولده، فانتزع ولده منها، وأدخل أصبعه في فيه (أي في فمه) وجعله يتقيأ كل الذي شربه، فلما سئل، قال: جاري يأكل الربا، يأكل الحرام، وجارية جاري تعمل عنده فهي تأكل الحرام، وجارية جاري ترضع ولدي فهي ترضع ولدي الحرام، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: ((كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به)).
هل قرأ أو سمع من يستغل منصبه في مثل هذا الأمر أم انه يتناسى ويغمض عينيه عن الحرام ولا يعبأ بعقاب الله ولا يرعوي من خشية الله؟
إن كثرة المحرمات في هذا الزمن قد جعلت ممن لا يخاف الله ولا يخشاه ينجر لهذا الأمر دون وازع ديني أو خلقي فمنهم من يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر، ولا يبالي بما تقترفه يداه من سرقة او رشوة التي أصبحت من سمة هذا العصر. فلنأخذ تفصيلا عن السرقة والرشوة
فالسرقة من الكبائر التي شرع الله عليها حداً كبيراً، إذ جعل عقوبتها قطع يد السارق، وذلك يدل على عِظَم جريمة السرقة، قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
ولخطورة السرقة كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع المؤمنين رجالاً ونساءاً على عدم السرقة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الممتحنة: 12].
وتأتي خطورة السرقة من كون السارق يقطعُ الأمن في المجتمع، ويشجع الناس على الباطل .
إن الأساس النفسي الدافع إلى السرقة: حب المال وحب الدنيا. وقد يكون الخوف من الفقر .
ومن السرقة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم :
سرقة أملاك الآخرين ونسبتها إلى نفسك: قال صلى الله عليه وسلم : « من أخذ شبراً من الأرض ظلماً؛ فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين ».
الأخذ من نتاج ممتلكات الآخرين بغير إذنهم .
الغلول: وهو ما يأخذه الولاة والموظفون من الأموال العامة بغير حق، ﴿ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ﴾ [آل عمران: 161]، وقال صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمَنا منه مِخْيَطاً فما فوقه فهو غالّ يأتي به يوم القيامة »، وقال صلى الله عليه وسلم : « من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أَخَذ بعد ذلك فهو غلول ».
فإلى من نهب وسرق من مقدرات الوطن اتق الله في نفسك أولا وفي وطنك ثانيا وأبناء وطنك ثالثا لأنهم يعانون مما لم يتبق لهم مما سرقت من حقهم وحق أبناءهم ولتراجع حساباتك مع رب العزة لا مع البنوك الربوية ألت خبأت بها ما سرقت ونهبت .
أما أخذ الرشوة: وهذا مما يكثر في زماننا بصور شتى، وصاحبه ملعون، يجب عليه أن يتوب، ويرد الحقوق إلى أهلها، قال صلى الله عليه وسلم: « لعن الله الراشي والمرتشي ».
والذي يأخذ الرشوة يأكل مالاً حراماً بغير حق، وفُشُوُّ الرشوة بين الناس سبب في عدم أداء حقوق الناس إلا بباطل وحرام، فالرشوة تفسد ضمير المسؤولين والموظفين وتجعلهم يهضمون الحقوق الخاصة والعامة، إذ يقدمون مصلحة الراشي الذي يعطيهم الرشوة، ويؤخرون مصالح غيره من الناس ويضيعون مصالح الدولة.
ومن الرشوة أن يقبل الهدايا التي تأتيه بسبب وظيفته لا لشخصه، فالموظف الذي يأخذ هدايا وأموالاً على عمل عام استعمل فيه، سيأتي يوم القيامة يحملها على ظهره .
ومعالجة الرشوة في أي مجتمع تتوقف على العدالة والكفاية في رواتب الموظفين والعمال، فما دامت رواتب الموظفين والعمال دون حد الكفاية، مع القدرة على إعطائهم كفايتهم؛ فسيجعل بعضهم لنفسه من ذلك مبرراً للرشوة.
أسباب الوقوع في الحرام :
أولا: هو أن يفتقد العبد الحياء من الله تعالى بضعف إيمانه، وبضعف يقينه وبوجود النار يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن)).
ثانيا: من أسباب الوقوع في الحرام: التقليد، والتقليد داء يصيب الأفراد كما يصيب الأمم
ثالثا: من أسباب الوقوع في الحرام هو الرغبة في الربح العاجل فلقد أصبحت أعراض الأمة وأخلاقها ودينها في مهب ريح التجار، والمجال فيها فسيح من أراد أن يتاجر بالحبوب المهلوسة أو الخمرة أو المخدرات.
رابعا: من أسباب الوقوع في الحرام أيضا هو انعدام الرقابة في الأسرة.
فإلى من تلوثت يداها بالحرام فأي مكان ستجد لك فيه متسعا من خشية الله او هروب ""؟؟
لأن اثر الحرام يبقى وأن من يرتشي ويأكل الحرام لا تقبل منه طاعة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وأعلم أن اللقمة الحرام إذا وقعت في جوف أحدكم لا يتقبل عمله أربعين ليلة)).
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وإذا خرج الحاج حاجا بنفقة خبيثة (أي حرام) ووضع رجله في الغرز ونادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك زادك حرام وراحلتك حرام وحجتك مأزور غير مبرور)). وترجع بالإثم ولا أجر لك. وكذلك لا يقبل دعاء من اكل وياكل الحرام ، اضافة الى ان من يأكل الحرام لا يقوى على طاعة الله وعبادته، ومآل جسده الى النار .
لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به)).
سأل سعد بن أبي وقاص النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن أكون مستجاب الدعوة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا سعد أطب مطعمك تستجب دعوتك)).
فاجعل لك يا من سرقت وأخذت الرشوة أو من كان الحرام طريقك ومسلكك ومنهجك اجعل في نهاية عمرك طريقا يقربك من وإلى الله عز وجل ، فالله يقبل التوبة النصوح وهوالغفور الودود