هل الغارة الإسرائيلية جس للنبض ؟
قامت الطائرات الإسرائيلية بغارة على بعض المواقع السورية المحاذية للحدود اللبنانية، وقيل إنها كانت تستهدف شحنة صواريخ أرض جو متطورة كانت في طريقها إلى حزب الله. وقيل إنها أصابت إحدى مراكز الأبحاث العسكرية السورية. ورغم أن سوريا هي التي أعلنت عن الغارة، إلا أن إسرائيل لم تؤكد أو تنفي ذلك حتى الآن. ولكن وبعد أيام قليلة تباهي وزير الدفاع الصهيوني بأنهم إن قالوا شيئاً فأنهم سيفعلونه!!!!
والمراقب لأوضاع المنطقة التي سبقت الغارة والأحداث المتلاحقة والمتسارعة أحياناً ، بالإضافة لردود الفعل عليها يستطيع ملاحظة أمور كثيرة، لعل أبرزها أن تلك الغارة قد أخذت الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية كما قيل، مما يدلل بشكل واضح مدى إعتماد الصهاينة سياسياً على الإدارة الأمريكية في كل أفعالهم، وهم يدركون أن الغطاء الأمريكي خاصة والغربي عامة هو الذي يجعل لهم كياناً ووجوداً. ولذا لو كانت هنالك رغبة سياسية أمريكية وغربية حقيقية في الضغط على الجانب الصهيوني لتغيرت الكثير من الأحداث في المنطقة. ونلاحظ كذلك أن الأذن الأمريكي جاء على غارة محددة الأهداف، وهي إشارة لها دلالاتها الكثيرة .
ويلاحظ كذلك سعي حزب الله الحثيث على تطوير قدراته العسكرية، والعمل على تنميتها، وإعداده القوة بكل أصنافها، ثم مقدار التعاون السوري والإيراني مع حزب الله ، وهو أمر معلن وغير مخفي، كما وأن الصهاينة لا يرغبون في أن يكون بجانبهم أي قوة عسكرية _ مهما كانت _ قد تهددهم مستقبلاً، أو قد تقلل من طموح توسعهم آجلاً.
ولقد استنكرت الغارة كل الجهات العالمية وبشكل عام ، فعلى سبيل المثال فتركيا والسعودية _ والتي يقال إنهما تقدمان الدعم العسكري للثوار في سوريا _ قد شجبتا الغارة الإسرائيلية ، ، ويضاف لهما جامعة الدول العربية، ومصر ...ألخ. إلا أن الأجهزة الإعلامية السورية استغلت الغارة بمقارنة الثوار ومن يدعمهم بوحدة الأهداف مع العدو الصهيوني في النيل من سوريا وموقفها المقاوم والممانع.
أما إيران فسارعت لإرسال كبار قادتها لدعم سوريا ومؤازرتها ، بل أعلن بعض إعلاميها أن الرد السوري سيكون سريعاً ومزلزلاًومباشراً ومن الجيش السوري تحديداً. والأردن رغم استنكاره وشجبه للغارة، إلا أنه كان بريئاً من أي إتهام سوري بمرور الطائرات الإسرائيلية من مجاله الجوي.
إن الغارة الإسرائيلية كانت على ما يبدو لجس النبض، وبعث رسائل كثيرة ولأطراف عدة، منها الإدارة الأمريكية لتشعرها إسرائيل أنها قادرة على التصرف وضرب المنشئات الإيرانية منفردة، وأنها تستطيع إن أرادت خلط الأوراق في المنطقة ، وإحراج الإدارة الأمريكية أيضاً. وإن أخذت موافقتها هذه المرة لغارة قريبة ومحدودة الأهداف، فيمكن أن لا تأخذها في مرة قادمة لغارة بعيدة، أو لغارات قريبة ولكنها واسعة الأهداف، لأنها تعلم مقدار تردد الإدارة الأمريكية في استهداف سوريا الواسع، ومعارضتها لضرب مؤسسات إيران النووية. وما زيارة أوباما للمنطقة إلا لتدارك الموقف.
أما رسالتها لإيران وسوريا وحزب الله فهي أن هنالك خطوطاً حمراء على نوعية السلاح الذي يمكن تزويده لحزب الله، كما وأن القوة الجوية الإسرائيلية قادرة على إختراق أنظمة الرادار، وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة، ولديها الكفاءة على المباغتة، والقوة التدميرية الهائلة، كما وأنها تراقب ما يحدث عن كثب، ولديها من المعلومات الاستخبارية الكثير الكثير.
ولعل إسرائيل ترغب أيضاً في توجيه رسالة للثوار على إختلاف مسمياتهم، أنها إن شعرت بأي خطر على أمنها وحدودها ومن أي مسمى كان، فلن تتردد في القضاء عليه.
إن إسرائيل تعلم أن سوريا المثخنة بالجراح لن تستطيع الرد المباشر على الغارة الإسرائيلية، وكذلك حزب الله البناني والذي تثار من حوله العواصف السياسية، ولذا اختارت الحدود اللبنانية السورية لجس نبض حزب الله وإحراجه أيضاً ؛ حيث يهدد نصرالله بضرب إسرائيل إن هي قصفت الأراضي اللبنانية. وهي جس لنبض إيران الحليف القوي إقليمياً لسوريا ، وما يمكن أن تفعله إيران في حال قيام إسرائيل بتوجيه ضربات شديدة لسوريا وحزب الله معاً.
واليوم وعلى ما يبدو أن أطرافاً عدة تحشد لمعركة كبرى فاصلة قد يكون بداية الصيف موعدها، وقد تكون جنوب وشرق دمشق وسهول حوران ميدانها الرئيس، وهي إن وقعت فيخشى أن تمتد للعديد من الدول، ولعل الدول المجاورة أشدها تأثراً، ولذا يسارع بعض الزعماء لمنع نشوبها أو على الأقل لإبعاد بلدانهم عن آثارها المدمرة.