ماذا يؤرق الكاتب بعد إنجازه لمؤلفه الإبداعي ؟

المدينة نيوز- يتفق مثقفون واكاديميون على ان مشروعية أرق الكاتب والمبدع بشأن استقبال عمله عموماً تنبع من تداعيات نقده لذاته قبل نقد الآخرين له , وعليه أن يكون ملماً ومطلعاً ومتفهماً لمراحل إنتاج عمله ومعطيات الظروف التي يريد في غضونها إيصال إنتاجه إلى الناس .
ويبينون ان العملية الإنتاجية الإبداعية أصبحت محكومة بمناخات متغيّرة تسويقياً وإعلامياً ونقديا ً.
يقول الناقد كايد هاشم مساعد الأمين العام لمنتدى الفكر العربي ان أكثر ما يؤرق المبدع بعد انتهائه من تأليفه، أكان شعراً أم قصة أم رواية وغيرها من انواع الكتابة الإبداعية ، هو سؤاله لنفسه : كيف سيُستقبَل من جانب جمهور القراء والوسط الثقافي والأدبي والنقاد والإعلام , وقد يختلف أرق السؤال بدرجاته بين مبدع يستعد لإصدار باكورة أعماله، وآخر معروف في الوسط سبق له أن أنتج وأصدر أعمالاً عدة واكتسب خبرة بقدر ما في هذا المجال.
ويأتي بعد ذلك كما يضيف أرق التفكير بتوفر إمكانات الطباعة والنشر والتوزيع والانتشار , والتي إذا شغل الكاتب تفكيره بها في أثناء مرحلة العمل على التأليف، فمن الممكن ضمن بعض الظروف الموضوعية والنفسية التي ترافق البدايات عادة ، فضلاً عن الممارسات غير السوية التي تكتنف نشر الكتب عربياً، أن ينتهي به المطاف إلى الإحباط والتراجع عن مشروعه.
ويقول الكاتب هاشم انه بالمجمل فإن المبدعين الذين يخوضون التجارب الأولى في حياتهم هم في وضع الأشد احتمالاً للتعرض للإحباط وقتل الحماسة لديهم ، ولا سيما الشباب منهم الذين قد يقعون ضحية ألوان من الاستغلال المادي وغيره من بعض بائعي الكتب والدخلاء على مهنة النشر.
ويشير الى ان هناك من الناشرين الحقيقيين المثقفين الذين يحترمون أنفسهم ومهنتهم لا يتأخرون عن بذل كل جهد ممكن لمساعدة الشباب في إطلاق أعمالهم الأولى بشكل لائق، لكن هؤلاء للأسف قلائل ، والظروف الاقتصادية القلقة التي نعيشها لم تعد تساعدهم على أداء دورهم كما ينبغي .
ويتابع : انه كان يسمع من عدد من الكتَّاب الكبار الذين عرفهم في بداياته " أكتب ولا تفكِّر بالنشر, وهذه نصيحة لمن يريد أن يجوِّد عمله , والاثمن منها ان لا يوهم الكاتب الشاب نفسه بأنه بعد نشر كتابه سيصبح معروفاً مشهوراً ، فيتصرف على هذا الأساس، لأن مثل هذا الوهم كفيل بأن يؤدي به إلى صدمة قاضية في الواقع" .
ويعتقد انه على الرغم من سهولة النشر وسرعته عبر الوسائل الإلكترونية في أيامنا هذه، إلاَّ أن نشر الكتب ورقياً سيظل قائماً الى زمن طويل جداً، ولا تزال غالبية القراء تفضل الكتاب الورقي، الذي يحتاج إنتاجه إلى عدة مراحل من تقويم ومراجعة وتدقيق لغوي وتحرير، ثم تنسيق وإخراج فني ، إلى ما هنالك من شؤون الطباعة والتوزيع والتسويق .
استاذة النقد الادبي في جامعة البترا الدكتورة رزان محمود تقول ان ما هو أساسي بالنسبة للمبدع منذ لحظات الكتابة الأولى غير منقطع عما هو أساسي فور انتهائه من العملية الكتابية، لافتة الى ان المبدع سيحتفي بالضرورة بردود فعل القراء, لذلك تجد أمبرتو إيكو محقاً في القول بأن احتفاء الروائي بردود فعل قارئه أمر طبيعي , ولا يمكن أن نعده جزءاً من نرجسية وغرور.
وتضيف الدكتورة رزان ان الكاتب يطمح دائماً في أن يلعب منجزه الإبداعي دوراً ما في إعادة تشكيل الكثير مما يعد يقيناً لا لبس فيه , لذلك يحاول رصد إمكانية أن يكون لهذا المنجز أثر خاص قد يمتد ليدفع باتجاه رؤى وقيم آمن بها وأحب أن تنتقل عدواها إلى جمهوره, وهو أمر ما فتئت نظريات القراءة تؤكد عليه حين لفتت انتباهنا إلى استراتيجيات الإقناع التي يباشرها كاتب بغرض حثّ القارئ وتحريضه ضمناً أو صراحة على إعادة تقييم العالم.
وتقول ان هذا لا يلغي انشغالاً لدى بعض المبدعين بقضايا ترويج باتت جزءاً هاماً في وقتنا الحالي, إذ لا يغيب عنه ما يمكن أن تقدمه هذه القضايا من خدمة, من حيث التعريف بالعمل وتحريض الجمهور على قراءته, ويبقى سؤال حسن التوزيع من عدمه أيضاً قائما, وكلها قضايا لا تنفصل بالضرورة عما تم التاكيد عليه من أن القارئ يأتي أولاً وثانياً وثالثاً. يقول الشاعر والكاتب غازي الذيبة انه بعد انتهائه من كتابة نصه يشعر بأنه معلق في الهواء، لا يعرف الى أين يمضي، فتلك اللحظة تبقى مربكة، تشعر فيها بانك بحاجة للمكوث في غابة الصمت، ويتملكك حزن خفيف كالريش لانك غادرت أرقا كان يثير حواسك وهواجسك كلها ، فما ان تفرغ منه، حتى تجد ذاتك تبحث عما كان يملؤك.
ويستدرك : لكن الاكثر هجسا بعد الانتهاء من كتابة النص، والتوقف عند النقطة الاخيرة لتأمله، هو" أين سأذهب بما أكتب, هنا الحيرة، وهنا التوتر الذي يصيبك بطلقة الحزن على منابر النشر ".
ويقول ان ثمة مساحة مفتوحة للنشر على الانترنت وصفحات الجرائد والمجلات التي ما تزال يكن بعضها احتراما للكتابة الابداعية، لكن ذلك لم يعد مثيرا للشهية مشيرا الى انه لم يعد قادرا على تحمل نشر نصه في تلك الاماكن، حتى في كتاب، وبات يستعين بصفحته في (الفيس بوك) لينشر ما يكتب، بيد أن ذلك أيضا لم يعد مثيرا للدهشة.
ويقول الذيبة ان كل ما يبتغيه بعد الانتهاء من كتابة نصه , أن يسمع قليلا من الموسيقى وتناول فنجان قهوة، والتحدث في اي شأن الا الكتابة، لانه سيحتاج الى قليل من استعادة ما كان عليه وهو في خضم انتاج النص.
ويشير القاص محمد مشّه الى ان أهم ما يؤرق الكاتب بعد الإصدار , السؤال المركزي , هل هذا هو الإبداع الذي أردته ؟ فتتفرع عن هذا السؤال مجموعة من الأسئلة عما سيكون عليه اراء النقّاد والقرّاء سلبا أم إيجابا , وفي المجمل فإن المبدع الحقيقي تؤرقه الأسئلة الصادرة ما بعد النشر , ويعتقد ان من لم تؤرقه الأسئلة تلك فهو بحاجة الى إعادة النظر فيما أطلق على نفسه بالكاتب أو المبدع.
ويؤكد مشه على الرغبة الملّحة لمثقفي الأردن بضرورة وجود دار نشر أو مؤسسة نشر وطنية بهدف تنظيم الإصدارات وفرز الغث من السمين شرط أن يكون المسؤولون عنها مثقفين متخصصين ومشهودا لهم بالإبداع إضافة الى صناعة المبدع الأردني وتسويق الأردن عربيا وعالميا ثقافيا .
الناقد سمير أحمد الشريف يقول ان امورا كثيرة تنتاب المبدع بعد الانتهاء من منجزه الإبداعي وربما يجتاحه هذا الهاجس قبل الشروع فيه أو وهو يضع له اللمسات والتخطيطات الأولى ، وذلك يتمثل في موضوعات فنية أولا، كأن يتخوف من مدى تقبل المتلقي لما نشر، وهل كان دقيقا وأمينا في إيصال رسالته وهل عكس بأمانة ومسؤولية ما ينبض به الواقع؟ .
ويضيف : أما القضية الثانية فهي قلق المبدع على قبول النقد لما نشر حيث أن النقد الجاد والموضوعي نادر وما يحكم الساحة في هذا المجال العلاقة الشخصية والتوجه السياسي والغياب شبه الكامل للنقد الأكاديمي الذي ينحصر في انتقائية لا تواكب كم ولا نوع المطروح .
وتتمثل الثالثة كما يقول الشريف في صراع المبدع مع منافذ النشر حيث يقع فريسة شبكة من العلاقات التي يؤطرها النفع التجاري أولا وأخيرا، ففي غياب دار وطنية للنشر يظل المبدع أسير التجاذبات التجارية لدى دور النشر التي تعطي أولوية كبرى للربح على حساب الكاتب الذي يكون نصيبه متواضعا لمردود إبداعه ، والتجارب الكثيرة لمبدعين جعلتهم ينكصون عن النشر أو البحث عن ناشر خارجي يعطي الكاتب بعض جهده ومردود إبداعه .
عضو الهيئة التدريسية في جامعة الزيتونة الدكتورة حنان الخريسات تقول ان كل كاتب مبدع يخرج بمؤلف مميز يحلم بان يصل انجازه الى يد كل قارىء ومهتم على مستوى عربي وعالمي , لكن تشغله مجموعة من القضايا ان لم تكن عقبات خاصة اذا كان هذا الانجاز هو الاول للكاتب .
وتضيف ان قضية النشر والتوزيع من القضايا التي تشغل الكاتب بحيث يبحث عن السبل التي تجعل منه معروفا في بلده او خارجه على مستوى , خاصة اذا كان هذا الانجاز هادفا كما ان مسألة الترويج للمؤلف تحتاج الى جهد وعلاقات قد يجهلها الكاتب.
وتشير الى ان ردود فعل القراء على المؤلف لها دور في تقديم نتائج ايجابية يتجاوز من خلالها اية ملاحظات للاصدار الابداعي الآخر مستقبلا , واحيانا يتولى الكاتب عملية التوزيع , لذا غالبا ما تكون النتائج سلبية بحيث يبقى مؤلفه اما محصورا في بلده او مكدسا في بيته · وتؤكد خريسات اننا بحاجة الى دار نشر وطنية تشرف عليها شريحة من الفئة المثقفة التي تتصف بالحيادية تجاه اي مؤلف يقدم للنشر وان يعاد الاعتبار الى الكتاب واعطاء الاولوية للمؤلفات المتميزة في النشر .
اما القاصة منال حمدي فتقول انه على كل دار نشر أن لا تتعامل مع المنجز بشكل تجاري بحت, بل أيضا من ناحية ثقافية لتتولد لدى دار النشر قناعة تساعد في الترويج لهذا العمل لأنه يصبح العنوان الأبرز في إصداراتها.
وتضيف حمدي ان حساسية المنجز لا تكمن فقط في ترويجه , بل هل المنجز ذاته يرقى لمستوى الترويج له خاصة في وقت أصبحت الكتابة في متناول الكثيرين ممن يظنون أنهم باتوا كتّابا.
وتطالب بعدم المجاملة لأن الكاتب المميز يجعل من بلده عنواناً مميزاً, ولهذه الأسباب التي تختص بشكل رئيسي بدوْر دُور النشر التي تنوعت وتعددت وكل منها تتبنى هدفاً يختلف تماماً عن الآخرى بمعايير متفاوتة، عدا عن تلك التي يتحكم بها المزاج الشخصي , تؤكد ضرورة انشاء دار نشر وطنية خاصة بالكتّاب لتتيح للكاتب خوض تجربة مع دار نشر وطنية أنشئت خصيصاً لأجله تهبه قدراً كافياً من الاهتمام الذي يستحق فيصبح هدفاً معنوياً قائماً من خلال دراسة مستفيضة , وهذا بحد ذاته ترويج للمنجز بشكل رئيسي.
(بترا)