قراءة في دستورية الانتخابات النيابية الاخيرة
إن الانتخابات النيابية هي استحقاق دستوري وواجب وطني وحق لكل مواطن، وهي الركيزة الاساسية والخطوة الاولى على طريق الأصلاح الشامل سواء كان سياسي او اقتصادي، وهي أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية الحديثة، وقد ثار الكثير من اللغط والادعاءات حول الانتخابات النيابية الاخيرة سواء على مستوى الدوائر المحلية او على مستوى الدائرة العامة (القائمة الوطنية) ولكن لم يتقدم أي صاحب حق بطعن لدى المحكمة المختصة – حتى هذه اللحظة- ليثبت تلك الادعاءات، ولكن ما يستحق البحث هو مدى موافقة اجراءات تلك الانتخابات مع القانون والدستور وهنا لا بد من البحث في النقاط التالية:
أولاً: آلية تعيين رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للأنتخاب، حيث نصت المادة (6) من قانون الهيئة المستقلة للانتخاب على (أ- يكون للهيئة مجلس مفوضي مؤلف من رئيس واربعة اعضاء يعينون بإرادة ملكية لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد. ب- 1- لغايات الفقرة (أ) من هذه المادة ، ترفع الى الملك قائمة بالأسماء المقترحة للتعيين في المجلس يتم إعدادها من لجنة برئاسة رئيس الوزراء وعضوية كل من رئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي. 2- في حالة شغور منصب رئيس مجلس النواب، يحل محله آخر رئيس لمجلس النواب، وإذا تعذر ذلك فيحل محله آخر نائب لرئيس مجلس النواب)، أي ان تعيين رئيس وأعضاء مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للأنتخاب يتم بتنسيب من اللجنة المكونة من رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي، وفي ذلك الامر مخالفة واضحة لأحكام الدستور الأردني إذ انه يصطدم وبشكل مباشر بمبدأ الفصل بين السلطات الذي نُص عليه في الدستور الأردني والذي هو مطلب شعبي وشرط اساسي للعملية الديمقراطية برمتها، كما انه كيف لرئيس مجلس النواب وهو عضو في المجلس الذي ستنظم هذه الهيئة انتخابات أعضاءه أن يكون مشاركاً بالتنسيب بتعيين رئيس وأعضاء مجلس مفوضيها، وهذا النص مطابق تقريباً لنص المادة (5) من مشروع قانون ديوان المظالم والتي كان نصها (أ- يتولى إدارة الديوان رئيس يتم تعيينه بإرادة ملكية سامية بناءً على تنسيب من مجلس الوزراء المستند إلى توصية لجنة مؤلفة من: 1- وزير العدل 2- رئيس ديوان المحاسبة 3- عضو من مجلس الأعيان يسميه رئيس مجلس الأعيان 4- عضو من مجلس النواب يسميه رئيس مجلس النواب 5- قاضٍ من الدرجة العليا يسميه رئيس المجلس القضائي. ب- توصي اللجنة المشار إليها في الفقرة (أ) من هذه المادة بأسماء خمسة أشخاص ممن تتوافر فيهم الشروط المنصوص عليها في المادة (4) من هذا القانون ومن المشهود لهم بالعدالة والنزاهة والحيدة وتتخذ اللجنة توصياتها بأغلبية أعضائها على الأقل) والذي أفتى المجلس العالي لتفسير الدستور –قبل إنشاء المحكمة الدستورية- بمخالفته للدستور في قراره رقم (1/2008) والذي توصل لما يلي "لقد خولت المادة (45) من الدستور مجلس الوزراء ولاية عامة في إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية". "وأناطت المادة (120) من الدستور بالسلطة التنفيذية صلاحية التشريع في امور عينتها حصراً بما في ذلك صلاحية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم بحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم" وقد توصل المجلس العالي في قراره المذكور الى "1- كما هو معلوم، فإنه لا تجوز إضافة أي اختصاصات جديدة لأي سلطة دستورية غير الإختصاصات التي نص الدستور عليها. كما أنه لا يجوز التعدي على الصلاحيات الدستورية لأي سلطة او الإنتقاص منها او المشاركة فيها من قبل أي جهة أخرى. 2- إن مشروع قانون ديوان المظالم قد اعتبر رئيس الديوان موظفاً عاماً يعين بإرادة ملكية سامية بناءً على تنسيب من مجلس الوزراء. 3- إن نصوص الدستور لم تخول الأعيان أو النواب أو القضاة صلاحية تعيين الموظفين العامين أو الإشتراك بالتوصية أو التنسيب بتعيينهم. فقد حصر الدستور هذه الصلاحية بالسلطة التنفيذية. وبناءً على ما تقدم، وبما أن رئيس ديوان المظالم، وحسب مشروع القانون، وهو موظف عام، وبما انه ليس من اختصاص وصلاحيات الأعيان والنواب والقضاة الدستورية تعيين الموظفين العامين او المشاركة بالتنسيب أو التوصية بتعيينهم، فإنه لا يجوز ولا يحق للأعيان أو النواب أو القضاة الإشتراك بتعيين الموظفين العامين أو التوصية أو التنسيب بتعيينهم" وبالتالي فإنه يمكن القول بأن تعيين رئيس مجلس مفوضي الهيئة واعضاء المجلس بالطريقة التي نصت عليها المادة (6) من قانون الهيئة فيه مخالفة دستورية واضحة وصريحة. وقد حذر معالي المحامي الدكتور ابراهيم العموش وزير العدل الاسبق من ادراج هذا النص في مشروع القانون في مقال له قبل نحو عام نشر تحت عنوان "حتى لا تكون الإنتخابات النيابية المقبلة الحبة الأولى على طاحونة المحكمة الدستورية".
ثانياً: ورقة الاقتراع، تنص المادة (39) من قانون الانتخاب على ما يلي (يمارس الناخب في الانتخاب وفقا لما يلي : د- يقوم المقترع :1- بكتابة اسم مرشح واحد على ورقة الاقتراع المخصصة للدائرة الانتخابية المحلية وفق ما تحدده التعليمات التنفيذية). وتنص المادة (40) من قانون الانتخاب على (تحدد التعليمات التنفيذية طريقة اقتراع الناخب الذي يدعي الأمية أو عدم القدرة على الكتابة بما يتوافق مع سرية الانتخاب المنصوص عليها في المادة (67) من الدستور) كما وتنص المادة (45) من قانون الانتخاب على (أ- تعتبر ورقة الاقتراع باطلة في اي من الحالات التالية:3- اذا لم يكن بالإمكان قراءة اسم المرشح المدون عليها أو لم يكن بالإمكان تحديد القائمة التي تم التأشير عليها) وتنص المادة (7) من التعليمات التنفيذية الخاصة بالاقتراع والفرز وجمع الأصوات رقم 10 لسنة 2012 على (و- يتوجه الناخب إلى المعزل المخصص للاقتراع ويكتب على ورقة الاقتراع الخاصة بالدائرة الانتخابية المحلية اسم المرشح الذي يريد الاقتراع له ازاء الاسم المطبوع لذلك المرشح، وإذا كان الناخب اميا فيؤشر إزاء صورة المرشح الذي يريد الاقتراع له) وتنص المادة (17) من ذات التعليمات على (أ- تعتبر ورقة الاقتراع باطلة في أي من الحالات التالية: 3- اذا استحالت قراءة اسم المرشح المدون عليها أو لم يكن بالإمكان تحديد القائمة التي تم التأشير عليها)، وباستقراء هذه النصوص مجتمعه وتحديداً المادة (39) من قانون الانتخاب المذكورة اعلاه، فنجد أنها أوجبت وبشكل صريح أن يقوم الناخب بكتابة أسم المرشح على ورقة الاقتراع كتابة وليس بطريقة أخرى كالتأشير على الأسم المطبوع على ورقة الاقتراع أصلاً، وليس أدل على ذلك من أن المادة (40) من القانون ذاته قد أوجبت أن تحدد التعليمات التنفيذية طريقة اقتراع الناخب الذي يدعي الأمية أو عدم القدرة على الكتابة، وكذلك الامر عندما نصت المادة (45) من القانون ذاته على بطلان ورقة الاقتراع عند استحالة قراءة اسم المرشح أو استحالة تحديد القائمة التي تم التأشير عليها، فجميع هذه النصوص تتحدث عن وجوب أن يكون المقترع قد دون اسم المرشح كتابة على ورقة الاقتراع بالنسبة للدوائر المحلية على الاقل في حين ان ورقة الاقتراع جاءت مطبوعة ابتداءً وان التصويت تم بالتشير على اسم المرشح، وبالتالي فإن النصوص الواردة في التعليمات التنفيذية التي تنص على التأشير على اسم المرشح على ورقة الاقتراع فيها مخالفة صريحة لقانون الانتخاب وفقاً لما اسلفناه.
ثالثاً: اوراق الاقتراع الباطلة، تنص المادة (45) من قانون الانتخاب على (أ- تعتبر ورقة الاقتراع باطلة في اي من الحالات التالية : 4- اذا اشتملت ورقة الاقتراع على اكثر من اسم فيؤخذ الاسم الاول.5- اذا تم التأشير في ورقة الاقتراع المخصصة للدائرة الانتخابية العامة على أكثر من قائمة) من هذا النص يتضح انه اذا اشتملت ورقة الأقتراع في الدائرة المحلية على اكثر من اسم فيتم أحتساب الصوت للمرشح الذي ذكر أسمه أولاً، اما في حال تم التأشير على اسم اكثر من قائمة بالنسبة للدائرة العامة فإن ورقة الإقتراع في هذه الحالة تلغى، وفي ذلك تمييز واضح بين المرشحين، ذلك ان مرشح الدائرة العامة ومرشح الدائرة المحلية هم مرشحين اما القانون ويجب معاملتهم على قدم المساواة.