مافيات الهجرة تنشط مجدداً في روسيا مستغلة أوضاع السوريين
المدينة نيوز - لم يكن علاء يعرف أنه سيضيّع «تحويشة» العمر، إضافة إلى ثمن بيته في مخيم اليرموك الذي باعه على عجل عندما لاحت أمامه فرصة للهروب من جحيم الحرب الدائرة في سورية إلى أوروبا. وقد جاء في تقرير نشرته صحيفة الحياة اللندنية أن تغدو «لاجئاً» في بلد أوروبي «محترم» مثل السويد، خير من «المرمطة» في مخيمات تركيا أو لبنان أو الأردن الذي لجأ إليه الأسوأ حظاً.
بهذا المنطق يقنع أصحاب «بزنس اللجوء» الذي ازدهر بقوة في سورية، من كان حظه أفضل قليلاً من غيره، فقط لأنه ما زال قادراً على تدبير مبلغ من المال إما ببيع ما تبقى له أو عبر الاستدانة من أقاربه ومعارفه.
لكن الطريق من سورية إلى أوروبا طويل جداً ومليء بالعقبات بعدما أغلقت غالبية سفارات بلدان العالم أبوابها أمام حملة الجوازات السورية، مع مزيد من التشدد حيال الوثائق الممنوحة للفلسطينيين المقيمين في هذا البلد.
وهذا وفّر مجالات واسعة لعصابات ظهرت فجأة، في كل مكان تقريباً، تخصصت في «تسهيل» عمليات الهجرة. وعادة يكون العرض المقدم بسيطاً جداً، إذ يحصل «المهاجر» على وثائق مزورة ويقال له: ما عليك إلا أن تعبر بها الحدود من بلد مجاور لأوروبا ثم تسلم نفسك للأجهزة الأمنية وتطلب اللجوء.
ومثلما كانت روسيا البلد الأفضل للعبور إلى «الجنة»، في مطلع تسعينات القرن الماضي بالنسبة إلى العراقيين، عادت «مافيات» الهجرة لتنشط فيها، مركزة نشاطها هذه المرة على السوريين والفلسطينيين.
عشرات العائلات مع الأطفال، وألوف الشبان باتوا يصلون إلى المطارات الروسية من مناطق مختلفة ليقوموا بسلسلة محاولات فاشلة لاختراق الحدود مع أوروبا، ثم يكتشفون بعدما يضيّعوا كل ما حملوا، أنهم تعرضوا لعملية نصب محكمة.
والأمثلة كثيرة، ومنها أن طرفاً في موسكو نشط خلال الفترة الأخيرة في تقديم عرض مفاده أن على الراغب أن «يدبر فقط أمر وصوله» إلى أي مطار روسي و «في غضون أيام ثلاثة سيتم إدخاله إلى فنلندا في مقابل 500 دولار». ولاقى هذا العرض قبولاً عند كثيرين لرخص ثمنه نسبياً، وقال ناشط تابع الملف لـ «الحياة»، إن عائلات بأكملها استجابت له.
وعودة إلى علاء الذي فرّ بداية إلى لبنان مع عائلته، فهو اضطر لدفع مبلغ يزيد عن 1500 يورو لكل شخص من أجل الحصول على التأشيرات الروسية التي تبيعها عادة مكاتب السياحة بحوالى 400 دولار.
و «اشترى» وثائق تثبت إقامته في بلد أوروبي بكلفة «2500 يورو» لكل شخص أيضاً. وكان عليه فقط أن يركب الطائرة أو القطار وينطلق نحو عالم جديد.
لكن الحدود التي كان يجب أن تفتحها «الوثائق» ظلت مغلقة، على رغم أنه قضى ليلة وصلت درجات الحرارة فيها إلى 17 تحت الصفر على حدود لاتفيا. وعاد بعد المحاولة الثانية مع فنلندا وبعدما قضى شهراً مكلفاً جداً في موسكو، يحسب خسائره وخياره الوحيد أن يعود من حيث أتى.
والقصة ذاتها تكررت مع كثيرين، لكن الخسائر لم تكن دائماً تقتصر على النفقات المهدورة، فواحدة من الحالات استدعت تدخل السفارة الفلسطينية لدى موسكو عندما اعتقل الأمن الروسي أفراد عائلة كاملة حاولوا المرور بوثائق مزورة، وتم اعتقالهم وتحويلهم لمحاكمة قد تسفر عن عقوبة بالسجن.
وقال لـ «الحياة» سفير فلسطين فائد مصطفى إن مؤشرات عدة تشير إلى تزايد عدد اللاجئين الذين يصلون من سورية إلى روسيا وبينهم فلسطينيون، وأكد أن سفارته تحاول تقديم المساعدات القانونية اللازمة إليهم.
المشكلة أن المتاعب لا تواجه من اختار الطريق الصعب عبر شراء وثائق مزورة، أو عبر أخطار مخالفة القوانين، بل تنسحب حتى على من يحاول اتباع سبل قانونية ومثال ذلك حالات سعت إلى الحصول على وضع لاجئ في روسيا ذاتها، لكن محاولاتها قوبلت برفض السلطات المعنية، التي منحتها مهلة شهر واحد لمغادرة أراضي روسيا على رغم علمها أن الخيارات أمامها شبه معدومة، ما يعتبر كما قال ناشط قانوني «مخالفة لأبسط القوانين الدولية إذ لا يرغب أحد باستقبالها والبديل الوحيد أمامها هو المغامرة بالعودة إلى ساحة حرب».(الحياة)