الهيمنة الصهيونية والتسلط الامريكي
في الوقت الذي تعاني فيه السياسة الامريكية الخارجية من هيمنة اللوبي الصهيوني ، وسيطرة جماعات الضغط اليهودي ، وتحكمها ونفوذها وتوجيهها القسري ، وتقديم مصالح الكيان الصهيوني على مصالح الولايات المتحدة الوطنية ، وتعريض امنها للخطر دون مبرر اخلاقي او استراتيجي ، وهو ما سبب تردي علاقاتها مع العرب والمسلمين ، وهو ما جر امريكا لحرب العراق المدمرة ، وهو ما يجرها ايضا وسيجرها إلى ارتكاب حماقات وويلات مشابهة في المنطقة. ان مصالح الكيان الصهيوني مقدمة على كل شيء في السياسة الامريكية الخارجية ،حتى لو ادى ذلك إلى توريطها والاضرار بمصالحها وعلاقاتها ، والويل كل الويل لمن يتعرض لسياسة الكيان الصهيوني بالنقد والاعتراض ؛ فانه يتهم بالكذب والتزوير والنازية واللاسامية.
لقد تمحورت سياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية طيلة العقود العديدة الماضية حول علاقتها مع الكيان الصهيوني ، وقد حاولت امريكا الجمع بين التأييد الثابت والراسخ لاسرائيل وما يسمى بجهود نشر الديمقراطية والحرية في المنطقة ، وذلك لتغليف استراتيجيتها المتمحورة اصلا حول النهب الاقتصادي للدول ،والتسلط والسيطرة والهيمنة على مقدراتها، فدخلت المنطقة رافعة شعارات الحكم الرشيد ،وتحرير التجارة ، وحقوق المستهلك ، ونظام السوق ؛ من حيث حرية حركة السلع والخدمات والافكار، وتبادلها الفوري بين الدول دون حدود او حواجز ، وحرية نقل واستثمار جميع عوامل الانتاج ، فظهر لذلك نفوذ سطوة الشركات متعددة الجنسيات ، وفوق القوميات ، كقوى عالمية فائقة النفوذ تسعى من اجل الهيمنة والتسلط ،وليس لها ولاء ولا انتماء الا لاسيادها في اميركا ؛ بحيث لا تصبح السياسات الاقتصادية فعالة الا من خلال مخططات هذه الشركات الكبرى وتنفيذها ، وعلى الدول التي تقبل هذه المفاهيم خصخصة الصحة والتعليم ، وخدمات المياه والكهرباء إلى غير ذلك ، إلى ان تبيعها للشركات الكبرى وهي مضطرة بعد ذلك إلى الغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الاعمال الوطنية ، بينما عليها القبول باستمرار امريكا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات اعمالها ، وفرض القيود لحماية صناعاتها ، فتقوم امريكا بتييسر منحها الديون واثقال كاهلها بها ، ولا تريد النخبة الامريكية فعليا قيام هذه الدول بتسديد ديونها لكي تمهد لاميركا تركيع هذه الدول عن طريق اغراقها بالديون مركبة الفوائد ،وابتزاز الدول ذات مصادر الطاقة التي لا تحتاج ديونا، اوعن طريق تنصيب المستبدين والمجرمين من الحكام على الشعوب - ان كان في ذلك تحقيقا للاهداف الامريكية - كما عملوا في ايران في القرن الماضي ، بتبديل (محمد مصدق) الذي افرزته انتخابات حرة نزيهة كوطني بارز ،وجاءوا بالشاه محمد رضا بهلوي دكتاتورا دمويا. وتقوم امريكا بعد ذلك بربط اقتصادها بالبلد المستهدف وبالمصالح الامريكية ، وعندما تتفاقم الديون تضع البلد بين فكي كماشة ، خيارين احلاهما مر، اما الخضوع الطوعي التام لاميركا ومخططاتها، او الاخضاع بالقوة في حالة المقاومة.
كما خدعوا ولا يزالون يخدعون الشعوب وحكامها بالدعوة لرفاهية العالم ، عن طريق ما يسمونه النظام العالمي المفتوح والجديد ، عالم الجميع كما يزعمون، والذي يروجون بانه عالم الحرية والغنى والعلم،العالم المليء بالسعادة والخير للبشرية كافة ، عالم يتحول إلى وحدة واحدة وكيان فاعل متفاعل ، يعيش سكانه في خير وبركة ويسر ونعيم ، لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات - كما يزعمون - وهو ما يتعارض حقا مع القضايا الاساسية التي ترزح تحت وطأتها شعوب العالم الثالث في هذه الايام ، وتعترض طريق نهوضها، كالجوع الذي يزداد تغولا، ويهدد اعدادا كبيرة من سكان العالم ، في الوقت الذي يعانون هم فيه من التخمة، ومن امراض كثرة الاكل والشره هم وكلابهم ، وكالفقر الذي يكاد يقضي على او يهلك اعدادا اكبر من سكان العالم ،ممن يعانون العوز والفاقة والحرمان ، في الوقت الذي يعاني فيه قطاعهم المرفه من تراكم الثروات وازديادها بمعدلات غير مسبوقة ، وكالمرض الذي تئن تحت وطأته قطاعات واسعة من سكان العالم ،ولا يجدون خدمات صحية او اية ادوية في الوقت الذي تعاني فيه مستشفيات فائقة التجهيز ومتقدمة ومتوفرة فيها جميع انواع الادوية ، تعاني من قلة المرضى لتشغيلها ، وتقوم باعدام آلاف الاطنان من الادوية منتهية الصلاحية ، وكالجهل الذي يحرم قطاعات عديدة من سكان العالم من القراءة والكتابة ادنى درجات العلم ، ومن معرفة حقوقهم ومنعهم من مشاركتهم في نهضة العالم وحضارته ، بينما توجد وسائل معرفة وتقنيات ووسائل مشاركة لا تجد من الافراد ما تحتاجه منهم ، كما ان من القضايا الاساسية التي تمثل تحديات كبيرة تؤرق شعوب العالم الثالث،عدم وجود منظمات ومؤسسات تراعي حقوق الانسان ، وبصفة خاصة المنظمات غير الحكومية ودورها في تنظيم وتوجيه النظم المختلفة ، في الوقت الذي تنعم فيه الدول المتقدمة من كثرة هذه المنظمات والمؤسسات ومن تعددها، ومن قوتها ومن مشاركتها ومن شدة تأثيرها الايجابي على حماية وصيانة الحقوق المدنية، ومن قضايا التحدي الاساسية لشعوب العالم الثالث التلوث البيئي وتدهور ظروف البيئة وازدياد تاثير التلوث على صحة الانسان وحيويته ، كذلك هناك قضايا انتشار الجرائم الفردية والمنظمة وانتشار مشكلات التشرد والمخدرات والدعارة والفساد السياسي والرشوة وتجارة النفوذ وشيوع ظاهرة الاستهلاك البذخي الاحمق وغيرها من القضايا الاساسية المستشرية بالشعوب ومجتمعاتها ، وفوق كل ذلك كله ورغمه، ثمة التسلط وبسط النفوذ الامريكي ونهب خيرات الشعوب ومقدراتها .