لماذا لم يقرأ ( الطريف يوسف آغا ) الواقع السوري قبل ان يكتب عنة !!!
مع علمي و يقيني أن العجلة قد تحركت على مستوى سوريا و العالم العربي و العالم ... وان الكلام أصبح للميدان وليس للأعلام إلا أنه لا ضير في إيضاح بعض الامور
بعيداً عن القراءة الكيدية أو الرغبوبة ، و بصفتي مواطناً اردنياً ، درست في جامعة دمشق لمدة خمس سنوات في النصف الثاني من السبعينات و كان زملائي و أصدقائي من مختلف الطوائف و المذاهب في سوريا و قد تعرفت على الكثيرين من ( العلويين) في سوريا وزرت الساحل السوري مرات عديدة و أطلعت على الواقع السوري بمختلف أطيافة و طوائفه و مذاهبة .
يؤلمني أن أقول أنني لم أجد في مقال الآغا ( طريف يوسف) معلومة واحدة صحيحة ولم أر فيه تحليلاً و لا تنويراً بل حملة ضغائنية مسمومه ، تريد شيطنة طائفة إسلامية تقول بالشهادتين و تلتزم بأركان الاسلام و لها تاريخ وطني و أخلاقي و مبدئي مشرّف عبر مئات السنين السابقة على عكس ما جاء به الآغا
فأولاً : سوريا لا يوجد بها أكثرية وأقليات بل يوجد بها مجموعة أقليات طائفية و مذهبية و عرقية و العرب ( السنّة) هم كبرى الاقليات وهم أقل من (50%) و الأكراد (السنّة) أكثر من (10%) بقليل و المسيحيون بحدود (10%) و العلويون (20%) وليس خمسة بالمائه كما يقرر الآغا و باقي المذاهب الاسلامية ( الدروز و الاسماعيليون و المرشديّون و الشيعة و باقي الفرق الأخرى) بحدود (10%) ذلك أن الأكراد في المنطقة يصنفون أنفسهم عرقياً ولا يصنفون أنفسهم مذهبياً ، وهذا واضح تماماً في العراق و تركيا ...
أما القول بأن العلويين ( النصيرين) كما قال الكاتب ، ظهروا في القرن التاسع الميلادي وجرى تفكيرهم ... فإننا نلفت نظر الكاتب الى أن أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة الكبار ( ابو حنيفة –المالكي – الشافعي –ابن حنبل) جرى تكفيرهم جميعاً في حياتهم قبل أن يؤسس ابن تيمية مذهبه المغرق في التكفير لدرجة انه صنف الدروز على أعتبار انها فرقة رقم (13) من اليهودية ثم جاء محمد بن عبدالوهاب بن بيرسي كوكس ليعزز مذهب ابن تيمية بل و يزيدة تكفيرية و تطرف ... ومع ذلك فأن ذلك التكفير سقط سقوطاً مدوياً و أستمرت المذاهب الاسلامية السنية الأربعة منذ مئات السنين حتى الآن ... وأما التهكم بأن العلويين ( نصيريون) فأنه يشبة القول بأن المسلمين السنّة ( أحناف أو مالكيون أو شوافع أو حنابلة ) و الفرع لا يحل مكان الأصل ولا يلغيه.
ثانياً : ثم أن العلويين السوريون العرب ليسوا على قلب رجل واحد فمنهم الموال للنظام و منهم المغرق في المعارضة ، يقول المناطقة بأن ( التعميم لغة الحمقى ) و تعميم الاتهام على طائفة العلوين أو غيرها بأنهم مشبوهون وأنهم تعاملوا مع كل غزاة سوريا من الصليبين الى المغول الى الانتداب الفرنسي الى حركة الصهيونية ... كلام لا يقوله أنسان يمتلك الحد الأدنى من المنطق أو من المعرفة .. لأن
العكس هو الصحيح ، فالعلويون عانوا الأمرين من الصليبيين ( وليسوا هم من تعاملو مع الصليبيين ، بل غيرهم ممن هم معروفون جيداً ) و كذلك مع المغول .. وأما الانتداب الفرنسي الذي يقول الآغا بأنهم تحالفوا معه فإن الغالبية الساحقة من العلويين تتهم الاستعمار الفرنسي بأنه عمل جاهداً لشق الطائفة العلوية وأن الفرنسيين زرعوا ( خازوقاً) في قلبها هو ( الحركة المرشدية ) التي أنشقت عن العلويين ونمت وتصاعدت برعاية الفرنسيين و تحول العداء بين ( العلويين) و (المرشديين) الى عداء و تكفير لا يقل ضراوة عما هو عليه لدى مختلف المذاهب المتخاصمة عبر التاريخ ... و النقطة الثانية التي يتجاهلها كلياً الآغا ، هو أن ( الشيخ صالح العلي ) أحد كبار مشايخ العلويين هو أول من قاد الثورة على الفرنسيين منذ عام (1918) قبل أن يتحرك أحد في سوريا ضد الفرنسيين و النقطة الثالثة التي يتحدث فيها عن الوثيقة الفرنسية الموقعة عام (1936) يتجاهل الكاتب أو يجهل أن من رفع تلك الوثيقة هم أربعة زعماء عشائر علوية كانوا عملاء للفرنسيين ومعهم بعض اتباعهم وانه جرى رفع
وثيقة مضادة لتلك الوثيقة من قبل مئات الوجهاء من الطائفة العلوية ، تعترض على تلك الوثيقة و ترفضها و تطالب بوحدة سوريا و البقاء على تماسكها و تعايش ابنائها ...
ثالثاً : العلويين كبقية الفرق و المذاهب و الطوائف فيهم الغث و فيهم السمين ... بعض الدروز و بعض البدو خدموا بالجيش الاسرائيلي ، ولكن ليس كل الدروز عملاء ... الدروز منهم سلطان الاطرش و سميح القاسم و منهم فيصل الثاسم و بالتالي لا يجوز التعرض أو استهداف طائفة بعينها و بمجملها بسب الخلاف مع الرئيس أو النظام السوري ، وأما الحديث عن أن (العلويين) سلبوا الحكم من الآغلبية بانقلاب ( صلاح جديد) أولاً ثم (الأسد الأب) ثانياً - كما يقول الكاتب - فهذا يبرهن أن الكاتب لا يعرف شيئاً عن سوريا ... ذلك أن أول رئيس ( عربي) في تاريخ سوريا – ما عدا جمال عبدالناصر – هو ( حافظ الأسد) وأن كل من كانوا قبله عبر خمسين عاماً هم أكراد أو تركمان أو شركس أو من أصل تركي ، وقد جيء بهم الى الحكم عبر مداخلات أستعمارية خارجية من أجل السيطرة على سوريا عبرهم و بواسطتهم ولكن النقطة الأهم التي لا يعرف الكاتب عنها شيئاً وهي أن الوصول الى سدّة الحكم ، في جميع دول المنطقة – عدا الأنظمة الملكية الوراثية طبعاً- كان يتم عبر حامل أساسي و رافعة وحيدة ،هي ( الجيش) و هذا ما جرى في سوريا ، بل أضيف الى هذا الحامل الذي هو
( الجيش) حامل ثانٍ هو الحزب ( حزب البعث العربي الأشتراكي) وقد جرت صراعات و صدامات داخل هذين الحاملين ( الجيش و الحزب) و كانت أشرس الخلافات و الصدامات التي خاضها حافظ الأسد هي مع الضباط العلويين حصراً ، وبدءأ من ( محمد عمران) و ( صلاح جديد) و صولاً الى الشقيق الشقيقة ( الصداع النصفي ) ( رفعت الأسد) و حافظ الأسد لم يصل الى الحكم لأنه علوي ، بل لأنه عسكري و بعثي و علويتة لم تمنحه أي ميزة في صراعة للوصول الى سدّة الحكم ، بل سلبته ميزات عديدة عبر إفساح المجال للقوى و الفعاليات الدينية الإسلامية السنية لكي تطالبه بما لم تكن تجرؤ على مطالبة من سبقوه بها ، تحت طائلة ترديد الأتهامات التقليدية المغلوطة الشبيهة بما أتى به كاتب المقال .. و علوية حافظ الأسد لا علاقة لها بوصولة الى الحكم ولم تقدم له أي عون ، بل كانت له عبئاً عليه أكثر مما هي عون له .
رابعاً : ومن المعيب على كاتب يحترم قلمه أن يتهم الرئيس حافظ الأسد بأحداث ( أيلول الأسود) في الأردن ( 1970) بينما يعرف الجميع أنه من موقعة كوزير دفاع – حينئذ- اختلف مع القيادة السياسية السورية ، وأمر على مسؤوليته بسحب الجيش السوري من شمال الأردن وهو القائل حينئذ :
( لن نقبل بأن يتحول أشقاؤنا الأردنيون الى هنود حمر في وطنهم ) ...وأما ( مجزرة تل الزعتر) فعلى الكاتب أن يقرأ ما قاله المناضل الفلسطيني البارز الراحل ( ناجي علوش) حول من هو المسؤول عم مجزرة تل الزعتر ..أما عن تصفية المقاومة ، فالمقاومة الحقيقية في لبنان التي أدمت أنف أسرائيل هي ( حزب الله) الذي يشهد بأن الرئيس حافظ الأسد هو صاحب الفضل الأول في العالم عليه ... وأما الأغتيالات الي يتحدث عنها و خاصة ( رفيق الحريري ) فيبدو أن الكاتب يجهل أن المحكمة الدولية و معها أمريكا و آوروبا قد عجزت عن أخفاء دورها في هذا المجال
خامساً : و النقطة الأخرى التي يتجاهلها كاتب المقال هي أن النظام في سوريا ليس ( نظام علوي) كما يشيع البعض ، وأن كون ( حافظ الأسد) أو ( بشار الأسد) علوي المذهب ، لا يعني انسحاب ذلك على النظام – كما هو الحال في الأنظمة الملكية و الأميرية – بدليل أن جميع رؤساء الحكومات و جميع رؤساء البرلمانات و جميع الأمناء القطريين لحزب البعث منذ عام (1970) حتى الآن هم من الطائفة الأسلامية السنيّة و أن أكثرية الوزراء وأكثرية أعضاء القيادة القطرية للحزب وأكثرية أعضاء القيادة القومية و أكثرية أعضاء القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية وأكثرية النواب و أكثرية المدراء العامين ، بل أكثرية الضباط و عناصر الجيش السوري هم من المسلمين السنّة ، و بما يعكس التركيبة الاجتماعية السورية بحكم كون السنة العرب هم كبرى الأقليات السورية ... وكذلك فإن مكتب الأمن القومي السوري يضم رؤساء الأجهزة الأمنية الأربعة ( أربعة فقط وليست كما يشيع البعض بأنهم (17)جهاز + وزير الداخلية + قائد الشرطة العسكرية + رئيس المكتب نفسه ( و عددهم سبعة أشخاص) خمسة منهم مسلمون سنّة، وهذا المكتب ( مكتب الأمن القومي) هو صاحب القرار الأمني في كل ما يخص الأمن .
ولكن الأهم من ذلك هو أن النظام السوري ليس نظاماً طائفياً ولا مذهبياً ولا عرقياً ولا أقليمياً ، بل هو نظام وطني علماني و فوق ذلك هو نظام قومي مقاوم ممانع ترتكز سياستة على المنطلق القومي العربي و ترتكز عقيدة جيشة على العداء المطلق لأسرائيل .. ولذلك أستطاع هذا الجيش أن يصمد لمدة أكثر من عامين في مواجهة جحافل من الأرهابيين القادمين من الخارج ومن الداخل .. ولو كان الجيش السوري طائفياً ، كما يقال- لسقط وانهار منذ الشهر الأول ولو كان ( سنّة) سوريا ضد الرئيس السوري لسقط الرئيس السوري منذ الشهر الأول ... ولكن ، لأن النظام السوري نظام علماني وطني ، أستطاع الصمود في وجه العاصفة الهوجاء التي حاولت اجتياحه ، ورغم وقوف جميع دول الحلف الأطلسي وإسرائيل و مجلس التعاون الخليجي ضده .
وقد لا يكون ملائماً لنا ان نلوم السيد الآغا لأن من لا يستطيع قراءة الواقع السياسي و الوقائع السياسية إلا من منظور طائفي و مذهبي و كيدي ، لا يستطيع أن يرى سوريا إلا بعين طائفية و مذهبية و كيدية ... و يبقى أن نقول أننا عرضنا صورة الوضع في سوريا كما هي عليه فعلاً وليس كما جرى و يجري تسويقة و تعميمة ظلماً و عدواناً على سوريا وعلى شعبها وعلى دولتها .....
و يبقى الشعب السوري هو الذي سيقرر مصيره بنفسه و عبر صناديق الانتخاب و بأشراف دولي و ستحسم الأمور موازين القوى و إرادة الشعب السوري و حينئذ ستسقط جميع تلك الأوهام التي جرى بناؤها ، و على رغبات و مراهنات غير موجودة على أرض الواقع و ستقطع حينئذ ( جَهيزةُ قول كل خطيب)
• لعلم السيد ( طريف يوسف آغا) وغيره ، فأن عدد العلويين في تركيا يبلغ( 23) مليون نسمة – أي بعدد سكان سوريا- وهم ليسوا عرباً سوريين ، كما يفكر البعض بل يبلغ تعداد العرب السوريين من الطائفة العلوية في تركيا (3) ملايين فقط ، و تعداد العلويين الأكراد الأتراك (3) ملايين ايضاً ، و الباقي ( 17) مليون هم علويون أتراك منذ مئات السنين .