اربد عجلون وبالعكس
أطلَّ من نافذة مقدمة الباص ببوزه المميز بأنفٍ طويل محدب , وسمرة قوية , وضربات موس كباس على لحيته وفوق حاجبه, بعد أن اوقف السائق باص الكوستر بمحاذاتي ,انتبهت داخل الباص إذ بكرسي مفرد فاضي وواحد ثاني شاغر بجانب فتاة تتصنع الخجل تصنعاً ,أريد أن أصعد لألحق بموعدي في مجمع النقابات, هنا وفجأة أبو سمرة الكنترول والذي يراقب من طاقة مقدمة الباص مط رقبته لبرا وأشار بيده اليمنى لفتاتين من ضمن الواقفين على الشارع أن يركبا على المقعدين الشاغرين,ويمسك باليد اليسرى على نظارة من (البسطة) ويقول بصوت عال :"محجوزلهن من المجمع من تحت".!!
مكثت طويلاً بعد رحيل الكوستر الأخضر متحسراً على نفسي لماذا وأنا شخص لي احترامي ووقاري الشبابي بين الناس يتجاهلني الكونترول بل ويطنشني عمدا وهو الذي يعرف ماهية عملي ومكانتي ايضا , وذلك كله لأجل فتاتين يرافقانه في رحلة قصيرة ليتبصبص ويختلس عليهما وعلى غيرهما النظر والتبحلق.
في طريق العودة مساءاً من اربد وجدت نفس الباص واقفاً على دوار النسيم ينتظر ركابا لا يملأون الباص ,فلا أزمة ولا ما يحزنون, فما ان انتبه لي الكونترول ذاته حتى هجم علي وركض باتجاهي : هلا بالشيخ هلا بزعيمنا اطلع اطلع مكانك محجوز واحلى كرسي للشيخ اطلع هون هون, وقتها عاتبته كيف يتجاهلني في الصباح لأجل ان يركب فتاة , وبهدلته واوحيت له اني فاهم مقصود تصرفه وانه مو انساني وذوق مع البنات بل لانه يريد ممارسة المعاكسة اثناء الطريق, فصاح هنا ابو سمرة بصوت عال بعد ان مطمط رقبته وشد نياعه وجحظت عيونه وشدشدت شدوقه : وعرض خواتي , وستر اختي , وريت اختي تكون مرة الي اذا انتبهتلك , له يا شيخ له أنا بتركك ,أنا بنزل الباص كله وبطلعك والله ما شفتك وين كنت يا زلمه واقف. (كذاب طبعا) ,فركبت في الباص ودحلنا باتجاه عجلون.
على الطريق انتبهت لبنطلونه غريب الالوان والخصر ,لحزام البنطلون المرصع بطبع من حديد ,تأكدت من بخس ثمن النظارة (وهذه الاخيرة يا ما جابت له بنات وزبطن من وراها) انتبهت لخلوي يحمله على الحزام المذكور من جهة الخصر غريب النحافة ويرن هذا الهاتف بنغمة لمطرب خليجي ما بنعرف اسمه لكن صوته واغنيته والكلمات واللحن كله يبعث على الاستعداد للموت وطقوس الكآبة.
يصيح بأعلى صوته على الهاتف مع زملائه الكونترولية الآخرين معطيا اياهم احداثيات المجمع والدوار والطريق من حيث الركاب والباصات المنافسة ومنادياً اياهم بألقاب منها :المسطوح , ابو قنوة , ابو شفة , فان دام , العجل , الصوص وغيرها من القاب حقيقية لهم في مناطق سكناهم لن اذكرها هنا , وتكون المكالمة بصوت عال جدا ليثبت انه (قد حاله وازقرت على الخط) امام الفتيات المحجوز لهن من المجمع.
(((المسؤول))) عن تحميل وتنزيل الركاب بل والحجز هو الكونترول بالمواصفات اعلاه بل هو من يختار الركاب وطبيعتهم والتصنيف طبعا عنده هنا على اساس الراكب, تماما مثل الكنترول (((المسؤول)))عن تحميل وتنزيل وحجز مقاعد (((المسؤولين )))في بلدنا , واحدهم ابو شفة وابو قنوة وابو موس كباس وابو خزنة , ولكنه يدير عمليات تحميل وتركيب وحجز المكان لمن يبني ويتعلم ويعطي صباح مساء للوطن ثم بعدها هو المسؤول عن تنزيله ايضا من نفس المكان ان لم يعجبه تفكير الراكب هذه المرة.