هكذا تزوّر إسرائيل هوية فلسطين
المدينة نيوز - تظهر دراسات تربوية جديدة في مناهج التعليم الإسرائيلية المعدة لفلسطينيي الداخل، كيف تزوّر إسرائيل هوية البلاد من خلال المضامين والمصطلحات والتسميات والرواية التاريخية.
الباحثة في لغة الضاد الدكتورة كوثر جابر تؤكد أن مناهج اللغة العربيّة تلعب دورًا مميزا في تشكيل شخصيّة الطالب المعرفيّة والعلميّة والثقافيّة.
وفي دراستها التي عرضتها في الناصرة خلال مؤتمر حول التعليم العربي في البلاد، توضح كوثر جابر أن العربية هي لغة الأدب الذي منه يتعلّم التربية على القيم والمُثل والذائقة الأدبية، وبه يتمكّن من فهم هويّته وتعزيز قوميّته.
وتتوافق جابر مع باحثين عرب ويهود أكدوا في الماضي أن إسرائيل تستخدم المدرسة وسيلة للضبط والسيطرة والتدجين الثقافي والسياسي، من خلال اختيار نصوص تتواءم مع هذه المآرب غير الإنسانية.
يشار إلى أن الباحث الإسرائيلي الدكتور شلومو هليل يتفق في كتابه "العرب الصالحين" مع باحثين عرب على أن إسرائيل كانت واعية لخطورة بقاء نحو 150 ألف فلسطيني داخلها عام 1948، منوها بمساعيها المتواصلة دون نجاح كبير لتدجينهم وتهويدهم بواسطة الرقابة الصارمة على المضامين، وتعيين المعلمين في المدارس، وبواسطة الحكم العسكري.
وتخلص جابر للقول إن أهداف مناهج العربية تركّز على الاهتمام بالمعرفة اللغويّة وتسقط بقيّة جوانب شخصيّة المتعلّم الوجدانيّة والاجتماعيّة والوطنيّة.
وتوضح في دراستها أن مناهج العربية متقادمة وخالية من أي ذكر لموضوع تعزيز الهويّة والقوميّة.
كما لا يرد في منهاج التعليم بالمراحل المختلفة أي محور يتعلق بالأدب الفلسطيني، وتغيب رموز الأدب الفلسطيني كمحمود درويش وغسّان كنفاني وسميح القاسم وغيرهم.
ويبدو أن منهاج المدنيات المعد لفلسطينيي الداخل لا يزال لا يثقّف على مفهوم المواطنة المتساوية، ويعلّم على الانتماء لإسرائيل كدولة يهوديّة ديمقراطيّة.
الباحث في علم الاجتماع الدكتور مهند مصطفى يشير أن إسرائيل هنا أيضا تخالف دول العالم، حيث يتم في مناهج المدنيات التأكيد على مفهوم المواطنة المشتركة المتساويّة.
ويستنتج مصطفى من مراجعة مناهج المدنيات العربية في إسرائيل أنها ترمي لبناء انتماء الطالب لها كدولة الشّعب اليهودي، وتسويغ المشروعيّة السّياسيّة والأخلاقية لها كدولة قومية.وهي تعطيه حقوقا فرديّة مدنيّة فقط دون الاعتراف به كعضو في مجموعة قوميّة لها حقوق قوميّة وسياسيّة على البلاد وليس فيها فقط.
لا يختلف منهاج الجغرافيا عن منهاجي العربية والمدنيات، بل ربما هو أكثر حساسية بالنسبة لبلورة هوية فلسطينيي الداخل وروابطهم الوجدانية مع وطنهم.
وفي دراسته ينبه البروفسور راسم خمايسي أن نظرة الصهاينة إلى موضوع الجغرافيا تقوم على إنكار المحيط الجغرافي الفلسطيني وإحلال جغرافية عبرية.
كما ينوه إلى أن منهاج الجغرافيا بكافة مراحله مترجم عن العبرية ويهدف لتهويد الحيز بشكل سلس، معلن في بعض الحالات ومُبَطن على الغالب بواسطة تورية المعلومات وتهجين المعرفة وترويض الخطاب.
"
منهاج الجغرافيا بكافة مراحله مترجم عن العبرية ويهدف لتهويد الحيز بشكل سلس، معلن في بعض الحالات ومُبَطن على الغالب، بواسطة تورية المعلومات وتهجين المعرفة وترويض الخطاب
"
منهج الجغرافيا
وتنعكس هذه السياسة في كمية المواد المعدة للتلاميذ العرب مقارنة مع اليهود، وفي المصطلحات كترسيخ مفهوم "أرض إسرائيل" و"القدس عاصمة إسرائيل"، وتسمية الضفة الغربية "يهودا والسامرة".
وكما هو متوقع يتصرف واضعو المناهج وفق السياسة الكولينيالية فرق تسد، وعن ذلك يقول خمايسي إن منهاج الجغرافيا أيضا لا يتعامل مع فلسطينيي الداخل كأقلية قومية بل عرقية وثقافية (مسلمون، مسيحيون، دروز، بدو.. إلخ).
وتنعكس صناعة التهميش والتدجين الإسرائيلية في مناهج التاريخ بوضوح، فالمصطلحات والرواية والمضامين منطلقاتها صهيونية، كما يؤكد بروفسور مصطفى كبها في دراسته.
ويستدل كبها المؤرخ المختص بالتاريخ الفلسطيني على ذلك بتقديم بعض الأمثلة، كاعتماد "أرض إسرائيل" بدلا من فلسطين.
وحتى في العصور الإسلامية والصليبية في فلسطين يصطلح منهاج التاريخ على تسمية البلاد بـ"أرض إسرائيل"، بهدف طرح الصليبيين والمسلمين على حد سواء كقوى طارئة عليها.
احتلال الوعي
وفي سياق المصطلحات تعرّف حرب حزيران 1967 بحرب "الأيام الستة"، ويعرّف العدوان الثلاثي ( البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر عام 1956) بـ"الغزو الإنجليزي الفرنسي لمصر" دون أي ذكر لدور إسرائيل.
وردا على سؤال الجزيرة نت، يؤكد كبها حرص مصممي السياسة التربوية الإسرائيلية على صياغة الوعي والفهم لدى الطلاب العرب رغم أنهم يتعلمون بلغة الأم.
وهذا ما يؤكده رئيس المجلس التربوي العربي المشرف على الدراسات واليوم الدراسي، البروفسور محمود ميعاري، من أن مناهج التعليم الإسرائيلية تجسد احتلالا للتاريخ والوعي بعد الجغرافيا، كما في الخرائط الرسمية واللافتات العامة.
وينبه ميعاري -ردا على سؤال الجزيرة نت- لخطورة تغييب الهوية والشخصية الفلسطينية بشكل تام، خاصة فيما يتعلق بربط هذه الشخصية والهوية بالأرض والبلاد.(الجزيرة)