النسور .... حكومة بلا دومري
قالت العرب واصفة وحشة الأماكن وخلوها من أي شخص منور فاعل " ما فيه ولا دومري". و" الدومري" في الموروث الثقافي الشعبي العربي هو الشخص الذي يسهر ويجوب الحواري يضيء القناديل ويزودها بالزيت والفتيل حتى طلوع الصباح منتظرا الليلة التالية ليقوم بدوره التنويري دون كلل.
لقد غاب الدومري الأردني في إدارة حكومة الدكتور النسور في الانتخابات النيابية فيما يخص القوائم الوطنية وإعادة الفرز والتسرع في إعلان بعض النتائج بحيث نجح بعض الراسبين ورسب بعض الناجحين.
غاب الدومري في طريقة و"فذلكة" ترشيح رئيس الحكومة ومشاورات الطراونة مع مجلس النواب بحيث كان النواب أمام خيار قبول ترشيح الدكتور النسور أو الدكتور النسور لمنصب رئيس الوزراء فأصبح النواب أما منحازين أو معارضين لدولة الرئيس وطرف ثالث وقف حائرا من ضبابية الأجراء وبالتالي تضاربت تصريحات الكثير من النواب بين مد وجزر بينما كان الدومري محبوسا في قبو معتم .
غاب الدومري في مشاورات النسور وتضاربت تصريحاته الإعلامية فكانت بألوان قوس قزح الزاهية الوهمية فتارة حكومة نيابية على الأنموذج الغربي أو حكومة هجينة "هايبرد" وتارة حكومة عمودها الفقري وعود "التوزير" وتقاسم الوطن أو منح مناصب الأمناء العامين والدرجات العليا.
غُيّب الدومري عن معظم وسائل الأعلام وأقلامه حين استولى دولة الرئيس على دور الدومري المنور للشعب والمنظر للقرارات " الصعبة" وأطلق العنان في الليل لدودة "سراج الحصادين" التي تطير متنقلة بومضة متقطعة من الضوء لا يمكن تتبعها إلا بالحظ أو بالمصادفة وحين تمسك بها تختفي ومضة الضوء كما سراب الهاجرة.
ولأن الدومري كان مغيبا عن سابق تخطيط بعتمة ليل ومنع من مسح عتمة الشوارع فقد "طاب الميدان لحميدان" ولم يتورع عن رفع الأسعار والبدء بنقل وتعيين مناصب الأمناء العامين والدرجات العليا بحجة الحاجة الفنية الملحة وتم حرمان أصحاب الكفاءات من المنافسة والتقدم لهذه المناصب.
غاب الدومري في إسناد النسور الحقائب الوزارية لوزرائه فتولى بعض الوزراء مهام وزارتين أو ثلاثة وأجزم أنهم لا يستطيعون التوفيق بينهما وقتا ومكانا وفكرا وبالتالي سيتولى الوزير إدارة وزارته المتخصص بها " إذا كان أصلا كذلك" وسيوكل مهام الوزارة الأخرى إلى أمينها العام بانتظار فصلهما مستقبلا حين يأتي وقت الحصاد وأرجو قبلها أن لا يختلف الحصادين و"المرابعية" على ارض البيدر فتبقى سنابل القمح في الحقل حتى تذروها الرياح ونعود ننتظر موسم السنة القادمة بانتظار رحمة الله بالمطر القادم من الجنوب والغرب.
غاب الدومري.....وسيتم تغييبه حتما في مرحلة ما بعد الثقة لتبدأ مرحلة تقاسم المناصب بين حكومة الدكتور النسور وبين النواب كل حسب دوره الذي قام به في منح الثقة او حجبها أو حتى الدور المتوقع منه في المراحل المقبلة.
غاب الدومري وغابت معه قضايا الفساد والمفسدين وقضايا الحريات العامة والنقابات. غاب الدومري وغابت معه حقائق الوضع الاقتصادي ونسب البطالة وفوضى التعليم المدرسي والجامعي وكثرت فيه تصاريح الوزراء الوهمية والمغلوطة بهدف بقائهم في الحكومة التالية.
تم تغييب الدومري عن كل الشوارع وتم حبسه في كهف موحش ولكنه للأسف حضر فقط في ذهن الطراونة والنسور منذ البداية وقبل نتائج الانتخابات النيابية فكانت البوصلة مثبتة بمغناطيس باتجاه واحد يفضي إلى نتيجة واحدة وهي حكومة للدكتور النسور بهندسة الصقور والنسور تكون على " القده والميزان".
تم تغييب الدومري كما غيب وصفي وناجي وغيرهما من شوارع المدينة والوطن ثم استدعي على عجل ليشعل قناديله بعد شروق الشمس وأصبح لزاما على الدومري أن "يبحر" ويحملق كثيرا حتى يرى نور مصباحه.
غير أن النسور أخرج الدومري من قمقمه عند استلامه للحكومة الأولى فاحتل وسائل الأعلام بنظرية الجرأة على الوطن والمواطن بحجة المكاشفة والمصارحة وأقنع البعض بضرورة شد الأحزمة والقيود على ما تبقى من البطون النحيلة مقابل بطون " انبعجت وتكرشت" واستكمل حملته الإعلامية بنظرية "دور المرتزقة" للأردنيين في دول الخليج.غير أن اعتذاره عما قيل انه فساد التعيينات في وزارة التربية والتعليم لم يكن نهاية المطاف لدومري النسور و" الحبل على الجرار".
وأخيرا فإنني أخشى على النسور أن لا يجد الدومري حين يحتاجه ليضيء عتمة الليل الموحش في قادم الأيام. أخشى على النسور أن يغير الذئب على أغنامه في وضح النهار دون أن يجد " الفزيع" بعدما أفرط في رواية قصة الذئب الذي يهاجم أغنامه.
ولأن الدومري ملك للوطن كله فإنني أتمنى على دولة الرئيس أن لا يعتقل دومري الوطن أو يمسخ دوره ويحل مكانه سعيا وراء بطولة سياسية يعتقد أنها ولدت له دون غيره من الأردنيين.
"وعقبال ما نفرح برجعة الدومري الأردني"