عجلون عاصمة الثقافة الأردنية
يزخر الأردن بالعديد من المواقع السياحية الأثرية ضاربة بعمق الجذور تاريخ الحضارات القديمة، وتعتبر مدينة عجلون مثالاً شاهداً للعيان عن هذه الحضارات التاريخية ونحتفل هذا العام لتكريمها عاصمة لثقافة الأردنية.
تقع محافظة عجلون في الركن الشــمالي الغربي من العاصمة على بعد (76) كم ويحدها من الشمال والغرب محافظه اربد والتي تبعد (32) كم ويحدها من الشرق محافظة جرش وتبعد (25) كم ويحدها من الجنوب محافظة البلقاء وتبعد (72)كم . وتقع المدينة تحديداً في وسط الجزء الشمالي من الأردن بين دوائر العرض
12 32ْ و 23 22ْ وبين خطوط الطول 34 35ْ و 12 36ْ شرقاً وتمتد باتجاه غربي شرقي المسافة (75) كم2 ، وباتجاه شمالي جنوبي المسافة (39)كم2 ، مغطية مساحة تبلغ 1582.32 كم2 لتشمل بذلك الأرض الواقعة بين نهر اليرموك شمالاً ونهر الزرقاء جنوباً .
تعتبر مدينة عجلون مركز المحافظة وان تسمية عجلون جاءت من لفظ سامي آرامي قديم نسبه إلى أحد ملوك مؤاب اسمه عجلون عاش في القرن التاسع قبل الميلاد وأن تسميه عجلون بجلعاد القديمة جاءت من التسمية السامية , حيث زار عجلون بنيامين التطيلي وهو رحاله اندونيسي عام 1165م , وجلعاد تعني الصلابة أو الخشونة وهي تسميه تتفق مع طبيعة المنطقة، تعتبر هذه المنطقة حلقة الوصل بين الشام وساحل البحر المتوسط ومنطقة استراتيجيه بين ارض الفرات وارض النيل .
احتضنت منطقة عجلون الكم الأكبر من الأدباء والشعراء والعلماء فكان منهم الأديبة عائشة الباعونية والعالم إسماعيل العجلوني , وهذا ولم يدع الرحالة أيامهم في جبال عجلون أمثال ابن بطوطة وغيره دون أن تنطق الألسن والشفاه بما رأته العيون وانطبع في الأنفس وانشرحت له الصدور , فكان كلامهم صوره صادقه عن حياة البلاد , الصورة التي يمكن من خلالها استرجاع التاريخ واستذكار الماضي واستقراء الواقع .
وتمتاز منطقة عجلون بالمناخ الفريد من نوعه في المملكة حيث يعتبر مناخاً معتدلا صيفاً وبارد شتاءً ,ويبلغ متوسط درجة الحرارة في الصيف 25م وتصل درجات البرودة في الشتاء دون الصفر المؤوي أيام الشتاء البارد ويعتبر القسم الغربي منطقه شفاء غوريه لقربه من منطقة وادي الأردن (الأغوار ).
تنتشر شمال منطقة عجلون مجموعة كبيرة من الأودية الواقعة على الجانب الشرقي لنهر الأردن وخاصة الناحية الغربية منها التي تصب مجاريها المائية في نهر الأردن ، مثل وادي الطيبة ووادي زقلاب ووادي اليابس وغيرها ، حيث يبلغ عددها ثلاثماية وخمس وعشرون وادياً .
تتنوع الأشجار والنباتات على ضفاف هذه الأودية ومنها أشجار التفاحيات والتين والكرمة والحمضيات والرمان والزيتون، كما يتواجد العديد من أنواع النباتات والورود المتعرشة مثل أنواع النعناع البري والطيون وهي من ذوات الروائح العطرية مما يجعلها عاملاً لجذب السياحة ويوفر فرصاً لمراقبة ومشاهدة بعض أنواع الطيور ، والأحياء المائية ضمن المجاري والأودية .
أما تضاريس المنطقة المختلفة تتمثل في كثرة الجبال التي تعلو سطح البحر بما يزيد عن الألف متر والتي تبدوا في معظمها على شكل قباب خاصة إذا ما نظر إليها من أماكن مرتفعة مثل قلعة عجلون ، يرتفع جبل أم الدرج (1227) متر عن سطح البحر ورأس منيف يبلغ ارتفاعه (1198) متر وجبل عوف حيث تربض قلعة عجلون بارتفاع (1023) متر والعديد من الرؤوس والمرتفعات الجبلية رأس على مهنا ، والطيارة بارتفاع (1900) متر .
تغطي الغابات والأحراج الطبيعة ما مساحته (91000) دونما من المساحة الكلية للمحافظة البالغة (420000) دونما وبنسبة 22% من المساحة الكلية وتكثر في هذه الغابات أشجار السنديان والصنوبر الحلبي وأشجار وشجيرات القطلب ( القيقب) والزيتون البري والبطم الفلسطيني وأشجار الصفصاف ونبتات برية مختلفة مثل شقائق النعمان والسوسن والعوسج والدحنون والدفلى والعديد من النباتات الجميلة حيث تمثل طبيعة ساحرة بكثافة أشجارها وتشابك أغصانها خاصة على ضفاف الأودية، وسماع خرير المياه المتدفق من الأودية والاستمتاع بسماع تغريد الطيور المختلفة.
دلت المسوح الأثرية على تواجد أكثر من سبعين موقعاً أثرياً تاريخياً ابتدأ من الزمن الأول الألف الثامن قبل الميلاد ، وتعود أصل تواطن الحضارات فيها لعدة أسباب منها توفر المياه واعتدال المناخ وخصوبة الأرض.
يرجع تاريخ قلعة عجلون أو قلعة الربض إلى تاريخ بناء القلعة على زمن عز الدين أسامة أحد قادة صلاح الدين الأيوبي عام 580هـ- 608هـ (1184م-1211م).
جاء وصف أبي الفداء 832هـ/1331م في كتابه تقويم البلدان النص التالي " عجلون حصن وربضه يسمى الياعوثة" والحصن عن البلد شوط فرس ، وهما في جبل الغور الشرقي قبالة بيسان، وحصن عجلون حصن منيع مشهور يظهر (يرى) من بيسان، وهو حصن محدث بناه عز الدين أسامة من كبار السلطان صلاح الدين الأيوبي.
كان الهدف من بنائها هو الحيلولة دون انتشار القوات الصليبية في منطقة عجلون، ولحماية الطرق التجارية مع دمشق وشمال سوريا من تدخل الفرنجة ومنعهم من أي توسع في المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن، ولقد تعددت وظائف القلعة فمنها العسكري ومنها الإداري حيث أصبحت بعد سقوط مملكة اللاتين في الكرك مركزاً للإدارة يقيم فيها حاكم مرجعة دمشق، استخدمت القلعة كمحزون للمؤن ، والذخيرة، والسلاح، وكانت إحدى القواعد عام (1217م) التي جُمعت فيها الإمدادات لنجدة مصر واستخدمت ملجاءً لسكان القرية التي تقع بالقرب منها حال تعرضهم للخطر لتوفير الحماية لهم، وكانت من خلال موقعها الاستراتيجي تسهل عملية المراقبة للمواقع التي كانت تشرف عليها، وكانت تعمل أيضاً كمحطة إرشاد من خلال المنارات الممتدة ما بين القاهرة وحدود الفرات ، وعملت أيضاً كمحطة للحمام الزاجل، وقد ظهرت العقود والقناطر واضحة لمعظم غرفها وفراغاتها، كما انتشرت في ساحتها الداخلية الكثير من الآبار والتي ربما استخدمت لخزن الغلال والمياه، وعلت القلعة مجموعة من أبراج الاتصال واحتوت أيضا على وجود المشنقة في أحد عقودها الشمالية، والتي ما زالت أثارها قائمة حتى يومنا هذا دالة على أن القلعة كانت مركزاً للحكم والإدارة في ذلك الوقت.
أما ساحة القلعة الخارجية فقد أحيطت القلعة نفسها بسور ضخم من الحجر المُحكم ما زالت بقاياه حتى الآن شاهداً، وتبلغ مساحة القلعة بما في ذلك سورها ستة دونُمات، ويزيد طولها من الشرق إلى الغرب على ستة وستين متراً، ومن الشمال إلى الجنوب حوالي ستين متراً
وتهبط القلعة من الأسفل بركتها العظيمة المشيدة، والتي استخدمت لتجميع مياه الشرب للسكان وحيواناتهم.
هذا وقد سميت قلعة عجلون بقلعة "ابن فريح" أيام العثمانيين إشارة إلى قبيلة الفريحات التي حكمت تلك المنطقة لمئات السنين في ذلك الوقت، وتجدر الإشارة إلى أن القلعة مبنية على شكل شبه مربع، وفيه أربعة أبراج، كل برج يتكون من طابقين.
بعد معركة حطين أضيف برجان يقعان إلى يمين مدخل القلعة، المبنية على جبل شامخ تطل على فلسطين والبحر الميت ويمكن رؤية أجمل صورة لجبال عجلون عند الوقوف على أحد الأبراج الشرقية للقلعة.
من الآثار الكثيرة التي تحتضنها عجلون المساجد والكنائس وجاءت المساجد في المنطقة القديمة من حيث التكوين والشكل وفقاً للطراز العثماني ذو العقود والقبب التي تعلو سطح المسجد والتي تعتبر ركن من أركان العبادة التي لم تخلو منه أي قرية من قرى الناحية، فهو المكان الذي تقام فيه الصلاة ومناسبات الأعياد ومن أسماء المساجد التاريخية في مدينة عجلون عصيم.. وكداده.. ولستب.. وحزار.. ودير الصمادية.. والمسجد الأموي في بلدة راسون.. والعديد من الكنائس التي مازال جاري الكشف عنها مثل الستب.. والطيارة.. وأم الينابيع.. وغيرها الكثير...... وهنالك العديد من المواقع الأثرية الهامة التي تعود إلى العصر الحجري القديم- البرونزي المبكر والعصر البرونزي المتوسط – الهلنستي أي ما قبل 332-63 ق.م ومواقع ترجع إلى العصر الأيوبي والروماني في خربة الدير ، وفارة.. ومهرما...وعصيم.. وعفنا.. والمقاطع.. وعبكل.. وأبو إزريق.. وغيرها...
انتشر أيضاً في محافظة عجلون العديد من المقامات في كل قرية من قرى الناحية، منها مقام الشيخ الحاوي والذي يقع إلى الجنوب من قمة جبل برقش الغابية، على إحدى الهضاب، وهو بناء متداعي ذو شكل رباعي بقياس (7×7م) يحوي بداخله قبر مغطى باللون الأبيض، وعلى بابه يرى المرء بعض أعمدة المرمر المستخدمة كمذابح للأضاحي، كما توجد بعض التيجان على هذه الأعمدة المصنوعة من المرمر.
كما يوجد مقام الشيخ مقداد في منطقة أبو شوك بالقرب من قرية جديتا، وبالقرب من نفس القرية يوجد مقام الشيخ رباع في الغرب ومقام الشيخ عبده، والعديد من المقامات مثل مقام الشيخ عيسى الزعبي والشيخ أبو وتد وأبو العوف ومقام الخضر في كفر لما .
انتشر في العهد العثماني العديد من المدارس حيث بلغت ست عشر مدرسة منها مدرسة عنبة وسموع وكفر عوان وخنزيرة ودير أبي سعيد في لواء الكورة...
إن هذه المواقع الأثرية البارزة على ثرى الوطن الغالي تمثل زخماً للحضارات المتعاقبة عليها وشاهداً على مدى عراقتها ونموها وتعتبر سجلاً تاريخاً حافلاً بتواصل الحضارات المختلفة