المقاعد الأولى في الصف: حلم الأهالي في تفوق أبنائهم
المدينة نيوز - تشعر العشرينية بثينة رزق بالسعادة وهي تتحدث عن ذكريات الدراسة الأولى. فهي لم تكتشف أن "المقعد الأول في الصف المدرسي" له سلبياته كما له إيجابياته أيضا إلا بعد أن وصلت إلى المراحل المتقدمة في المدرسة، حيث أيقنت بأن "الجلوس في المقاعد الخلفية يتيح لها أن تتحدث بأريحية مع زميلة المقعد، وتخربش على الكتاب كما يحلو لها".
وتعود بثينة بذكرياتها حينما كانت تحب الجلوس بالمقعد الأمامي بالقول إنها كانت تحب مدرّسة الإنجليزي كثيراً، وكانت تحب أن تكون قريبة منها فتعطيها جل اهتمامها خلال الدرس. غير أنها كانت تشعر بالتعاسة عندما تأتي معلمة أخرى وتعيدها إلى المقاعد الخلفية، بسبب طول قائمتها التي تحجب رؤية السبورة عن زميلاتها.
أما محمد، الموظف في إحدى الجامعات، فيؤكد أنه لم يكن على مدى المرحلة الدراسية يحب الجلوس في المقعد الأمامي، بسبب عدم اهتمامه بالدروس، "لم أكن أفعل شيئا في داخل الصف الدراسي، وكنت أفضل الكرسي الأخير حتى أكون قريبا من الشباك، ومنه أستطيع أن أنظر إلى ما يحدث خارج الصف".
رأي محمد هذا يشاطره فيه جعفر الذي يؤكد أنه منذ بداية حياته الدراسية وهو يفضل الجلوس في المقعد الأخير للحديث مع الزملاء، ومشاغبة زملائه الطلبة. فضلا عن أنه كان يستغل الجلوس في الخلف أحيانا لكي ينام، أو يتسلى مع أصدقائه.
وفي السياق ذاته تتحدث دانا قاعي عن حبها الجلوس بالقرب من المدرسة، في المقاعد الأولى، لأنها نشيطة ومتفوقة في الدراسة، ولذلك فهي تفضل دائماً الجلوس في الأمام، علها تحظى بفرص أكبر للإجابة عن الأسئلة، والمشاركة التي تفيدها في التقدير السنوي.
الاختصاصية التربوية رولا أبو خلف تقول في هذا الشأن إن "الكثير من الاهالي يعتقدون أن الجلوس في المقاعد الأمامية يساعد الأبناء على الاستيعاب والتحصيل والتقدم في المهارات، ولذلك انتقلت هذه القناعة إلى بعض الأبناء"، حتى أمسى الأطفال يعتقدون أن المتفوقين والأذكياء هم من يجلسون في المقدمة، وهو ما زاد أحيانا تنافس الطلبة المتفوقين على هذه المقاعد، في حين يهرب الأطفال الأقل استيعاباً واهتماما إلى المقاعد الخلفية.
ومن ناحية أخرى ترى أبو خلف أنه يجب أن يُنظر للموضوع نظرة أكثر إيجابية، بالعمل على إزالة الفوارق بين المقاعد، وهو ما يجب أن يقوم به المعلم من خلال تنظيم الطلاب وتوزيعهم بحسب قامة كل طالب، ومن حيث المشاكل التي يعاني منها الطلاب في السمع أو النظر.
وتضيف يجب أن تُخصص المقاعد الأمامية لهذه الفئة من الطلاب. وعلى المدرس أيضا أن يترك لطلابه، بين الحين والآخر، حرية تغيير المقاعد، حتى يبعد الملل عن نفوسهم، ويشعروا أن لا فرق بين المقاعد الخلفية والأمامية إلا بما تحققه لهم هذه وتلك من فائدة دراسية.
غير أن دانا تعتقد أن "الطالب الذي يفضل الجلوس في المقاعد الخلفية عادةً ما يشعر بالخوف من شيء ما، أو يعاني من نقص في ذاته"، كونه لا يستطيع الإجابة عمّا يوجه إليه من أسئلة، أو لكونه يحب "الانضمام لشلة من الزملاء الذين يفضلون الجلوس في الخلف ليتبادلوا الأحاديث والضحك".
اختصاصي علم النفس السلوكي، الدكتور خليل أبو زناد، يؤكد تلك النظرية التي يستدل منها أن "الطلاب الذين لا يرغبون في الجلوس في الأمام يعانون بالفعل من عدم الثقة، والخوف، أو ما يسمى بـ "الرهاب الاجتماعي"، وهم فئة من الطلاب الذين يشعرون بالخجل الشديد ويرتبكون حين يطلب منهم المدرس أي نوع من المشاركة في الصف.
الأم سعاد تؤكد أنها راجعت المدرسة أكثر من مرة، من أجل أن يتاح لابنتها التي تدرس في الصف الثالث، أن تجلس في المقعد الأول. فلأن ابنتها طويلة القامة تعمّدت معلمتها إلى أعادتها إلى الخلف. فالأم ترى في جلوس ابنتها في المقاعد الأمامية "وسيلة لجعلها أكثر انتباهاً وحضوراً في الصف، فضلا عن أنها متفوقة ولا تريد أن يؤثر جلوسها في الخلف على تفوقها هذا".
ويرى أبو زناد أن الأطفال الذين لديهم ميل للمشاغبات والحديث مع الزملاء أثناء الدرس، عادةً ما يفضلون الجلوس في المقاعد الخلفية حتى يكونوا بعيدين عن أنظار المدرس، وهو ما يحبذه التلاميذ غير المتفوقين في الدراسة، فهم يفضلون البقاء بعيداً عن المدرس حتى لا يشاركوا في الحصص الدراسية، إذ يركز المعلمون أحيانا على طلبة المقاعد الأمامية.
وحول رغبة الكثير من الأهالي في جلوس أبنائهم في المقاعد الأمامية، يقول
أبو زناد إن السبب هو الحرص على أن يكون أبناؤهم في المقدمة، حتى يكونوا قريبين من المدرس، لأن ذلك يساعدهم على المزيد من التركيز والانتباه والتفوق، ناهيك عن أن سلوك بعض المدرسين في "إبعاد الطلاب المشاغبين إلى المقاعد الخلفية، كأسلوب للعقاب، ولذلك كانت المقاعد الخلفية غير محببة في نظر الأهالي، ونظر الطلاب المتفوقين على السواء".
وفيما يتصل بالمراحل المتقدمة من الدراسة، تؤكد أبو خلف أن اهتمام الطلاب بالدراسة يقلّ في هذه المرحلة العمرية، إذ تفضّل هذه الفئة الجلوس في المقاعد الخلفية للابتعاد عن أنظار المعلم. وهنا يبرز دور المعلم في مراقبة طلابه، وسعيه من أجل زيادة مشاركتهم في الحصة الدراسية، بصرف النظر عن أماكن جلوسهم، حتى ينمي لديهم مهارات التعلم والمشاركة. " الغد "