كاميرون يتولى شخصياً تضييق الخناق على المهاجرين الجدد
من شأن مسألة كتزايد أعداد المهاجرين أن تطيح الحكومات في الدول الديمقراطية. وهذه حقيقة لا تفوت على شخص مثل رئيس الوزراء البريطاني، الذي خرج بطائفة من الإجراءات الجديدة المتشددة، تهدف إلى سد بقية المنافذ على الواردين وتنقذ مستقبل حزبه.
صلاح أحمد: لا يتردد رئيس الوزراء البريطاني في إظهار امتعاضه إزاء ما يسميه «شيئًا مقابل لا شيء». ويقصد بهذا الانطباع السائد وسط مواطنيه المعارضين بشدة لما يسمونه «تدفق المهاجرين بلا رادع».
ذلك الانطباع هو أن هؤلاء الأخيرين «يأتون إلى بريطانيا للاستفادة مما تقدمه الدولة من إعانات مالية ومساكن مدعومة للفقراء وعلاج مجاني للجميع، بدون مردود من جانبهم، يدعم الاقتصاد، ويعود بالنفع على أهلها».
لذا قرر كاميرون، في خطاب ألقاه الاثنين، تشديد إجراءات الدخول للمهاجرين المحتملين عمومًا، وفرض شروط جديدة على أولئك القادمين من دول الاتحاد الأوروبي (أوروبا الشرقية، وخاصة دولها المنضمة حديثًا إلى الاتحاد الأوروبي).
حرمان من الإعانات
وفي ما يتعلق بهؤلاء الأخيرين، أعرب عن رغبته في أن يُحرم الوافدون الجدد من أي شكل من إعانات الدولة خلال سنة إقامتهم الأولى بكاملها، لكنه تراجع عن هذه الفترة، لأن قوانين الاتحاد الأوروبي نفسها تحظرها.
على أن رئيس الوزراء لا يخفي الآن أنه سيسعى بكل السبل المتاحة قانونيًا إلى تضييق الخناق على الوافدين الجدد، لأن مسألة الهجرة «تهددنا بالخروج عن سيطرتنا بالكامل»، كما نقلت قوله وسائل الإعلام في البلاد.
لهذا قال إنه سيضع ستة أشهر حدًا أقصى لتلقي الوافدين الجدد (بمن فيهم مواطنو الاتحاد الأوروبي) إعانات الدولة بعد دخولهم البلاد. وهذه فترة يقول إنها معقولة وكافية لأن يجد الوافد عملًا يدعم به نفسه، ويدفع منه ضرائبه للدولة، أو تُقطع عنه تلك الإعانات.
في ما يتعلق بالسكن، الذي توفره المجالس البلدية للفقراء من الوافدين، فسيكون عليهم الانتظار فترة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، قبل حصولهم على حق نيلها. ويذكر هنا أن المجالس البلدية ظلت سابقًا تعطي الأولوية للمهاجرين. وعلى سبيل المثال فقد تخطى هؤلاء الصف في العام الماضي وحصلوا على 32 ألف مسكن من مجموع 360 ألفا كانت متاحة للدولة.
سياحة صحية
هناك بالطبع تلقي العلاج المجاني (الذي قد يكلف عشرات آلاف الدولارات في دولة كالولايات المتحدة مثلًا) في عيادات ومستشفيات «خدمات الصحة القومية» NHS مما يتمتع به الوافدون الجدد على قدم المساواة مع أهل البلاد. لكن كاميرون يصف هذا بأنه «سياحة صحية يجب أن تأتي إلى نهاية».
من الإجراءات التي يسعى إليها رئيس الوزراء في هذا الصدد، وفي ما يتعلق بالمهاجرين من خارج دول الاتحاد الأوروبي، فسيكون من شروط منحهم تأشرة دخول البلاد أن يبرزوا شهادة تثبت تمتعهم بالتأمين الصحي الخاص المدفوع من أموالهم.
وكما أوردت «إيلاف» سابقًا فإن الحكومة تنظر حاليًا في برنامج يمنح بموجبه كل بريطاني ومقيم شرعي في البلاد «بطاقة مرور» إلى الخدمات الصحية المجانية. فحتى بالنسبة إلى المهاجر الشرعي الجديد، فسيتعيّن عليه الانتظار فترة - لم تحدد بعد، ولكن يعتقد أنها ستكون 6 أشهر، وربما 12 شهرًا - قبل أن يصبح بوسعه الحصول على تلك البطاقة الصحية، التي تمنحه الحق في العلاج على حساب الدولة.
حدّ لطوفان المهاجرين
نُقل عن وزير الهجرة، مارك هاربر، قوله إن هذه الإجراءات في مجملها ستكون، لدى البدء في تطبيقها اعتبارًا من أول العام المقبل، «الأشد من نوعها في أي مكان آخر في العالم». والواقع أن هذه الإجراءات غير المسبوقة تأتي كسبب مباشر للمخاوف الواسعة النطاق من طوفان مهاجرين سيأتون، كما يُقال، من رومانيا وبلغاريا، عندما يحق لهم التنقل والعمل داخل أوروبا بدون تأشيرات دخول ابتداء من نهاية العام الحالي.
ليس سرّا أن هذه الإجراءات تأتي أيضًا بسبب خوف حكومة ديفيد كاميرون من تنامي التأييد وسط الناخبين لحزب «استقلال المملكة المتحدة»، المعروف باسمه المختصرUKIP «يوكيب». وتأسس هذا الحزب - المعارض لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي وللهجرة والمهاجرين - في 1993، ووقف زمنًا طويلًا على أقصى هامش اليتار السياسي الرئيس في بريطانيا.
لكن الحزب بدأ يشتد عودًا في السنوات الأخيرة، ويجتذب إليه قطاعات حتى من أولئك الذين لا يحملون آراء يمنية متطرفة بالضرورة. وعلى هذا النحو صار وخزًا في جانب الأحزاب الرئيسة التقليدية («المحافظون» و«العمال» و«الليبرالي الديمقراطي») لأنه صار «يسرق» أعدادًا متزايدة من مناصريهم بفضل سياسته الرامية إلى «تنظيف» البلاد من المهاجرين.
وكانت نتيجة انتخابات فرعية في الشهر الماضي قد أظهرت تدنياً وسط أنصار المحافظين، بحيث إنهم لم يحصلوا إلا على ربع الأصوات. ووضعهم هذا في المرتبة الثالثة بعد «يوكيب»، الذي حاز المرتبة الثانية. لكن، سواء كانت مساعي كاميرون الأخيرة مجرد رد فعل لوقف نزيف حزبه أو محاولة مدروسة وطبيعية لتنظيم مسألة الهجرة، فإن الخاسر في كل الأحوال هو الساعي إلى الهجرة إلى بريطانيا لسبب أو آخر.
( المصدر : ايلاف )