أيديولوجية حزب البعث الاشتراكي
نشأ حزب البعث في بداية الأربعينات على يد ميشيل عفلق وصلاح البيطار الذين ينحدران من الطبقة المتعلمة المتوسطة في دمشق، فبعد عودتهما من دراستهما في السوربون في باريس إلى مدينتهما دمشق عام 1933، بدأ الأستاذان في عملية التبشير وشكل عفلق والبيطار حركة سياسية منظمة باسم حركة الإحياء العربي التي أصدرت بيانها في شباط من عام 1941م .
خاضت حركة البعث الانتخابات العامة في سورية عام (1943) للإعلان عن مبادئها على أوسع نطاق، ورشح ميشيل عفلق نفسه في بيان حمل أول وأقدم شعارات الحزب: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". وكان عفلق والبيطار قد استقالا من التدريس لتفرغ لقيادة الحزب وفي عام 1946 صدرت جريدة البعث اليومية كصحيفة رسمية لحزب البعث.
اعتمد الحزب في إيديولوجيته على شعار توحيد جميع الدول العربية في دولة واحدة وبتبني المنهج الاشتراكي فيتطلب ذلك منه تطبيق هذه الإيديولوجية، وقد عانى الحزب من ثلاث مشاكل هزت كيانه ومصداقيته:
عدم وجود منهج وبرنامج عمل علمي واضح المعالم يمكن تنفيذ أفكاره على الأرض فبقي أسير أهدافه التي بقيت شعارات لم تجد من ينفذها على بساطتها ويسر تحقيقها، علما أن حزب البعث العراقي انشق عن الحزب السوري الأساس على خلاف مبادئه.
تسلط أشخاص غير مؤمنين بفكر الحزب على قياداته التنظيمية والرسمية بعد توليه السلطة لأكثر من مرة وفي أكثر من دولة عربية، حيث أن الحزب الحاكم في العراق قام باحتلال بلد عربي معترف به دوليا.
تبنيه لأسلوب تنظيم الأحزاب الشيوعية، وهو أشبه بالتنظيمات الاستخبارية منها إلى التنظيمات السياسية، معتمدةً على أكبر قدر من الاستقطاب الحزبي لمنتمي الحزب دون الاهتمام بنوع العناصر وتأثيرها الاجتماعي، مما شجع المغامرين والانتهازيين على تحقيق المطامح الشخصية وعلى إحداث انشقاقات مستمرة في الحزب منذ نشأته وإلى عام 2004 كآخر انشقاق حدث في فرع اليمن.
حزب البعث العربي الاشتراكي يواجه ويعارض الاتجاهات التي تنادي باستخدام الدين وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة وإظهاره بمظهر العائق في طريق تطور الأمة وتقدمها، وتحويله إلى أحزاب تجعل منه أداة للتفريق بين الناس.
لم يكن حزب البعث طوال الخمسين سنة الماضية لا دينياً فقط، بل مارس العنف نحو الدين والمتدينين، وحاول اقتلاع الدين من حياة الشعب، واعتبره مولّدا للخرافة والأوهام والسلبية، واعتبره مطيّة للرجعيين والأغنياء، لذلك سخّف كل مقولاته، واعتبر أن الانتقال إلى النهضة والدخول إلى عصر الحداثة يتطلبان محوه من حياة الشعب، وأسقط حزب البعث كل مواقف أوروبا من الدين على وضع الدين في سوريا، مع أن وضع الدين الإسلامي ودوره مختلفان عن دور الكنيسة في أوروبا، وقد طرحت بعض الشعارات والأقوال المعادية للدين بشكل فاقع بين وقت وآخر .
لقد اتسم حكم البعث في كل مراحله بالفساد المالي وبالإثراء غير المشروع للطبقة الحاكمة وللأجهزة الأمنية، وربما اتضح الإثراء غير المشروع في عهد حافظ الأسد أكثر من غيره بسبب طول مدة حكمه التي قاربت ثلاثين عاما وتبعه ابنه على نفس النهج، وقد أشار (باتريك سيل) إلى ذلك في كتابه (الأسد الصراع على الشرق الأوسط) بسرقة أموال كثير من المشاريع التي تقرر إقامتها الدولة في خططها التنموية، وأنها تنتهي إلى عدم قيامها، وهذا ما جعل البلد تفقد كثيراً من المشاريع التنموية.
لقد جاءت صفة اللادينية من اعتبار حزب البعث أن الأمة العربية قامت على عنصري اللغة والتاريخ, وأن الدين ليس مكوناً من مكونات الأمة العربية، ومن العلمانية التي اتسمت بها كل مراحل حزب البعث وقياداته، وزادت الوتيرة ضد الدين، واشتدت المحاولات لاستئصاله من حياة الشعب عندما ارتبطت القومية العربية بالتوجه الاشتراكي، فتبنى حزب البعث كل المقولات الاشتراكية الماركسية التي تعتبر الدين أفيوناً للشعوب، وتعتبر الدين مولداً للسلبية والخنوع، وتعتبر عالم الغيب في الدين خرافات وأوهاماً تعطل العقل البشري وتعرقل التقدم الإنساني.
وجاءت العنصرية في حزب البعث من تمجيد الجنس العربي، وقد بدأ هذا التمجيد والاستعلاء في وجه القومية التركية مع مطلع القرن العشرين، ثم استتبع القوميات الأخرى وأبرزها الكردية، وأبرز مظاهر التمجيد العنصري هو الشعار الذي طرحه حزب البعث وهو: أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة.
والذي يعني أن الأمة العربية قادرة على فرز رسالة جديدة من أجل قيادة البشرية، كما أفرزت رسالة سابقة وهي "رسالة الإسلام" التي تعتبرها القومية أحد تجليات عبقرية الجنس العربي.
إن حكم البعث في سوريا اتصف بعدة صفات، أبرزها: الاستبداد والعنف والبطش، ومحاولة اقتلاع الدين من حياة الشعب، وظهور العنصرية في ممارساته اتجاه الأجناس الأخرى، والفساد المالي، وقد وجدنا جذور هذه الصفات في الفكر القومي العربي الذي كان أيديولوجية حزب البعث خلال الخمسين سنة الماضية ولغاية وقتنا الحاضر.