اتفاقية سيداو... تناقض الاديان السماوية والأعراف والتقاليد
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو(عام 1979) ، وكانت الحكومة الاردنية قد وقعت على اتفاقية سيداو عام 1992، وبعد 15 عاما قامت بالمصادقة النهائية عليها وذلك بنشرها في الجريدة الرسمية في تموز (يوليو) 2007، وبذا تكون الاتفاقية الدولية قد دخلت حيز التنفيذ ضمن نطاق القوانين الاردنية. وقد تحفظ الأردن آنذاك على ثلاثة مواد هي (16،15،9) ، ولاحقا رفعت الحكومه تحفظها على المادة 15 وقالت انه لا يعارض القانون الأردني ... والتي تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة امام القضاء ومنحها حرية التنقل والسفر،وحرية الأشخاص وحرية إختيار أماكن سكناهم .
وتتكون الاتفاقية من 16 مادة اساسية تتعلق بالتدابير لتحقيق المساواة من حيث: تعريف التمييز، التشريع، الحريات الأساسية التدابير المؤقتة، الادوار النمطية، الاتجار المشاركة السياسية، التمثيل، الجنسية، التعليم، العمل، الصحة، الاستحقاقات، المرأة الريفية، المساواة القانونية، الزواج والعلاقات الاسرية وباقي المواد تتعلق بالامور الادارية .
المدافعون عن اتفاقية سيداو يسعون من حيث يعلمون او لايعلمون في الأرض فساداً . ويريدون إغراق بلدنا في هذا الفساد, مستغلين حماس البعض منا لشعارات حرية المرأة، ولشعارات الحداثة، وغيرها من الشعارات البرّاقة التي تخطف الأبصار. وتجعل بعضنا يسير على غير هدى وبصيرة خلف الفاسدين المفسدين في الأرض. الذين يأخذ افسادهم أشكالاً شتى من بينها الاتفاقيات الدولية. التي أصبحت أداة لتدخل القوى الكبرى في الشؤون الداخلية للشعوب ، بهدف إعادة تركيب بُنى هذه الشعوب الثقافية، والاجتماعية، والتشريعية وفق المنظور الغربي الذي لا يعترف بالآخر وخصوصياته، خاصة إذا كان هذا الآخر نحن المسلمين .
رغم أن الاتفاقية احتوت نقاطا إيجابية وخاصة في مجال حقوق المرأة وقت الولادة من ناحية الصحة والراحة، وحق المرأة في التعليم , والمشاركة السياسيه ومحاربة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة , وبعض مسائل أخرى، إلا أن تلك النقاط الإيجابية تغرق في بحر النقاط السلبية التي تتضمنها الاتفاقية .
ورغم انه تم رفع ثلاث مذكرات وقع عليها 62 عالم شريعة من الجامعات الاردنية الى رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب آنذاك في شهر نيسان من عام 2009، تطالبهم بعدم رفع التحفظات عن بعض بنود اتفاقية سيداو والتي تتناقض مع اسس الشريعة الاسلامية والقيم والتقاليد والاعراف التي يؤمن بها ابناء الشعب الاردني, وتسهم في تفكيك الاسرة وتخل بمكانة المرأة الاّ أن الحكومات الاردنية مازالت تسعى لرفع الحظر عن هذه التحفظات.
هناك خشية حقيقة من ان رفع الحكومة الاردنية تحفظاتها سيؤدي الى السماح لمثليي الجنس في الاردن، وعبدة الشيطان طلب ترخيص جمعيات خاصة بهم, خصوصا بعد ان قام ثلاثة من متليي الجنس بتقديم طلب الى وزارة التنمية الاجتماعية للحصول على رخصة افتتاح جمعية خاصة في فترة سابقه .
هناك جملة اسباب حقيقة تدعو إلى رفض هذه الاتفاقية. وأول ذلك أن الاتفاقية تشكل حالة تمرد على الخالق عز وجل, عبر التمرد على الطبيعة السوية للإنسان, عندما نص بندها السادس عشر على فصل الدور عن الجنس. وعلى التساوي المطلق والتماثل التام بين الرجل والمرأة. وعدم إلصاق الأمومة ورعاية الأسرة بالمرأة. فالمادة (ب/ 5) من الاتفاقية تنص على أن الأمومة وظيفة اجتماعية. أما المادة (5/أ) فتنص على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف القضاء على الأدوار النمطية. كذلك فان الاتفاقية تلغي ولاية الأب على ابنته. وتسمح بزواج المسلمة من غير المسلم. و تعتبر أي فوارق بين الرجل والأنثى تميزاً وعنفاً ضد المرأة .
ومثلما أن الاتفاقية حالة تمرد على الخالق. فإنها تمثل حالة تمرد على مجمل عقائدنا. وعلى استقر ارنا الاجتماعي. وتشكل خطراً جسيماً على الأسرة الأردنية. وتهدد مجتمعنا بالمزيد من التشرذم. خاصة عندما تعطي المرأة حرية السكن. ولا نعني هنا اشتراط السكن عند عقد ألقران ولكنها حرية مطلقة للمرأة ، أن تمارسها متى تشاء. دون إذن أبيها أو أخيها، أو زوجها. مما يعني في صورة من الصور أن تقتصر العلاقة الزوجية على لحظة الرغبة الجنسية. فإذا قضيت هذه الرغبة انتقل كل زوج إلى مكان سكنه، وهذا تناقض صارخ مع مفهوم المودة، والسكينة، الذي يشكل أساس الزواج.
كذلك تضمن المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية طلب المساواة بين الرجل والمرأة ، ان كلمة المساواة بين الاردنيين بغض النظر عن الجنس الوارده في التعريف تعني قانونا المساواة المطلقة بين الذكر والانثى في كل شيء ومنها المساواة في الجنس حتى يتسنى لها منح الجنسية لابنائها ، وما أثير قبل فترة من توقيع مذكرة من قبل مجموعة من النواب (اقتراح تعديل المادة (6) من الدستورالاردني ) باضافة المساواة في الجنس هدفه تطيبق التعريف الذي اوردته الاتفاقيات الدولية للمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات ومدخلا لتفعيل اتفاقية سيداو وهذا يعني التساوي والتماثل التام بين الرجل والمرأة مما يترتب عليه تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة ومنها كذلك طلب المساواة بين الرجل والمرأة في الاستحقاقات الأسرية المالية وغيرها ، ومن ذلك المساواة في الميراث، فيكون على أساس هذه المادة تتساوى نسبة الميراث للأبناء والبنات من مال آبائهن، ويتماثل نصيب الزوجة من مال زوجها مع نصيبه الموروث من مالها إن ماتت قبله، وتضمنت المادة الثانية عشرة طلب توفير الخدمات الصحية الكاملة للمرأة وبدون تمييز، ومن ذلك توفير موانع الحمل للمرأة بغض النظر عن كونها متزوجة أو غير متزوجة، فهو شكل من أشكال التمييز المرفوض بحسب الاتفاقية، وفي هذا إشاعة للفاحشة وتسهيل لها، وهي لا تعبر فاحشة أصلا في المفاهيم الغربية والعلمانية.
كما تظمنت المواد العاشرة والحادية عشرة من الاتفاقية المساواة المطلقة في التعليم ومناهجه بما فيها الرياضية والفنية، والقضاء على أشكال التمييز في فصل الطالبات عن الطلاب في المدراس .
وهنا نحب أن نذكر أن المجتمع الأردني مجتمع محافظ له إرث اجتماعي وثقافي بمعنى له خصوصيه ثابته ، يتساوى في الدفاع عن قيمة المسلم والمسيحي ومن ثم لا يجوز أن يبقى استقرارنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي رهين حفنة من النساء والرجال، الذين انفلت عقالهم من كل قيم الأمة وأعرافها وتقاليدها، استجابة لنزوات ، وتحقيقاً لمكاسب شخصية يؤمنها لهم تمويل أجنبي، الذي حوّلهم إلى أدوات لتنفيذ أجنداته.ولا تكتفي اتفاقية سيداو بان تفرض علينا التحلل من منظومتنا القيمية وتعديل تشريعاتنا لخدمة أهدافها، بل أنها تريد منا أن نلغي عقولنا وخصوصيتنا الثقافية ، وتحجر على رأينا عندما نصّت أنه لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع الاتفاقية وغرضها .
كما أنها تفرض بشكل الزامي على هذه الدول تعديل تشريعاتها لخدمة أهداف هذه الاتفاقيات. التي تربط المنح والمساعدات للدول الفقيرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات. وكلها ممارسات تصب في خانة الانتقاص من سيادة الدول .
ان فرض مفاهيم وقيم خاصة غربية علينا يمثل أبشع عملية استباحة ثقافية، وتغيب للخصوصية الثقافية لشعوب الأرض غير الغربية خاصة الإسلامية منها؟؟ وهي استباحة تسعى إلى إلغاء التنوع البشري وصبه في قالب واحد، مما يتنافى مع حكمة الخالق في التنوع .
للمدافعين عن اتفاقية سيداو والذين يرددون أنها مطلب وطني وأنها تأتي استجابة لرغبات المنظمات النسائية في الأردن ، فهي حكاية مضحكة، فيها الكثير من الافتراء على إرادة أبناء الوطن، وتزوير لهذه الإرادة. وإذا كان الأمر كما تقولون، فاطرحوا الاتفاقية على الاستفتاء الشعبي العام، لنرى هل هي مطلب وطني أم لا؟ أما أنها استجابة لرغبات بعض المنظمات النسائية . فالسؤال هو: ما أين يأتي تمويل هذه المنظمات ؟ وكم تمثل؟ وهل تستطيع إيصال واحدة من عضواتها إلى مجلس النواب في انتخابات حرة نزيهة؟
حقيقة من حقنا أن نقول أنه لا يجوز أن تخضع ثوابت الأمة وتعاليم دينها للنقاش. من قبل كل من هب ودب ولا يجوز أن تكون مرجعية الحكم على معتقداتنا الدينية، وسلوكنا الاجتماعي. هي افرازات التجربة الغربية بكل ما فيها من سوءات .
وعلى العلماء والكتاب ونواب مجلس الامة السابع عشر وشرفاء الامة ، أن يتصدوا الى توجهات الحكومة برفع الحظر عن التحفظات الواردة على اتفاقية سيداو لتحصين المجتمع الاردني والدفاع عن قيمه، وعليهم أن يحرضوا على قيام تحرك نسوي جاد للوقوف أمام حفنة النساء اللواتي صادرن رأي المرأة في بلادنا، لحساب أجندات خارجية .
وأخيرا نتساءل: لماذا التركيز في هذه الأيام على قضايا المرأة وتحديدا "شعار المساواة بغض النظر عن الجنس" وتناسي قضايا أشد خطورة وأهمية مثل قضايا الفقر والفساد، مع أن كلاهما يأكل حقوق المرأة والرجل معاً .
كاتب وقانوني