مؤسساتنا التربوية بحاجة إلى قادة مبدعين وليس الى مديرين تنفيذيين
تعتبر العملية التربوية عملية إنسانية، لأنها تتسم بنشاطات إنسانية ، وتتميز بغايات إنسانية، وتنفذها مؤسسات إنسانية، لذلك فعلى القادة التربويين أن يطوروا تفهما واعيا لكيفية قيادة هذه المؤسسات الإنسانية والتعامل مع العاملين فيها ، بحيث يبذلون عن قناعة ورضى أقصى ما يستطيعون من جهد أثناء عملهم وممارستهم لإدارتهم.
والقيادة كما هو معروف علم وفن ، شأنها شأن الإدارة ، إلا أن القيادة تتميز عن الإدارة بأنها تتضمن عنصر المبادأة وإحداث إجراءات جديدة ، وقدرة تأثير القائد في الآخرين ، بحيث يتقبلون قيادته طواعية لاعترافهم التلقائي بقيمته في تحقيق أهدافهم والتعبير عن آمالهم وطموحاتهم .
والقيادة التربوية هي مجموعة من المفاهيم المتكاملة المتناغمة، والمهارات الفنية والإنسانية والإدراكية التي تتوافر في القائد التربوي،وهي مركز عمليات الجماعة، وفن حثهم على المطاوعة والعمل، وقوة لها دور متميز ومبادئ في التطوير والتغيير، وهي في النهاية تفاعل بين القائد التربوي والعاملين في حقل التربية، بحيث يشترك الجميع في دور معين لتحقيق الأهداف التربوية.
أما مفهوم الإبداع فقد ارتبط تاريخيا بالأعمال الخارقة التي تقترن بالغموض وتستعصي على التفسير.كما ان الإبداع مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا ما وجدت بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتاجات أصلية وجديدة ، وفي ضوء ذلك يمكن القول أن المؤسسة الإبداعية هي التي تسعى وتبحث عن الجديد باستمرار، والقيادة الإبداعية هي مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية التي تقود إلى تحقيق إنتاج جديد وأصيل وذي قيمة للمؤسسة وللجماعة ، وهنالك ركائز للعمل الإبداعي تقوم على التركيز على الأداء،وشحذ روح الاستقلالية والمغامرة ، واحترام إنسانية العاملين ، وتبسيط الإجراءات الإدارية ، ومناخ تنظيمي مرن.
وأيا كانت المعايير، فإن العنصر البشري هو المعيار الحاسم في الإبداع، فالقائد المبدع يميل إلى البحث والتفكير في الأمور والخروج عن المألوف في التفكير، ويلتزم بأهداف سامية لتحقيقها للمؤسسة التربوية، ويتفانى في العمل، ويسعى إلى الإنجاز، ولديه قدرة على تقديم أفكار استقلالية ، ويشجع تبادل الرأي والمشاركة، والنقد الذاتي ، وتفهم المشكلات ، وطرح الحلول ضمن رؤية واضحة ، وتتصف القيادة المبدعة بالبصيرة الخلاقة، والثقة بالنفس وبالآخرين، والقدرة على التعامل مع مقتضيات التغيير، والقدرة على التكيف والتجريب والتجديد ، والجرأة في إبداء الآراء والمقترحات، والاستقلالية الفردية ، ومن المؤسف ان نرى قادة المؤسسات التعليمية ومدراءها في اغلبهم ، هم مديرون تنفيذيون ليس الا، اذ نلمس الآلية في ممارستهم لأعمالهم، ينفذون التعليمات بصورة آلية وحرفية، وليس لدى اغلبهم مهارات من الوعي والاهتمام والقدرات التي يمكن وصفها بالإبداعية،فهم ليسوا قادة مبدعين في مؤسساتنا التربوية ؛ فالقيادي المبدع شخص مخالف للآخرين في تصرفاته للنمو التقليدي ، ولديه القدرة على تصور بدائل عديدة للتعامل مع المشكلات، وطرح الأسئلة الصحيحة والتي ليس هنالك أجوبة محددة وموحدة لها، وهو شخص لا يستسلم بسهولة، ولا يزيده الفشل إلا إصرارا على النجاح والإنجاز، ويتحمل المواقف الغامضة ؛لأنها تثير في نفسه البحث عن الحلول ،وهو قادر على التكيف والتجريب والتحديث باستمرار ، ولديه الجرأة فيما يقترح ويقرر ويعمل ، ولديه صفات وخصائص شخصية قيادية مبدعة،ويؤدي عمله ضمن إستراتيجية تنمية الإبداع .ومقاومة أثناء أدائه لعمله لمعوقات الإبداع.
واليوم اذ تواجه الإداري التربوي في عالمنا العربي والإسلامي بشكل عام وفي الاردن بوجه خاص ، تحديات أفرزتها ثورة المعرفة والمعلومات التكنولوجية ، والتطورات المتسارعة الضخمة في ميادين العلوم وتطبيقاتها، وتطورات ميادين الاقتصاد والمال والاجتماع، والانفجار السكاني ؛ ففي عالمنا المعاصر ، المتميز بتسارع الأحداث ، وتراكم المعارف، وتنوع أشكال الصراع، وظهور العولمة التي هي أيديولوجية تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم، وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك، باستعمال السوق العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول النامية، والدول العربية والإسلامية بشكل خاص، للإخلال في نظمها، وبرامجها الخاصة، وحتى في عقيدتها وذلك باستعمال الإعلام ، وإعطائه الأهمية والأولوية الخاصة لإحداث التغيرات المطلوبة على الصعيدين المحلي والعالمي.
وفي ظل التنافس الذي أصبح يسود مختلف مجالات الحياة، سواء على مستوى الأفراد بين بعضهم البعض ، أو بين المؤسسات بعضها والبعض الاخر، من أجل تحقيق مستويات أفضل ، سواء على مستوى الإنتاج، أو على مستوى الخدمات، فلم يعد تحقيق الأهداف في مستوياتها الدنيا هو الغاية التي تقف عندها جهود الأفراد والمؤسسات، وإنما أصبح الوصول إلى درجة عالية مقبولة من اتقان العمل، وارتفاع مستويات الأداء إلى أعلى ما يمكن الطموح إليه ، هو الغاية المنشودة، والسقف الذي يحاول الجميع الوصول إليه ، والأمل الذي يطمحون في تحقيقه ، فالتميز والإبداع، والوصول إلى أقصى درجات الجودة، أصبح من أهم أسباب البقاء في حلبة السياق ففي عصرنا هذا الذي يمكن القول فيه أن البقاء للأذكى، وللمتميز ، وللمبدع ؛فلا يستطيع القيادي التربوي تجاهل هذه الظروف والأحداث، بل عليه أن يتفاعل مع التغير والتطور، ويلتزم بمواجهة التحديات المفروضة ، وذلك يستدعي الاهتمام والإيمان والعمل بالمؤسسات التربوية وبرسالتها الحديثة ، التي تدعو إلى تطوير وقيادة نظام تربوي يركز على التميز والإتقان والجودة، ويستثمر موارد بشرية تتمتع بقدر عال من إتقان كفايات قيادية وإدارية وتعليمية أساسية ، وذات اتجاهات مجتمعية إيجابية، تمكنها من التكيف بمرونة مع متطلبات العصر، والمنافسة بقوة وفاعلية ، والإسهام في تطوير اقتصاد وطني قائم على المعرفة.
لقد أصبح مطلوبا من هذا النظام التربوي ، التركيز على قضايا رئيسية وأولها التميز والإبداع، وتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبناء شراكات فاعلة ، والنوعية ، والكفاءة والفاعلية واللامركزية والمواءمة؛ وذلك يتطلب تطوير وتنمية الأجهزة الإدارية الحالية ، وايجاد القيادات الإدارية المبدعة التي تتصف بمهارات وكفايات قيادية خلاقة ، تعزز قدرتها على تأدية أدوارها ووظائفها ، وتحقيق مستوى متميز من الكفاية والفاعلية للمؤسسات التي يديرونها. فالقادة التربويون على مختلف مستوياتهم وأجهزتهم، يجب أن يمتلكوا القدرة القيادية والإدارية والمهارات والكفايات اللازمة في الإبداع والتميز لتحقيق الأهداف الموكولة إليهم.
إن طبيعة هذا العصر وتحديات العولمة تتطلب نوعيات جديدة من القادة التربويين والمديرين، ذات كفايات عالية ورفيعة المستوى الأكاديمي والمهني والثقافي والأخلاقي، نوعيات فعالة في عملية التغير الاجتماعي، فالحاجة ماسة لقادة مبدعين قادرين على تعلم مهارات التفكير الإبداعي، ومهارات البحث والاستكشاف الذاتي، بالإضافة إلى قادة لديهم الفهم والوعي للطبيعة المتغيرة للمجتمع الأكبر الموجودة فيه المؤسسة ، وهذا لا يشمل فقط فهم عولمة الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية ، بل يتطلب أن يكون القادة ممارسين ودارسين في نفس الوقت ، وأن يتفهموا بشكل واضح طبيعة قدراتهم القيادية المبدعة، ومعرفتهم بالإدارة ، فكل قائد يحتاج على تقييم واقعي لقدراته الابداعية الحالية، وبهذا يمكن إيجاد قدرات ومهارات ابداعية تفي بحاجات عصر العولمة