شبر الختيار ..!
رحل جسد الشهيد القائد الرمز ياسر عرفات – أبو عمار – ولكن شبره الذي نادى به سيظل حياً ، ولن يتوقف أبدا عن مواصلة رحلة البحث عن مكان له على سطح هذه الأرض التي اتسعت لكل شيء إلا لهذا الفلسطيني المنفي قسراً في أرجائها الأربعة ، بعيدا عن وطنه حتى ولو كان شبراً من ترابه ، وبعد أن قررهمج التاريخ وقطاع الطرق من عصابات بني صهيون حرمانه وسلبه من أدنى وأبسط الحقوق الإنسانية في الحياة والعيش الحر كباقي البشر .
أكثر من ستة عقود زمنية انقضت على سرقة واغتصاب كل أشبارالوطن الفلسطيني ، هذه هي الجريمة التي نفذتها " إسرائيل " في ظل الدعم والتأييد التي حظيت به من كل دول العالم التي شجعتها ودعمتها ووقفت إلى جانبها وهي ترتكب جريمتها البشعة على أرض
فلسطين ، حتى كان لها ما أرادت بعد أن أكملت بسط نفوذها الإستعماري والفاشي على البشر والشجر والحجر .
إنطلقت الثورة الفلسطينية ، وتأسست منظمة التحرير الفلسطينية بكل الفصائل والحركات التي إنخرطت في صفوفها ، وكان القاسم المشترك لكل ذلك يتمثل في النضال والعمل على إستعادة هذا الحق الشرعي المغتصب حتى ولو كان في البداية شبراً واحداً حراً ومستقلاً ، لكن هذا الهدف لم يتحقق حتى اللحظة بالرغم من كل ما جسدته تجربة السلطة الوطنية التي ولدت من رحم إتفاق أوسلو السيء الصيت والسمعة ، وبالرغم من كل التنازلات المجانية التي قدمتها هذه السلطة لمن يفترض أنه عدوها ، ولا نستطيع القول أيضا بأن هذا الهدف قد تحقق بالرغم من عضوية الدولة المراقبة التي قدمتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة لهذا الفلسطيني المنفي والمنكوب وعلى طريقة من يعطي حقنة تخدير لمريض بهدف التسكين المؤقت لآلآمه .
كان الراحل أبوعمار يكرر بين الحين والآخر : " أعطني شبراً واحداً من الأرض في فلسطين ، لأنطلق منه لإستعادة فلسطين كلها " بهذه الكلمات البسيطة أراد أبوعمار أن يبين حقيقة وجوهر هذا الصراع التناحري مع العدو الصهيوني ، ففلسطين كلها هي المقصودة وليس أشبارها أو أمتارها كما يحلو للبعض من أشباه الرجال تصويرها اليوم ، وهذا ما دفع ثمنه أبو عمار الذي رحل عن هذه الدنيا مقتولا بالسم الذي دسه له الصهاينة والمتواطئين معهم .
من يتطاول أو يتساهل مع الجغرافيا الفلسطينية وحدودها التاريخية هو كمن يلعب بالنار الحارقة ، لأن فلسطين القضية ستظل أبد الدهر حداً فاصلاً بين أحرار وشرفاء الأمة المتمسكين بها كاملة وغير منقوصة ، وبين الخونة والمتخاذلين من الذين يروق ويحلو لهم المتاجرة بها والمقايضة عليها ، هذه هي الأمانة التي تركها أبو عمار للشعب الفلسطيني و لسلطة رام الله ، ولمنظمة التحرير وفصائلها ، ولكل العرب والمسلمين ، ومن عبارة الراحل الكبير يجب على كل القيادات والزعامات وخصوصا الفلسطينية منها أن يأخذوا العبرة والإتعاظ ، ونخص منهم هنا اؤلئك المراهنين والمصممن على السير في ركب اتفاق أوسلو والمفاوضات والحلول الإقتصادية والسلام الكاذب ، فهذه أوهام لا هدف لها سوى العبث الوطني وإضاعة الوقت وجر شعبنا بعيدا عن مواجهة ومقاومة عدوه .
فلسطين كلها من بحرها إلى نهرها هي الواقع والحقيقة التي لا تقبل القسمة ولا التجزئة ولا التبادل بين أمتار هنا مقابل أمتار هناك ، وهذا ما يجب أن يعيه ويفهمه وزراء الخارجية من تجار هذه الجامعة التي فقدت الحد الأدنى من شروط عروبتها واسلاميتها وهم يحاولون الترويج لبضاعتهم الجديدة في العاصمة الأمريكية واشنطن ، و المتمثلة في ابداء الموافقة والإستعداد لقبول تبادل اراض بين الفلسطينين و " الاسرائيليين " ، فلسطين بكل أشبارها كاملة وغير منقوصة هي الحق الذي سيعود إلى أصحابه الشرعيين ، ولذلك ستظل ترفض الدخول في أية مساومات بهدف البحث عن بدائل حلول لا زالت تعشش في أذهان البعض من أصحاب الأفكار السوداء البديلة ، وترجوهم أن يطمئنوا وأن يرتاحوا من عناء هذا التفكير ، بل وتطالبهم بإسم شعبها كله أن ينحوا ويطرحوا جانبا كل ما لديهم من مراهنات فارغة على هذا الصعيد .
فلسطين ستظل أم القضايا شاء "عرب واشنطن " ذلك أو أبوا ، ومهما انحرفت بوصلتهم فلن يجدوا أمامهم سوى النهايات المغلقة ، ولا مصير ينتظرهم سوى العودة إلى الشأن الفلسطيني ، فالغاصب الصهيوني الذي لم يتوقف يوما عن التطلع إلى ما بعد فلسطين هو العدو المُهدد لكل عواصمنا العربية من الخليج إلى المحيط ، واليوم الذي ستجد الشعوب العربية نفسها في مواجهة مفتوحة وشاملة معه سيأتي لا محالة ، لأن مصير هذا العدو الحتمي الذي لا نجادل ولا نناقش فيه هو الزوال والإجتثاث ، ولأن القوة العمياء لا تصنع جذورا في تراب وطن ليس له ، والتاريخ سوف يثبت أيهما اقوي ، أشبار أبوعمار أو بطش هذا العدو وغطرسته .