انحرافات وجرائم في عصرالعولمة

تم نشره الأحد 03rd آذار / مارس 2013 10:45 مساءً
انحرافات وجرائم في عصرالعولمة
شفيق علقم

عرفت مجتمعاتنا العربية والاسلامية قيم المسؤولية الاجتماعية ،مثل النجدة والنخوة والكرم والوفاء والتضحية والمروءة ، وحب الديار والارض والوطن ، وافتدائه بالنفس وبكل غال ونفيس ، كما عرفت معاني التضامن والتعاون والتكافل والايجابية، والقيم السامية في سلوكها الذي انبثق من مبادئنا ورسالتنا السماوية المجيدة، ومن اعرافنا وتقاليدنا الاصيلة ، وديننا الحنيف ، وشريعتنا السمحة مليئة بالقصص والحكايات والاحاديث والسلوكات التي تدل على نبل وعراقة المبادىء ، وما انتشار الاسلام وتقبل المجتمعات التي وصل اليها وانتشر فيها لمبادئه واخلاقه وتمسكهم بها ؛ الا شاهد صدق على ذلك.

صحيح انه كانت ثمة انتكاسات عارضة في بعض المجتمعات العربية والاسلامية نتيجة اضطراب تلك القيم والعادات، ولكن الحروب العسكرية لم تكن لتنال منها، ولا من قدرة هذه المجتمعات وتمسكها بقيمها ؛وانما كانت دافعا اكبر للتمسك بالدين الحنيف ومبادئه السامية وقيمه الاصيلة، باعتبارها العامل الاقوى والاساس الرصين والحاسم في بناء هذه المجتمعات، لم تكن الحروب العسكرية لتنال من ثبات هذه المجتمعات وقوتها الاخلاقية ، وانما كانت ثمة هجمات ضارية تحاول النيل من هذه القوة الاخلاقية العتيدة ، موجهة إلى القيم والمبادىء النبيلة ، وكانت هذه الهجمات تعاود الكرة تلو الكرة لتؤوب خائبة خاسرة، وتنكص على اعقابها منهزمة. ولكن وللاسف ، وفي هذا العصر الذي يسمونه عصر العولمة ، وفي ظل تغييرات اقتصادية وثقافية واجتماعية وجيوسياسية موجعة ،عادت هذه الهجمات منتحلة صور الحرية والديموقراطية والانفتاح ، او المجتمع العالمي المفتوح، لتتسرب نحو النفوس الضعيفة بايجابياتها وسلبياتها الاكثر تفشيا، بل سلبياتها المدمرة ؛حيث طغت هذه على تلك ، وغلب المظهر على الجوهر، وانبهر بعض ضعاف الايمان وذوي النفوس الخائرة ببريقها الزائف، ولبسوا ثوبها الزاهي وما هو كذلك ، ومع شديد الاسف، فقد نعتوا ما كان عليه آباؤهم واجدادهم من القيم والاعراف والعادات والتقاليد والمبادىء بالرجعية والتخلف ، لقد تمكنت قيم العولمة ومعطياتها الزائفة من عقول هؤلاء، فسيطرت على نفوسهم واغوتهم في ظل مناخات امراض اقتصادية وثقافية واجتماعية واعلامية ،فسادت هذه القيم الغازية الموجهة في ظل الدعوة إلى نشر قيم الحرية والديموقراطية ، والمجتمع العالمي المفتوح، باسم العولمة احيانا، وباسم الحضارة حينا آخر ، بين فئات من شبابنا، فانقلب هرم القيم في نفوسهم رأسا على عقب، واستطاعت هذه الشراذم ان تجر في ركابها قسرا وطواعية الكثير من شباب الامة ، ففسد المناخ في ظل هذه المبادىء والقيم المستوردة بين قطاعات كثيرة، فرضتها عليهم ضغوط الحياة مطاوعة كل جديد طلبا لحياة ظنوا انها الافضل.

وهكذا طغت قيم المادة على القيم الروحية التي كادت ان تختفي، وانحبست انفاسها في الصدور ،وسادت بين الشباب قيم الانانية والاستغلال واللانمالية والمبادىء الميكافيلية والفساد ،واتخذها البعض مطية لتحقيق اغراضهم ،فتبلد لديهم الحس الانساني واختفت من افئدتهم قيم الاصالة الاجتماعية، وحل الصراع محل التنافس، والحقد والبغضاء والكراهية محل الحب والتراحم والتفاهم ، والعنصرية المقيتة محل الاخاء والوحدة ، والتشاحن محل التفاهم ،وغابت القيم الاصيلة، وتفككت بعض الاسر، وغابت الروابط الاجتماعية الاصيلة ، وحلت محلها روابط المصالح والمنافع الوهمية المؤقتة ، وتاثرت روابط النسب والعلاقات الزوجية ، وكلها خضعت لحسابات السوق والمنفعة واخلاقها الزائفة، وسادت السرقات والجرائم، فشملت نهب المال العام ، وعم الفساد الاداري والمالي والاقتصادي والاجتماعي، وما من مستجيب لايقافه ، وقد نخر فساد هذه القيم في عضد العاملين في الدولة ايضا ؛ فاخذوا يزوغون ويتراخون ويتباطأون في العمل والانتاج، وتعطيل مصالح الناس.

هذا وقد انتشرت في عصر العولمة مشكلات امنية حديثة ،وازدادت الجرائم وتطورت اساليبها مع تطور اساليب العلم والاكتشافات الحديثة، وتطور التقنيات العلمية والصراع بين العلم والجريمة ؛ اذ مع تدافع افراد المجتمعات لتحقيق مصالح ذاتية، وتعدد المطالب الحياتية ،وتطور البواعث الدنيئة لدى البعض ،ولجوئهم إلى وسائل غير مشروعة لاشباع رغباتهم ،وتحقيق حياة سهلة على حساب الاخرين ،ابتكرت في هذاالعصر الحديث اساليب متنوعة لارتكاب الجرائم باستخدام احدث ما توصل اليه العلم من ادوات من فنون وتقنيات ، بل وظهرت انواع من الجرائم المنظمة، والجرائم التي لها صفة الدولية والعالمية؛ حيث ظهر في السنوات الاخيرة ما يسمى بالجريمة العصرية، او الجريمة الحديثة ،التي شملت مختلف النواحي الحياتية ،وانتشرت اساليب متطورة لارتكابها بحكم تطور وسائل الاتصال ووسائل النقل، وظهرت وعمت الجرائم الاقتصادية التي تعرقل النمو الاقتصادي والانتاج الوطني بصفة عامة ،مثل تهريب النقد وتزويره ،والتهرب الضريبي وغسل الاموال، واستخدمت اساليب حديثة في ذلك، مثل التنكر وانتحال الصفة، واجهزة الاتصال المتنوعة والمتطورة ،كل ذلك انتشر بسرعة غريبة مع معطيات عصر العولمة، لقد ساعدت على ذلك عوامل خاصة بالتغيير الاجتماعي والحضاري، وعوامل اقتصادية والنموالسكاني الهائل، وعوامل حضارية اخرى، حيث ظهرت الجرائم المنظمة وجرائم العنف والارهاب، والسطو على البنوك والمتاجر، وجرائم الحاسب الآلي التي طغت وتفشت بشتى الاساليب؛ والتي اهمها القنبلة المنطقية او فيروس الحاسب الآلي ،وسرقة البيانات والمعلومات المخزنة بذاكرة الحاسب، واختراق انظمة الامن الخاصة بالحاسب من خلال معرفة كلمة السر ،واختلاس وسرقة الارصدة المالية من البنوك ،والتحايل على الحاسب ،والاتلاف المتعمد لوحدات التشغيل الآلي وغيرها من الجرائم التي لم تكن معروفة من قبل

ان هذه وتلك ليست من قيمنا ولا من اخلاقنا ومبادئنا اواعرافنا وتقاليدنا، نحن هنا في الاردن لسنا كذلك، نحن احفاد من بنى البتراء من الصخر الاصم ،نحن احفاد انتصارات حطين واليرموك ومؤتة ،هذه ليست اخلاقنا ولا تمت لمجتمعاتنا بصلة ، نحن احفاد من قهروا الصليبين والتتار والمغول، احفاد خالد وصلاح الدين وابي عبيدة عامر بن الجراح ،خير اجناد الله لن ولن نقبل بهذه القيم والاخلاق الغازية ، ولن نرضى بهذه الافرازا ت السامة ،وعلينا آباء وامهات واولياء امور ومسؤولين، ان نقي ابناءنا وبناتنا هذا الشر المستطير ( يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا ) فنحن ذوي القيم الشماء والمبادىء القويمة الغراء ،المستمدة من مبادئنا ورسالتنا السمحة، ولنا في القران العظيم الشفاء الناجع والتعافي التام من هذه الامراض القاتلة ، ولنا في المساجد خير مشاف ومستوصفات باذن الله.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات