الوطن .. ما هو الوطن ؟
الكاتب : برهان جازي
الوطن .. شو تعريف الوطن ؟ ... شو معنى انك اتحب وطنك ؟ .. كلمه مطاطه .. يا عمي انا اللي وجهة نظر بتختلف اشوي .. وربما اتكون نظره فلسفيه وغريبه ..ومع احترامي للجميع .
الوطن .. الوطن لا يعني مسقط الرأس .. في ناس كثير عرب او اجانب انولدوا بأماكن ليس بموطنهم ... وهناك من يعمل بالغربه ومقيم بأرض لا تمد له بصله من حيث مسقط الرأس او العادات او التقاليد او تجمع لعائلته او حمولته او عشيرته ... ماذا يعني الوطن ؟ ... الوطن حسب وجهة نظري ورأي هو ( العقيده ) .. العقيده التي تؤمن بها وتتملكك .. العقيده التي تحدد افعالك واقوالك وتنعكس عليك وعلى من حولك .. أينما كنت وبأي زمان أو مكان ما دام عقيدتك بصدرك وقلبك وهي التي تملي عليك ماذا تفعل وماذا تقول هي وطنك .. انت مسكون فيها وهي مسكونه فيك .
حب الوطن والانتماء اليه هي كلمه شفويه غير ملموسه .. هي تعبير مجازي .. انت تحترم المكان الذي تقيم فيه .. مكان عيشك ومصدر رزقك وتجمع اهلك واقربائك واصدقائك ... اي مكان تتوفر فيه هذه الامور تقريبا هي تعتبر ( الحاضنه ) بالنسبه اليك لممارسة حياتك وعمرك .. والموجه الرئيسي والمصدر الرئيسي لادارة شؤون حياتك هو ( العقيده ) .. هي بوصلة حياتك .. هي من تتقوقع بها .. هي وطنك الاول والاخير .
المكان او البقعه من الارض هي عباره عن تجمع لبشر لتمارس حياتها .. والناس او التجمعات قديما كانت تقوم باستمرار بتغيير اماكن اقامتها بحثا عن الماء والكلأ .. منهم من بقي مقيما عقود من الزمن ببقعه واحده بتوفر مصادر العيش وبنو فيها حضارتهم ودلت عليهم اثارهم .. في حين كثير من الناس او التجمعات انتقلت من مكان الى مكان ومن بقعه الى بقعه حاملة بصدورها ( طقوسها ) او ( عقائدها السماويه ) وعاداتها وتقاليدها التي ورثوها عن اجدادهم .. فكان دليلهم بالحياه هو الطقوس او العقيده .. ومنهم من تخلى عن الطقوس الخرافيه بعد انتشار الاديان وحل محلها العقائد السماويه .. هي من كانت تنظم حياتهم اينما كانو .
المكان الذي تقيم فيه يجب ان تحترمه و( عقيدته ) تحثه على ذلك .. ويجب ان تحافظ عليه وتدافع عنه .. لأن مصلحتك ومصادر الحياه جميعها فيه وامتدادك فيه ايضا..
هناك مثلا من يرمي ( النفايات ) بالشارع بدون اكتراث ويدعي حب المكان ( الوطن ) ... هذا مخالف للعقيده .. هو مستهتر بالمكان الذي يقيم فيه ويدعي حبه .. مع ان لكل مكان والمدعي ( الوطن ) له سيئاته وحسناته .. منهم من يوجد به ماء ولا يوجد به طرق مثلا .. او يوجد اناس طيبين واخرين لا .. هذه الاشياء موجوده بكل تجمع وبكل زمان ومكان في جميع انحاء العالم وعلى مختلف العصور.
مثلا بمصر .. عندما تلتقي بأحد المصريين يقول لك .. انا بحب ( وطني / المكان ) مصر .. ولماذا تحرق مؤسسات مصر وهي المكان الذي تقيم فيه .. لماذا لا تحترم المكان الذي تقيم فيه ؟ .. انت مصريا لانك تقيم ببقعه اسمها مصر.... انت انسان مقيم ببقعه على الارض من الكره الارضيه تدعى ( مصر ) .. وارى ان هذا الشخص اذا ذهب الى الامارات مثلا يجب ان يدعى اماراتيا نسبه الى المكان الذي يقيم فيه ...الله سبحانه وتعالى يوم القيامه يحاسبك على افعالك واقوالك وعلى الامانه الذي حملها لك والموجوده ( بالعقيده السماويه ) التي ارسلها او اوصلها لك ولا يحاسبك او يسألك عن المكان / البلد / الوطن / الذي عشت فيه او عن تنقلاتك من بقعه الى بقعه .. فقد قال الله سبحانه وتعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) .
قديما لم يكن هناك حدود وتقسيمات دول .. كان هناك تجمعات للقبائل منتشره بانحاء العالم وقد ارتبطت هذه القبائل ببقع معينه من الارض بحكم تواجدها وولادتها فطغى عليها طابع تلك المنطقه ان كانت عربيه او غربيه .. فتحدد العرق والنسل واللغه والعادات والتقاليد وهذا الشيء لم يكن اراديا هكذا وجدوا انفسهم بتلك البقعه وهذه ليست قاعده فقد اختلطت الانساب والتجمعات مع بعض وخرجت اقوام مختلطه وتجمعات اخرى وهذا اكتسب من هذا.. وهذا اكتسب من ذاك وهلم جرا .. فاختلطت نوعا ما وبشكل محصور القبائل مع بعض ... وتفرد كثير من القبائل ايضا نوعا ما ببناء حضاراتهم والتي هي تلقائيا نتجت نتيجه تواجدهم ببقعه من الارض او المكان الذي كانوا يقيمون به فظهرت اثارهم من بناء وعمران وغيره . وهناك كثير من الحضارات حقيقة ساهمت فيها اكثر من عرق او تجمع اما بالشراكه كونهم عاشوا مع بعض بمجتمع ومكان واحد او تكميل دور ما ان انتهت او رحلت اقوام عن منطقه حتى جاء اقوام وتجمع اخر واكمل حضارة الذين سبقوهم وهكذا ..
انا احب وطني .. انا احب وطني .. ويقصد به المكان ..او تكرار لأغاني او شعر تمجيد وحب الوطن .. مواقف وكلمات تتكرر كثيرا على السن الناس وبكل مكان بالعالم .. وكأنه خائف من شيء .. او يريد ان يوصل رساله هذه البقعه التي اقيم عليها هي ملكي ولا احد يقترب منها .. هذه المقوله حسب وجهة نظري ( رأي الشخصي ) تدل على الضعف .. ما دام انت موجود بهذا المكان هو يعتبر مكان اقامتك وتجمعك وفيه مصادر حياتك .. لن يقترب احد منك ومن مكانك وينزعه منك ويطردك او يجبرك على الانتقال الى بقعه اخرى الا بحالات ... منها .. تركك للمكان بحكم ارادتك والتخلي عنه وبحثك عن مكان اخر افضل منه يلبي مصالحك ويحقق لك مصادر حياتك فتقيم فيه ويصبح مكانك السابق شاغرا ...( الطمع ) قد يطمع قوم بما هو عندك من خيرات ذلك المكان ويريد ان ينزعك منه ( الاستعمار) .. وهذه حصلت كثيرا وعلى مر العصور.. او (خيانه ) يقوم بعض من القوم بتمهيد الطريق للعدو او الطامع لاخذ المكان لغايات طمع بالخيرات او موقع استراتيجي .. الخ لامتيازات او مصالح تصب بجعبته على حساب قومه وعلى عدم احترام المكان الذي يقيم فيه .. والعقيده اجمالا ( الوطن الحقيقي للانسان ) وضعت تشريعات وقوانين وانظمه مستمده منها تخص المكان وكيفية الحفاظ عليه والدفاع عنه اذا حصل هناك اعتداء غاشم وبالقوه او العبث بأمن الناس او استقرارهم .. العقيده شموليه .. في حين (العقيده /الشريعه السماويه ) لم تغفل عن اماكن معينه وجدت بالارض كأماكن مقدسه وذات خصوصيه مرتبطه دينيا وبشرائع السماء يجب على اصحاب وحاملي هذه العقيده الحفاظ عليها وعدم التفريط بها ولا يسمح لأحد بالاعتداء عليها او تدنيسها او التقليل من شأنها او التراجع والتخاذل عن الحفاظ عليها والدفاع عنها .
قديما كانت الغزوات والفتوحات والاطماع والامبرطوريات تمتد .. وتضم بقع وامكنه من الارض اليها .. تحت شعارات ودوافع اما عقائديه او اطماع او سيطره او جلب المصالح او نهب خيرات اي كان السبب .. كان شكل خريطه العالم يتغير باستمرار كحدود .. اسكندر المكدوني غير خريطه العالم والمغول غيرو خريطه العالم والفتوحات الاسلاميه غيرت خريطه العالم والحملات الصليبيه غيرت خريطه العالم والاستعمار غير خريطه العالم وهكذا لم يكن هناك حدود واضحه منذ نشأة الارض وخلق الله للأنسان .. تبدلت حضارات والحدود والخرائط والنفوس على مر العصور ... الى ان استقر العالم الى الوضع الحالي .. فتحدد لكل تجمع سكاني او عرقي او اي شيء مشترك يجمعهم فتحدد لهم بقعه من الارض ومكان معين للعيش فيه بعد ان استقرت الامور نوعا ما .. التوزيع والتقسيم والحصر ضمن حدود معينه لم يعجب اناس وتجمعات كثيره .. ولا زال هناك صراع واحتجاجات من قبل بعض التجمعات السكانيه او القبائليه او العرقيه حول هذه التقسيمات والتوزيعات او حتى الاندماج ومنه مثلا ( الاكراد والفلسطينين وجزر الامارات والصحراء الغربيه ... الخ ) .. في حين ان هذه الاليه خاطئه بوجهة نظري فقد كان العالم جميعه كمكان مفتوح على بعضه دون حواجز .. كانت هناك فتوحات لبلاد او اقوام او تجمعات ليس بهدف احتلال المكان فقد كانت لغايات نشر عقيده .. واينما كنت كان يحكمك وما يملى عليك فيما تقول او تفعل هو العقيده التي تحملها بقلبك وصدرك وليس المكان او الزمان كما يحصل الان .
الناس غالبيتهم تموت من اجل المكان بعينه .. وليس من اجل العقيده .. دفاعك عن المكان ليس نابع من العقيده في حين العقيده تشير لك بالدفاع عن المكان لان العقيده توحي وتشير لك بذلك .. لكن الناس اجمالا تقاتل من اجل المكان لان المكان بالنسبة له هو شخصيته وحياته ومماته ومصدر رزقه . وكأنه يعبد المكان .. والدليل على ذلك .. فلسطين محتله .. وفي العقيده والشرع والدين تحث على اصحاب العقيده ان يحرروا ويخلصوا هذا المكان او اي مكان اخر ذات خصوصيه عقائديه من المعتدي .. ولكن لم يتحرك احد لذلك .. هو فقط يدافع عن المكان الذي يقيم فيه لانه ارتبط بالمكان هذا تحديدا .. في حين ان العقيده حددت مجموعه من التشريعات وافرزت احكام شرعيه تحدد لك كيفية الدفاع عن الامكنه لغايات دينيه وشرعيه .. المكان الذي تقيم فيه والمكان الذي لا تقيم فيه قد حددت لك ( العقيده ) كيف تدافع عنهما وما هي الاليه والشروط والاحكام وما سيطولك من اثم او اجر في حالة تقصيرك او تنفيذك الاحكام هذه العقيده .
ما يحكمنا هو العقيده .. والوطن هو عقيدتك .... الانسان بمجمله يرتبط ارتباط وثيق وجيد وعاطفي وذكريات بالمكان الذي انولد فيه وترعرع وفيه مصالحه ايضا بلا شك .. لكن هناك من الصحابه ماتو في ارض ليس ارضهم ... ذهبوا الى اماكن بعيده ولم يشعر بالغربه .. لانه كان يحمل ( عقيدته ) التي هي فعليا هي وطنه بصدره وقلبه اينما حل .
كل انسان يموت وعقيدته تموت معه ( اي وطنه معه ) المحفوظه بقلبه وصدره ليلقى ربنا بوجه طاهر نظيف .. يموت وهو يعلم بأنه رحل واخذ وطنه معه اي عقيدته وسيحاسب عليها وما عمل بها وما مقدار تنفيذه للامانه التي اوكلت اليه .. يعلم بأنه ذاهب الى مكان اخر .. الى القبر ومن ثم الى مكان لا يعلمه الا الله ..حتى اذا دخل الجنه او النار فهي مكان اخر ليست كالمكان الذي عاش فيه او تنقل فيه بالارض بين بقعها المختلفه .. اذا الانسان ( متفقين ) انه لا يستقر بمكان واحد ابدا .. هو مستمر بالانتقال حتى يتحدد مصيره يوم القيامه وبأي مكان ابدي سينتهي به .
الارض الماديه هي مكان سكن او اقامة للجميع ... والعقيده هي وطنك .. اينما تذهب تأخذ وطنك معك .. اذا اردت ان تتمجد بوطنك وتحافظ عليه وتحبه ويحبك حافظ على عقيدتك التي شرعها الله بتنفيذ ما امرك به والنهي عن ما نهاك عنه .
حبك للجار .. مساعدة الفقير .. نصرة المظلوم .. الزكاة .. الصدقات .. القيام بالفرائض .. حفاظك على مكانك نظيف .. زراعة شجره .. الدفاع عن عرضك ومالك وشرفك وبيتك واهلك .. رد المعتدي .. اقامة الحد على القتله والفاسدين .. معاقبة المجرمين .. حفاظك على مؤسساتك ومنشأت المكان الذي تقيم فيه من التخريب والعبث .. تكون مع الجماعه بالحق ... الاخلاق .. التسامح .. سعة الصدر .. وغيرها هذه كلها امور نابعه من عقيدتك / وطنك فتصب مصلحه وخير بالمكان الذي تقيم فيه ما دام انت مقيم فيه ... وقد قال الله تعالى ( وما تدري نفس ما تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت ) ...
السلطه .. السلطه بالمكان .. هناك حديث ورد عن الرسول محمد (ص) (إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ) حيث الامر بين .. اذا بايع الناس انسان امير عليهم ليكون مرجعهم وينظم امورهم ويحكم بينهم .. فأي تجمع لا بد وله من حاكم او امير حتى ولو كانوا ثلاثة اشخاص .. وهذا الامر يفترض ان لا يكون شغل الناس بتجمعهم ويهدر كثير من الوقت عليه ... نحن قرأنا ان الخلفاء الراشدين تم مبايعتهم ليحكموا بين الناس بعد وفاة الرسول (ص) ولم يأخذوا الوقت الكثير .. لان هناك عمل كثير .. وقديما كان الحاكم تمتد سلطته وحكمه الى ابعد من المكان الذي يقيم فيه وهو دليل واضح على ان العقيده هي اوطان الناس المفتوحه اينما وجدو وليس المكان المقيمين المحصوريين فيه .
ملاحظه : لو ان ( ابن بطوطه ) عاش زماننا.. وطلبت منه فيزا سفر لكل بلد سيزورها .. هل اصبح رحاله ؟.. كان هسه هو عاطل عن العمل وبشكي من ارتفاع الاسعار .. والله اني بحسد القبائل والشعوب القديمه التي كانت تتنقل وترحل وتقيم وتسكن بأي بقعه تشاء بالارض وهي تحمل بصدورها (وطنها /العقيده) فلم تشعر بالاغتراب يوما من الايام.
والسلام عليكم