المُحَامَاة مِهْنَةٌ سَاْمِيَة والمُحَامِيْنَ مَنَارَاتٌ مُضِيْئَة!!!
جاء في قوله تعالى : ( رب إشرح لي صدرى ويسر لى أمرى وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وأجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه فى أمري) . سورة طه الآيات( 32:25)
وقال رسول صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إلي فأقضي بينكم على نحو ما أسمع ولعل بعضكم ألحن بالحجه من أخيه فأقضي له فمن قضيت له بشىء من أخيه لا يأخذ منه شئ وليرده إليه فإنما أقطع له قطعه من النار" (صحيح البخارى ح9ص 86 ، وصحيح مسلم ح ص 1337 ) .
ومن أقوال المحامي أمين طاهر البديوي والملقب بأسد نصير المظلومين والمدافع عنهم وبملك العدل والقانون كما هو معروف عنه : "إن مهنة المحاماة من أرفع وأشق المهن على الإطلاق حيث أن المحامون هم المبدعون والمتحدثون بلسان العدالة على مر التاريخ ويشاركون السلطة القضائية مهمتها في تحقيق العدل وإحقاق الحق في هذا المجتمع ولذلك كان لزاماً على المحامي أن يكون على قدر المسئوليه مدركا لقيم الحق والعدل ".
فالمحامي إذن هو إنسان عاقل ، راشد ، يتفاعل مع الواقع بكل مصداقية فهو يقرأ ويستمع ويشاهد بعقله وعلمه ووجدانه بكل حذر وتفهم وتأكيد وبعيداً عن العاطفة والإغراء بأنواعه المختلفة والعلاقات أو الصِلاتِ بأنواعها وذلك عند الدفاع عن الحق والعدل ضد الظلم والطغيان ، ووسيلته في ذلك قوله وكلامه المنطقي المقبول والمعقول من خلال عقله السليم ومنطقة القويم وثقافته الواسعة وبلاغته الحصينة وإستنباطه الحكيم في إيجاد باقي حلقات السلسلة المفقودة لقضية موكله في دفاعه وقناعته التامة بأنها حق يجب إظهاره على الباطل ودون أن يكون له أدنى شك في عدم قدرته على نصرة ذلك الحق ، إضافة إلى أنه شخصاً ذو أهمية كبرى ومعيناً للقاضي في بيان الحق ودلائله المؤكدة لإثباته يقيناً وإلا لما كان جديراً لأن يطلق عليه لقب "محام" .
ومن هنا إجتمع الكثيرون بأن المحامي يجب أن تكون لديه المكنات السامية ، والقدرات العالية ، لأن يكون أديباً بارعاً ، ومفكراً متميزاً ، وفيلسوفاً قادراً ، وحصيفاً ناطقاً ، وسياسياً متزناً ، ومبدعاً متفرداً ، وسباقاً جاهزاً، ومبتكراً حاذقاً . وفراسة سريعة بادئة ، كون مهنة المحاماة هي الوحيدة التي تقتضى ممتهنها تلك الآليات والإمكانيات من الصفات الحسنة والحميدة والنادرة ، أما قواعد وأساسيات ممارساتها فتعود لضوابط الدين والقانون والعادات والتقاليد والأعراف المتعارف عليها من قبل المجتمعات المختلفة عداك عن القسم واليمين الذي يتعهده على نفسه لمزاولة مهنة المحاماة وقدرته على فهم آليات الأداء النموذجي الذي يتطلبه دستور وقانون المحاكم التي يتم فيها حضوره وترافعه بالدفاع لنصرة الحق والعدالة والإنصاف ضد الظلم والطغيان الذي وقع على موكله في قضيته .
من هنا فإن مهنة المحاماة مهنة ضرورية لدى المجتمعات المختلفة والتي وجدت أصلاً لنصرة العدالة وبيان الحق وإنصاف طرفا النزاع والفصل بينهما وفق القانون الساري والمتبع في أي دولة وبما يرضي وجه الله تعالى وبرضاء كافة الأطراف بالوقت الذي فيه يكون للمحامي دوراً مهماً وأساسياً لدحض الباطل وإزاحة الظلم عن المظلومين والأبرياء ممن لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء لاسيما وأن المحامي يكون اليد والساعد الأيمن للقاضي في مساعدته لبيان الحق وملابسات الأمور المتعلقة بقضية موكله للنطق بالحكم العادل والمنصف لكلا أطراف النزاع ، إلا أننا نجد من ناحية أخرى بعض المحامين ومن أجل أجر أو عمولة أو مقابل نسبة معينة من المال يقف مدافعاً عن الظلم أمام الحق مخالفاً بذلك قسم مهنة المحاماة والمباديء القانونية والعادات والتقاليد والأعراف مستخدماً في ذلك نباهته وإمكانياته وقدراته وخبراته العملية والعلمية في الدفاع عن الظلم عداك عن خروجه عن المباديء الإنسانية وتنكره للمباديء والأحكام القانونية سواء كانت مدنية أو شرعية . فعندما يكون للنزاع طرفان فلا بُد أن يكون لكل منهما "محام" وكيل في الفصل أمام القانون ، فكل وكيل منهما يحاول مستخدماً كامل طاقاته لتبرئة موكله وكأنها مباراة أو حرب لا بُد لأحدٍ منهما بالفوز أو الإنتصار بها . وحيث أن كلاهما يعتبر الحق لموكله بكل قناعة بناءً على ما لديه من بينات وشهادات وأقوال تدعم قضية موكل كل منهما قد أدى عمله في الترافع والدفاع عن موكله مستخدماً كامل طاقاته وقدراته وإمكاناته إلا أنه وفي النهاية لا بُد وأن يكون الحكم لأحدهما بكسب القضية وخسرانها بالنسبة للأخر ؟ . وحيث أن مهنة المحاماة هدفها الأول والأساسي هو إعلاء سياده القانون وآداء رسالة العدالة وأن قبول أية قضية يعلم فيها المحامي حق المعرفة ببطلان أركانها ولم ينبه أدعيائها بأنهم ليسوا على حق ويجب عليهم الإعتراف والمصالحة مع الأطراف الأخرى في النزاع ودون ردعهم مع قبوله التوكيل لديهم بهذا النزاع وبهدف جمع المال بغير حق وتشويه لرسالة العدالة فإن ذلك يعد جريمة نكراء لإستخدامه أدوات المهنة السامية والمقدسة في تموية الحق والعدل والإنصاف لإشباع رغبته المادية على حساب حقوق الغير . لذا فالمتوجب على كل محامي أن يلتزم بالوقوف وراء الحق داعماً له بكل ما أُوتي به من قوة باحثاً عن بيانات وأدلة العدالة أَينما كانت مولياً ومكرساً عمله وجهده في نصرة المظلومين وأصحاب الحقوق وإنصافهم خلال مرافعاته أمام القضاء في الدفاع عن حقوقهم ضد الظلم والطغيان .
وأخير فإن مهنة المحاماة مهنة سامية توجب إحترامها وتقديرها من قبل الجميع وأن المحامين هم منارات شاهقة مضيئة وشمعات متلألئة في بنيان المجتمعات والدول وهم الذين قد آلوا على أنفسهم بأن يسيروا بخطىً ثابتة للدفاع عن الحق والعدل وإنصاف المظلومين في الأرض وهم من يحذرون الآخرون من الإنزالاق في قاع الخطر والسقوط إلى الهاوية لتجنيبهم براثن ومآسي الظلم والطغيان ، وهم من يأخذون بأيدي أصحاب الحقوق والمظلومين ومن هم بحاجة للدفاع عنهم إلى ميدان العدل والإنصاف منتصرين لحقوقهم ومجاهدين بأقصى طاقاتهم وقدراتهم من إحقاق الحق وإنصاف العدل وإزهاق الباطل فلهم منا كل إحترام وتقدير .
بقلم : سميح علوان الطويفح