العجلوني: كل أردني فوق 25 عاما مصاب بالسكري ما لم يثبت العكس !

تم نشره الثلاثاء 14 تمّوز / يوليو 2009 02:59 صباحاً
العجلوني: كل أردني فوق 25 عاما مصاب بالسكري ما لم يثبت العكس !
الغد - هديل غبون

المدينة نيوز- جعل البروفيسور والعين رئيس المركز الوطني للسكري والغدد الصماء والوراثة الدكتور كامل العجلوني من مرض السكري خصمه الذي ما انفك يقاومه، داقّاً على الدوام ناقوس الخطر من تنامي أعداد المصابين بهذا المرض، ليخلص الى أن كل أردني تجاوز الـ25 عاما، يعاني من مرض السكري ما لم يثبت عكس ذلك.

 

وانتقد العجلوني ما وصفه "إهمال القطاع الطبي في إجراء الفحوص الروتينية للسكري للمراجعين"، وحمل الجهات الحكومية مسؤولية التقصير، ومطالبا في الوقت ذاته، القطاع الطبي العمل بجدية لاعتماد دليل طبي لضبط الجودة في مهنة الطب، ليشتمل على معايير واضحة.

إلى ذلك طالب بتشكيل لجان متخصصة لمراقبة العمل في المراكز الطبية والمستشفيات، تفاديا لوقوع مزيد من الأخطاء الطبية، ولتقليل فاتورة الكلفة العلاجية للأمراض المزمنة.

ورفض العجلوني بشدة، منح رخص مزاولة مهنة للأطباء مدى الحياة، مشددا على ضرورةأن يترافق منح تلك الرخصة مع إعادة تقييم دوري لهم.

وشبه العجلوني سلوكيات الأردنيين الصحية في المأكل والمشرب بحالة من الانفصام تتناقض فيها المعلومة مع السلوك، معتبرا أن الولائم التي تنصب للمسؤولين في المناسبات الرسمية "جريمة صحية واقتصادية" على حد سواء.

 

واعتبر العجلوني أيضا أن استحداث البرامج الموازية في الجامعات الرسمية "دمر" مخرجات التعليم العالي في المملكة، منتقدا تستر الحكومة على حجم ميزانيات الجامعات الرسمية، واصفا ما يعلن عنه حول عجز ميزانياتها بـ"الضجة المفتعلة".

وقد حصل البروفيسور العجلوني على جوائز عالمية وعربية عديدة عن إنجازاته العلمية في مكافحة مرض السكري من بينها وسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الاولى، وجائزة أفضل طبيب في العالم من الجمعية الاميركية للغدد الصماء العام 2008. إضافة إلى توليه وزارة الصحة شغل العجلوني لفترة طويلة رئاسة جامعة العلوم والتكنولوجيا.

 

وفيما يلي نص الحوار:

 

الأرقام التي نشرها المركز الوطني للغدد الصماء والسكري حول مرض السكري، ونسب انتشاره بين الاردنيين وصفتها انت دوما بالمفجعة، ما درجة مؤشر الخطورة لهذا المرض على ضوء المعلن؟

 

- نحن نتحدث عن آخر الدراسات التي أجرتها وزارة الصحة، فقد أظهرت أن من تجاوزوا الـ25 عاما تصل نسبة إصابتهم بالسكري والسكري الكامن 40%، بينما أظهرت الدراسة التي أجريت العام 2004 في المركز لذات الفئة نسبة إصابة 30%، وإن دلت هذه الزيادة على شي فإنما تدل على تقصير واضح من الحكومات المتعاقبة حيال مرض السكري رغم الجهود المبذولة، فالجهات الرسمية لا تأخذ القضية بجدية مطلقة، بينما تولي بعض القضايا الثانوية الدعائية اهتماما أكبر، فعلى سبيل المثال عندما تسجل حادثة تسمم لخمسة مواطنين بالشاورما، كل الجهات الرسمية تهب لمتابعة القضية ومن الممكن أن يجتمع رئيس الوزراء مع مجلس الوزراء لذلك، أو أن يعفى وزير الصحة من منصبه، بينما لا يحدث اي من ذلك مع داء السكري، رغم انه يعتبر المسؤول الاول عن الفشل الكلوي، وبسببه تسجل حالات وفاة بشكل يومي، وهو المسؤول عن 60% من حالات بتر الاطراف، وما تزال مغيبة حتى اليوم استراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع مرض السكري في المملكة.

 

 الزيادة في نسبة الإصابة المحلية بمرض السكري كيف تقرؤها بالمقياس العالمي والمعدلات الطبيعية؟

 

- الحقيقة, هذه الارقام كنا نتوقعها قبل إجراء أية دراسات، وتبين دراستا المركز عامي 1994 و2004 ان الزيادة السنوية في نسب المصابين بالسكري هي 0.5% سنويا، وأرى أن وراء هذه الزيادة عاملين؛ الاول يرتبط بزيادة أعمار الاردنيين نتيجة تحسن العناية الطبية وتزايد الحالات المكتشفة.

وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل حقيقة أن نسب السكري التي تسجل عند المرضى الاردنيينعالية جدا وغير طبيعية، ويجب اعتبار أن أي نسبة بفحص السكري تزيد عن"100" تحتاج للعلاج وإن كان السكري فيها كامنا، وتبدأ علامات الاصابة بالسكري عندما تكون نسبته لدى الفرد 105 فما فوق، لذلك فإن الانتظار ليصل الرقم الى 200 هو بمثابة دس الرأس في الرمل وإهمال طبي واضح، ويجب هنا الكشف المبكر عن المرض لمعالجته قبل حدوث المضاعفات التي من شأنها زيادة الكلفة العلاجية وتصبح مضاعفاتها غير محتملة.

 

 إذن. هناك نسبة عالية للحالات غير المكتشفة بين مرضى السكري في المملكة؟

- في الاردن ثلث المواطنين لا يعلمون بوجود هذا المرض لديهم، وهو تقصير من القطاعين الطبيين العام والخاص تحديدا وليس تقصيرا من المصابين او الاشخاص، لأن الآلية المتبعة في علاج الامراض المختلفة منقوصة، ونرى حجم الانفاق الكبير الذي يصرف على اجراء فحوصات بمبالغ طائلة في المسشفيات والعيادات الخاصة في المراجعات المختلفة، بينما لا نجد طبيبا واحدا يطلب إجراء فحص اعتيادي للسكري, ومن الناحية الطبية فإن فحص السكري هو الفحص الاقل كلفة من بين كل الفحوصات المخبرية الاخرى.

 

 وعلى هذا الأساس أنت تنصح بإجراء فحوصات دورية للكشف المبكر عن مرض السكري للمواطنين؟

 

 منذ ما يزيد على 15 عاما وأنا اؤكد أن كل أردني ممن هو فوق سن 25 عاما يعاني من السكري حتى يثبت عكس ذلك بالفحص المخبري، ولذلك أسس علمية؛ فاحتمالية الإصابة تتراوح عند هذه الفئة بين 25-30 %، وإني أستغرب إهمال القطاع الطبي لإجراء هذا الفحص، وهناك حالات صارخة يهمل فيها الأطباء إجراء الفحص علما أنه يعد فيها ضرورة ملحة، على سبيل المثال أنا أستغرب إهمال إجراء فحص سكري متخصص لمريض شاب ويعاني مثلا من أعراض التوتر الشرياني والسمنة، خاصة إذا أضفنا التاريخ العائلي له, أو عند عدم إجراء فحص سكري اعتيادي لامرأة حامل تتردد بصورة دورية لإجراء فحص "الالترا ساوند" لمعرفة جنس المولود، ولا يكلف الطبيب نفسه إجراء فحص السكري، أعتقد أن هذه جريمة طبية.

 انتشار السمنة أو زيادة الوزن بنسبة 82% لكلا الجنسين بين الأردنيين، كيف تفسرها؟

 أنا شخصيا لا أفرق بين الزيادة في الوزن والسمنة، وإن كان التعريف الطبيبينهما يرتبط بالدرجة، وبرأيي أن الاختلال الصحي والطبي يبدأ مباشرة عند زيادة الوزن، وإن لم يصل إلى المرحلة الحرجة، ومن الضروري التعامل بجدية مع الزيادة وإن تراوحت بين 5-6 كيلوغرامات، وذلك لتلافي اندراجها لاحقا تحت فئة السمنة وهو ما أدعو إليه على خلاف السائد بين الاطباء، لأنني أجزم أن السمنة ليست هي المسبب لمرض السكري فقط، بل تعتبر في الوقت الحاضر أساس البلاء لنحو 20-25 مرضا خطيرا.

حتى الارقام الاخرى المتعلقة بإصابة ما نسبته 50%من الاردنيين من اختلاط في الدهون وفقا لدراسة 2004، إضافة إلى المليون أردني الذين يعانون من التوتر الشرياني، لا استغربها فهي حصيلة طبيعية لكل ما ذكرنا.

* كيف يمكن الربط بين هذا المنحى المتصاعد للأرقام والواقعين الاجتماعي والاقتصادي للأردنيين؟

لا أتردد في القول إننا حكومة وشعبا ذكورا وإناثا، شيوخا وصغارا، لا نريد ان نعترف بالحقائق، لقد انتقلنا من شعب عامل الى شعب كسول، ومن شعب مقتصد في الأكل إلى مفرط، وما اعتبرناه عادات وتراثا أضحى اليوم مرضا وعبئا، على سبيل المثال علامة الكرم هي عرض الأكل.. ونرى اليوم اختلاف طرق تعاطي مجتمع النساء مع الأكل، حيث كانت النساء في السابق تجتمع لاحتساء القهوة, بينما اليوم يجتمعن وفي اوقات مبكرة على "موائد مفروشة" بمأكولات.

وفي قراءة أكثر تفصيلا, السمنة اليوم أصبحت سمة المجتمعات الفقيرة وليست الثرية كما هو الاعتقاد السائد، ومرد ذلك إلى ان المجتمعات الغنية تملك القدرة الاقتصادية للإنفاق على الأكل وممارسة الرياضة في آن واحد, على خلاف طبقة الفقراء التي لا تتوفر لها امكانيات ممارسة الرياضة او النشاط البدني المنظم والصحي، حتى على مستوى المشي على الارصفة، فمن الملاحظ الاعتداء على أرصفة عمان وهي غير مؤهلة للمشي بالحد الأدنى، وتتنوع استخدامات الارصفة بين فرد البسطات واصطفاف السيارات وزراعة الاشجار. وفي هذا السياق وجهنا عدة نداءات لرؤساء البلديات وأمانة عمان بتخصيص شارعين في كل منطقة للمشاة وإغلاقها امام السيارات في فترات وأيام محددة، لكن لم نتلق أية تجاوب رغم سهولة تنفيذها ومن دون تكاليف.

* لكن هل يمكن القول أيضا ان هناك ثمة مشكلة ما في ثقافة المجتمع الصحية؟

 يجب التفريق هنا بين الوعي المعلوماتي والوعي السلوكي عند الاردنيين، فالوعي المعلوماتي متوفر بشكل كبير جدا عندهم، الا أن السلوكيات المجتمعية التي تغرس فيه منذ الصغر هي السيئة، والوراثة ليست فقط بالجين، بل بالعادات السيئة، أما الوعي السلوكي فأرى أن هناك حالة انفصام في الشخصية الاردنية بين المعلومة والسلوك، العادات المتبعة غالبية الناس يعلمون أنها خاطئة بحكم المجاملة من جهة وبحكم التعويد من جهة أخرى، ولو التزمنا بتطبيق ما تدعو إليه الآية القرآنية "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ"، فلن نعاني من كل تلك الامراض. وما أستغربه هنا ما يباع في المدارس لأطفالنا، من مأكولات موبوءة مثل المشروبات الغازية وأنواع البسكويت الرخيص وغيرها، ولا ننسى بعض العادات السيئة المتبعة في نصب الولائم في المناسبات الرسمية، أرى أن ما يحدث عند عقد الولائمللمسؤولين هو تبذير وإجرام بحق الصحة والاقتصاد، وأنا لا أرى أية مبرر لدعوة مئات الناس في زيارة شخصية مهمة، ليأكلوا في خمس دقائق ثم يغادروا.

* وأين تندرج تلك النسب بالمقارنة مع الدول العربية والمنطقة؟

-هذه الارقام والدراسات تشبه النسب المرضية في الدول العربية المجاورة، الا في الحديث عن دول الخليج، فربما تختلف القضية ويحدث بعض الخلط هناك في تصنيف الحالات، مثلا هل هم مواطنو الخليج او وافدو الخليج، لكنها ظاهرة في كل المجتمعات الفقيرة التي تحسنت من مرحلة الجوع الى مرحلة الاكل الزائد مع غياب النشاط البدني المنظم، وهناك مثلا الجالية التركية المقيمة في ألمانيا التي تعادل نسبة المصابين منهم بالسكري ثلاثة أضعاف نسبتهم لدى الاتراك في بلادهم.

 وما هو تقييمك لوضع نسب الإصابة بمرض السكري بين الاطفال في المملكة؟

 المعدلات المسجلة في الإصابات بين الاطفال من مرضى السكري في الاردن ليست أعلى من المعدلات العالمية، وهو مرض مناعي وليس وراثيا، والدولة ليست مقصرة في هذا الجانب وتؤمن العلاج سواء من وزارة الصحة او في الخدمات الطبية الملكية، وحتى سن 16 عاما العلاج والعناية مؤمنان مجانا، ورغم اننا قطعنا شوطا كبيرا في رحلة العلاج، إلا أننا لا زلنا نطمح مستقبلا بأن يشمل العلاج الفئات العمرية الاخرى.

* بالنسبة إلى نقص فيتامين د وفيتامين بي 12, ما حقيقة الظاهرة والحديث حول نقصهما لدى الاردنيين؟

 في الحقيقة إن الحديث عن نقص فيتامين بي 12، هو مجرد حالة شعور عامة لدى الاردنيين بأنها ظاهرة، ولا تستند إلى أية دراسات علمية حتى الآن, كما لا يوجد اقتران علمي بين الرقم المخبري والصورة السريرية، بمعنى انه لا يوجد رابط علمي مثبت بين نقص الفيتامين وظهور الاعراض. أما بالنسبة لفيتامين د فالأمر مختلف، فقد أثبتت دراسات متعددة أن هناك نقصا لدى النساء الاردنيات بنسبة 80%، بالمقابل تبلغ نسبة النقص عند نساء العالم نحو 50% حتى في كاليفورنيا وفلوريدا.

وإذا بحثنا وراء الاسباب، نجد أنه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، اكتشف الباحثون فوائد عديدة ووظائف لم نكن نعرفها عن فيتامين د، ففي الوقت الذي كان التركيز فيه على جوانب أخرى لهذا الفيتامين وربطه بمرض الكساح عند الاطفال وهشاشة بالعظام، أما اليوم، يزيد نقص فيتامين د من احتمالية أمراض خطيرة كما هو حال كثير من السرطانات وأمراض تصلب الشرايين، ويلعب دورا في التقليل من قوة جهاز المناعة، إضافة إلى ربطه ببعض الامراض العصبية كالتصلب اللويحي، وفقدان الذاكرة ووجع المفاصل, لذا لا بد من حرصنا على توفير فيتامين "د" في أطعمتنا، والتعرض لأشعة الشمس غير كاف للحصول على هذا الفيتامين، ونحن بانتظار الدفع باتجاه تنفيذ مشروع إضافة فيتامين د إلى طحين المخابز الذي يتطلب بالطبع آلية علمية محددة.

* ما أهمية تطبيق مفهوم الرعاية الصحية الأولية للتقليل من انتشار الامراض وتخفيف العبء على القطاع الطبي عموما ومن خلال الحالات التي يستقبلها المركز؟

- صحيح أن المركز استقبل أعدادا من المراجعين العام 2008 بما يزيد على 56 ألف مراجع، وبنسبة زيادة نحو 44% عن العام 2007، لكن القضية هنا تتعلق بنوعية الخدمات الطبية المقدمة، والسياسة المعمول بها لدينا هي علاج الحالات الصعبة، ومن المفترض أن تتوفر الرعاية الصحية الاولية في القطاع الطبي على اختلاف اختصاصاته، بحيث تبدأ الرعاية عند طبيب الأسرة وفي المركز الصحي بتشخيص كل الامراض قبل بلوغها مراحلها المتطورة، وأن تؤهل الكوادر الطبية لتصبح قادرة على التعامل مع الامراض على اختلافها، ليصبح من غير الضروري مراجعة مريض السكري لمركز السكري إلا عند حدوث اشكاليات معينة، وهذا من شأنه التوفير بشكل كبير في حجم النفقات العلاجية المرتفعة جدا لدينا، وتقدر وفقا لإحصائية مشتركة بين وزارة الصحة ومركز احصاء الوبائيات الاميركي الكلفة المباشرة للأمراض الاربعة المزمنة التوتر الشرياني والسكري واختلاط الدهنيات والسمنة بنحو 1.3 بليون دينار أردني سنويا 654 مليونا منها تنفق كعلاج مباشر، ولا استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الامراض.

 شغلت موقع وزير الصحة في وقت سابق، ما هي برأيك أبرز التحديات التي تواجه القطاع الطبي في المملكة، خاصة إذا تحدثنا عن قضية غياب المعايير الطبية؟

-أكثر المشكلات وضوحا هي غياب مقياس لضبط الجودة في القطاع الطبي ..وعلى مستوى بسيط من يستطيع ان يقول أن جهاز الضغط في عيادة اي طبيب عام هو جهاز صالح، أو من يقرر ان تشخيص الطبيب كان سليما أو ان الفحوصات المطلوبة التي اجريت لمريض هي بالفعل الفحوصات المطلوبة، وهل الطبيب العام يستطيع أن يقرأ فحصا هرمونيا؟ في كل دول العالم المتقدمة هناك جهات متخصصة للإشراف على ضبط الجودة في العيادات والمراكز الصحية، هنا نحن لا نواجه المشكلة لكن نواجه أعراضها، وتقع المسؤولية في ذلك على الجهات الرسمية، التي عليها ان تفوض جهات مختصة لتشكيل لجان متابعة وتقييم للملفات الطبية والفحوصات في كل مستشفى، أضف إلى ذلك يجب اعتماد دليل طبي موحد لضبط الجودة وتنحية الآراء الشخصية جانبا، وهو اقتراح سبق وطرحناه امام الجهات الرسمية لكن لم يتم الاتفاق على مبدئه حتى الآن.

* إذن, هل انت مع إقرار قانون للمساءلة الطبية إذا أردنا مراقبة عمل القطاع الطبي، وفي ظل وجود أخطاء طبية ترتكب بمختلف مستوياتها؟

 أولا, أنا لا أميل لاستخدام كلمة المساءلة بل المسؤولية، لكن يجب الاخذ بعين الاعتبار قبل كل شيء توضيح المحددات والمعايير الطبية التي تشخص ما هو الصحيح لنقيس عليه، فلا يمكن لنا تحميل المسؤولية في قانون لطبيب قبل تحديد المعايير الصحيحة للتعامل مع الامراض الموجودة في الاردن، وإلى جانب الدليل الموحد علينا إعادة النظر في قضية منح رخصة مزاولة المهنة، بأن يعاد تقييم الاداء للاطباء والمراكز الطبية، وعدم اعتماد رخصة مزاولة للمهنة مدى الحياة، ويجب إخضاع أي طبيب لتقييم دوري وضمن مؤسسة علمية من دون محاكمة, ومن دون تدخلات اجتماعية او عشائرية في حال حدوثتجاوزات او اخطاء، وأرفض الطرق العشائرية لإسقاط الحق لمن يستحق الحق.

* ومن برأيك يتحمل مسؤولية عدم الدفع باتجاه فرض نظام او قانون لضبط الجودة، هل هو الجسم الطبي ذاته؟

 انا اعتقد داخليا ان الاطباء غير متعاونين مع انفسهم او مع نقابتهم، لذلك المسؤولية تقع على عاتق وزارة الصحة بفرض مثل هذا النوع من النظام، القضية ليست تدخلا في الجسم الطبي ولكن تحديد معايير لضبط المهنة، وأن يكون نظام مراقبة للعناية الطبية، لماذا ننتظر ان تحدث كارثة ونبدأ بملاحقة القضية والتحقيق فيها!

 لدينا كوادر علمية موزعة على المؤسسات العلمية، لماذا نلمس ضعفا في حجم إنتاج الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة؟

- للأسف اول المقصرين على هذا المستوى هم الأساتذة أنفسهم، وفي الوقت ذاته المؤسسات العلمية تتكلم عن البحث العلمي لكنها لا توليه العناية، ولا تقدم المؤسسات العلمية أية حوافز لتنشيط البحث العلمي وإجراء الدراسات والابحاث, وبرأيي ينتهي الحافز لدى الباحث عند الترفيع من درجة علمية الى أخرى، وللأسف من خلال خبرتي الاكاديمية، ثبت ان القاعدة المتبعة في تعيين الاكاديميين في المؤسسات التعليمية هي القدرة علىنفاق المسؤولين، كما ان العقلية الانفرادية المسيطرة على المجتمع وغياب تطوير مدرسة بحثية من اهم اسباب ضعف البحث، وليس لقلة الدعم المالي صلة بقلة الإنتاج البحثي.

 كنت رئيسا لجامعة العلوم والتكنولوجيا في الأعوام 1986-1995، ما تقييمكلمخرجات التعليم في كليات الطب في الجامعات الاردنية اليوم؟

- اعتقد أن تدريس الطب ليس المشكلة، بل ان هناك توجها خاطئا استهلاكيا ليس له علاقة بثقافة الامة، فأنا أرى ان اللغة والمنطق والتراث اهم من العلم, ولا يعني ذلك إهمال العلم، لكن مثلا ليس لدينا مشكلة في اللغة الانجليزية بل في لغتنا العربية التي لا نجيدها، ولا أتردد في القول أن ما دمر التعليم العالي لدينا هو استحداث البرامج الموازية في الاردن, وأعتقد أن نظام التعليم الموازي عيب على الدولة، المشكلة المضافة ان المسؤولين في بلدنا لا يفصحون ولا يعلنون عن الارقام الحقيقة لموازنات الجامعات، وفكرة أن الجامعات تعاني دوما من عجز هي ضجة مفتعلة، وأنا أرى أنه حدثت جريمة في تاريخ الاردن عندما قامت الحكومة بتحويل حصة الجامعات ووضعتها في ميزانية الدولة، وهي حتى اليوم لا تفصح عن تلك الاموال التي هي بالحقيقة من اموال المواطنين، لأن الشعب الاردني هو من يدعم الجامعات وليست الحكومة.

عندما كنت رئيسا لجامعة العلوم والتكنولوجيا كان عدد طلبة كلية الطب آنذاك 68 طالبا، وكنت أناضل لتقليص العدد، ونجد اليوم الجامعة الاميركية في بيروت مثلا لم يتجاوز عدد طلبة الطب فيها 100 طالب وطالبة، بينما نحن نفتخر ان هناك جامعات تخلو من الاساتذة وتضم 200 و300 طالب في كليات الطب.

* هناك قانونان مطروحان على مجلس النواب: قانون التعليم العالي، وقانون الجامعات الاردنية, وهناك تخوف من رفع الحكومة يدها عن دعم التعليم العالي في حال إقرارهما؟

-السياسة التعليمية في مؤسساتنا التعليمية تفتقر الى استراتيجية واضحة، وبكل الاحوال في رأيي الشخصي يجب ان لا يسمع رأي من يحتمل أن يتضرر، بمعنى إذا كان لدينا عشرة رؤساء جامعات من الممكن ان يتضرروا او ينتفعوا يجب حتما عدم استمزاج مواقفهم، أما اذا تحدثنا عن مخاوف تتعلق بخصخصة التعليم، فالجامعات الاهلية اليوم أكثر من الجامعات الرسمية، وعندما سمحنا بفتح البرنامج الموازي طبقنا الخصخصة.. المشكلة برأيي تتعلق بالإدارة، أما اذا تحدثنا عن الدعم الحكومي للجامعات فالمستفيد هي الحكومة مما تجمعه من رسوم وضرائب وأموال من جيوب المواطنين.

لست ضد الجامعات الخاصة، لكن يجب ان لا نمنح صلاحيات واسعة لكل ما هو استثمارونعتبره فوق النقد والمراقبة، كما لا يجب ان نمنح صلاحيات واسعة للجامعات الرسمية، فأين هو المواطن من كل ذلك أين هي صلاحياته ومصالحه.

* ماذا عن دور اللجنة الصحية والبيئة والتنمية الاجتماعية التي ترأسها في مجلس الاعيان؟

نحن نقوم بمراجعة القوانين المحالة إلينا، وهناك دعم كبير لعملنا، وفيما يتعلق بموضوع المحاسبة فهي ليست حقيقية ولا واقعية، ولا نستطيع استدعاء اي وزير او مسؤول لمحاسبته، وان كانت هناك صلاحيات للإعيان في ذلك ...ببساطة مجلس النواب يمتلك صلاحية لإسقاط حكومة ومحاسبتها، ودستورنا الأردني هو من أفضل الدساتير في العالم، لكن لا يوجد هناك في العالم بلد ترتكب فيه مخالفات قانونية ودستورية أكثر من الاردن.

 ما رأيك في أداء الحكومة والبرلمان؟

 أنا بدأت بالحديث عن الطب، وينسحب الامر كذلك على السياسة الحكومية والبرلمان، ما يجري في الاردن هو ألعاب بهلوانية، ما الذي نريده من كليهما حتى نقيم أداءهما، اذا قلنا مثلا مقياس اداء مجلس النواب بعدد القوانين التي أقرها يقيم على انه أداء عظيم، ولكن لا يوجد برلمان في العالم يمكن له اقرار القوانين بسرعة مجلس نوابنا، لذا أنا لا أستطيع أن اقيم أداء حكومة او برلمان على الطريقة الاردنية، وبالمنطق أرى أن ثمة خللا ما في تحويل خمسة قوانين مرتبطة بمستقبل كل مواطن لإنجازها في ثلاثين يوما إلى مجلس النواب.

 هل توظف الدراسات العلمية المنشورة حول الأمراض بما يخدم المجتمع؟ وهل تعتقد أنك نلت التقدير الكافي على إنجازاتك العلمية العديدة؟

- أنا لو بقيت في الولايات المتحدة الاميركية لطمحت إلى نيل جائزة نوبل، لكن في بلداننا من الغباء أن اتحدث عن هذا الجانب، لذلك اختلفت طريقة عملي بعد ثلاث سنوات من عودتي، ونشرت نحو 155 بحثا علميا في مجلات علمية محكمة.

يجب أن انظر للأمر من زاويتين؛ من ناحية شخصية كرمت على كل المستويات، لكن بالمجمل أعتقد أن الاردن مقصر مع أبنائه، عندما تكون خارج البلاد تصنف على انك خبير، بينما هنا لا يعود الخبير خبيرا، ويغيب التقدير في كثير من الاحيان، وهذا ما اسميه "عرقلة"للكفاءات والناجحين في بلادنا، ولا أخفي أن الدافع الاساسي لعودتي هو تمسكي بأسرتيوعائلتي وتلك العلاقة الحميمية بين أفراد مجتمعنا.

ماذا عن لباسك! الكثيرون يتساءلون عنه وعن هويته؟

-لباسي وتحديدا قميصي، هو لباس عربي أصيل، وأنا أرفض بالمطلق ارتداء ربطة العنق لأن الجنود الكرواتيين في جيش الملك لويس الرابع عشر كانوا يلفون مناديل حول اعناقهم في إشارة إلى ممارسة القتل والإعدام وسميت باسمهم كروات او كرافة فيما بعد، أما بالنسبة للزر فهو لإضفاء الرسمية على لباسي بدلا من ربطة العنق.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات