في وداع الشيخ ابراهيم زيد الكيلاني
حظيتُ وانا في مقتبل العمر ان اتعرف إلى سماحة الدكتور ابراهيم زيد الكيلاني رحمه الله ، لأجمع ما حفظته ذاكرته الجميلة عن علاقته الطيبة التي ربطته بالشاعر الاردني المعروف المرحوم ابراهيم المبيضين (ابو فيصل) إذ عملا معاً في دار الاذاعة الاردنية ، كل منهما في مجال اختصاصه ، يقدم أو يعد ، ما فاض من غزير العلم والمعرفة والأدب لديه على جمهور المستمعين ، الذين يترقبون تلك البرامج من مصدرها الاعلامي الأول في المملكة .
وإذ يسرني الله لجمع شعر ابي فيصل رحمه الله كان لزاماً أن التقي بأصدقائه الكثر الذين عايشهم في هذه الدائرة او تلك المنطقة ، حتى استجمع اكبر قدر ممكن من المعلومات ، وما أن ذكرت المهمة على مسامع الشيخ رحمه الله ، حتى علا السرور وجنتيه الطاهرتين ، ومستبشراً بما أنا قادم لأجله ، فأشار إلى ضرورة انجاز عمل ادبي يوثق سيرة ابي فيصل منذ زمن ، فهو في عرفه شاعر يستحق أن ينشر شعره على اكثر من صعيد ، وكان سعيداً إذ كانت مجالستي إياه تذكره بما كان يدور بينهما من حوارات وطرائف ونوادر أدبية ، تتعلق بمن شملهم أبو فيصل بهجائه او مدحه او مناكفاته ، التي اتسعت دائرتها فشملت أشخاصاً ورموزاً كان يصعب ذكرهم في مواطن الهجاء إلا في شعر ابراهيم المبيضين ، الذي عاين بعضاً من حياتهم السياسية والاجتماعية فأزال الغموض عن كثير من حقيقتهم ، وهذا ما كان يلمح إليه سماحته - رحمه الله - في حديثه تلميحاً ، إذ يتحاشى ذكرهم بالطريقة التي اوردها ابو فيصل رحمه الله .
إن تكرار اللقاءات به رحمه الله جعلتني أرى فيه صورة العالم الورع ، والخطيب المفوه ، والسياسي البارع ، والداعية الوادع بلفظه وصوته الحاني ، وجرأته المسؤولة ، ووعيه المتقدم ، وعلو كعبه في الأدب والشعر خصوصا ، وجعلهما معاً في مركب الدعوة والمنهج الرباني ، الذي آمن به في سبيل الحكمة المانعة الجامعة المستوجبة لاستحضار المعاني والالفاظ ، وفق ما تقتضيه مقتضيات الحال والمقام ، فهو وقافُُ عند كل مكرمة ، لنشر فضائلها ، مثلما هو وقافُُ لمنع كل رذيلة في مجتمعه في جوانب الحياة بأجمعها ، إن كانت في السياسة أو الاقتصاد أو الاخلاق أو غيرها .
لقد كانت حياته رحمه الله سجلاً انسانياً متميزاً ومتفرداً في اسلوبه الدعوي ، الذي تنزه عن الرياء في ظاهره او باطنه بإذن الله .
ولعل ما يجمل المعنى في مقصدنا ، ما كان كتبه فيه صديقه الشاعر ابراهيم المبيضين ذات زمان ، إذ يقول فيه :
يا وعاء العلم يا مالكه يا غزالياً تخطيت الرقاب
من عرفناه هماماً باسلاً وأريباً نابهاً دون ارتياب
قد رأى الناس به معجزة حيةً في شرح آيات الكتاب
ويقول :
شهباً يرسلها صاعقة في نداءات لها فعل الشهاب
دأبه التنديد دوما بالذي جرأوا الناس على هتك الحجاب
ويقول :
يأسر الالباب في توجيهه ويرى في قوله فصل الخطاب
وحديث الهدى عذبُُ شيق واضح الصحة سلس مستطاب
خلق عال عظيم مرتضى يشهد الاخوان فيه والصحاب
يرقب الله ويخشى بطشه ويخاف الحشر في يوم الحساب
ويقول :
ليس بدعاً إنه من معشر لهمو في عترة الزهرا انتساب
اذهب الرحمن رب الناس عن آل طه الرجس في نص الكتاب
نعم ، إنه - رحمه الله - من معشر سادة نجب ، كان لهم وسيبقى بإذن الله ، كل أثر طيب في الدعوة والتربية والحكمة وعمل الخير ، الذي توارثه كل جيل منهم عن سابقه ، واعتمدوه إرثاً وتراثاً وعبقاً معطراً بالطهر والفضيلة ، من لدن جدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، حتى قيام الساعة بإذن الله - فهم من آل بيت النبوة المنذورين لخدمة دينه وخلقه .
ولا نقول في مقام استذكار سيرة ومسيرة الراحل الطيب (ابو الطيب) إلا الدعاء بأن يجعل له من فكره وعلمه ونسله شجرة طيبة تؤتي اكلها الطيب للبشرية جمعاء ، حتى يوم الدين ، انه ولي ذلك والقادر عليه ، مع أخلص الدعاء له بالرحمة والمغفرة ، ولذويه ومحبيه بجميل الصبر مع حسن العزاء ، إنه سميع مجيب.