انحرافات لدى الشباب... تنمو وتستفحل في الظل
في ظل تخلخل الروابط الاسرية وتضعضعها، وغياب الرقابة والتوجيه بكل صوره ، وتراجع قيم الوالدية والقربى والتضامن الاجتماعي، والمشاركة الوجدانية والقدوة الايجابية، والتنمية الاستقلالية وتحمل المسؤولية لدى الشباب، وضمور قيم الغيرية والنخوة والايثار، والمواطنة الصالحة، وتجاهل اساليب الرعاية والارشاد ، والمرور عن حقوق الابناء في اشباع حاجاتهم ومتطلبات النماء والنضوج لديهم في الود والتواد والتحاب والانتماء ، والتراحم والاحترام والامن والامان، وشعورهم بالدونية المكانية في اسرهم ومجتمعهم بين الاهل ومع الاصحاب ،واهمال رغائبهم وتطلعاتهم ، وابعادهم عن قيم العمل الجماعي ودمجهم في مجتمعاتهم، وعدم التاكيد على القيم الانسانية وضرورة التمسك بها، وفي الغياب التام لدور الاباء والامهات واولياء الامورعن الساحة التربوية والتاديبية ، ونكوص دور وسائط التربية كالاسرة والمدرسة، و المؤسسات الدينية والاجتماعية والشبابية والثقافية والتنظيمات والجمعيات التي يستقي منها الشباب تربيتهم وقيمهم وعاداتهم وثقافتهم واتجاهاتهم ؛ نتيجة ذلك كله القت وتلقي بعض شبهات الانحرافات بظلالها على شخصيات بعض شبابنا وشاباتنا التي تظهر من خلال التعبيرات النفسية السقيمة، والرغبات والسلوكات المريضة العليلة ، والانغماس في مستنقعات الامراض الاجتماعية ، والانحرافات الشاذة التي ادت إلى ظهور انماط من الشخصيات الشبابية التي تستحسن استدماج بعض سلوكات العنف والعدوانية التي غزت - مع شديد الاسف - مؤسساتنا وصروحنا التربوية والتعليمية ، وتبخترت في شوارعنا وبين ظهرانينا حتى وصلت شراراتها إلى برلماننا، واصبح العنف الذي كان مستهجنا فخرا واعتزازا، وغدت شخصيات شبابنا تعاني من بعض الامراض النفسية ، كالايماءات والايحاءات الذاتية والانطوائية والانقباضية، والانامالية والادمان والهلوسة، وهذاء العظمة وجنونها، والذواتية والتدهور العقلي واضطرابات حسية وانفعالية ،واضطرابات علاقات الابوة والبنوة وتمرد الشباب على الآباء وعقوقهم ، وانتشار الجريمة بشتى صورها ، وظهور مشكلات امنية حديثة كالاعتداءات على الناس واعراضهم جهارا نهارا ، وعلى المال والمؤسسات العامة والخاصة ، والسرقة بشتى انواعها وتطور اساليبها مع تطور اساليب العلم والاكتشافات ، وظهور الجرائم الاقتصادية وانتحال الشخصيات والتنكر ، وانتشار بعض السلوكات غير المرغوبة والمحرمة كالتدخين والارجيلة والجلوس في الطرقات وعلى مفارقها، وضعف التدين، وانتشار ظاهرة مشاهدة الافلام والمواقع الاباحية ، والمعاكسات الهاتفية، والزواج العرفي او السري الذي هو تزاوج وليس زواجا، وسلوكات شاذة في اللباس والمظهر والعادات الغريبة المستوردة وبعض صفات قوم لوط.
ان هذه الاختلالات والانحرافات السلوكية التي تظهر لدى شبابنا وشاباتنا ستؤدي حتما إلى خلل مجتمعي لا تحمد عقباه ، وربما إلى انهيار منظومة قيمه وعاداته وتقاليده ومعتقداته ومبادئه واخلاقه القويمة الاصيلة - لا سمح الله - .
ان انتشارهذه السلوكات والعادات والانحرافات يشكل قنابل موقوتة تهدد النشء ومجتمعاتهم، وتنذر بسوء عاقبة وآثار وخيمة، وامراض اجتماعية ونفسية وصحية سلبية على الشباب انفسهم اولا، ثم على مجتمعاتهم ثانيا ؛ وذلك في ظل الاهمال العام والتغاضي المجتمعي المسؤول عن التصدي لهذه الظواهر ومعالجتها.
ان استمرار العبث بالمعايير والقيم الاخلاقية المثلى ،والانحلال والترهل الاخلاقي، وطغيان القيم المادية ، واعتناق بعض الفلسفات العبثية - كما ظهرت في الاونة الاخيرة - كعبدة الشيطان والماسونية واللادينية ، والاستهتار بالمفاهيم والقيم الدينية، والفهم الخاطئ لامور الدين ، واتهامه بالرجعية والقوقعة التقليدية ، وعدم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ، سيجلب الدمار والخراب على مجتمعاتنا التي عرفت منذ القدم بمجتمعات الرحمة والتقوى وا ، ومجتمعات القيم النبيلة والاخلاق الفاضلة ، مارستها بفعالية في ظلال قيم التعاون والتضامن والتسامح والتكافل الاجتماعي والنخوة والمروءة، وقصة الحضارة العربية الاسلامية خير شاهد ، فهي قصة النجاحات والفتوحات والانتصارات والانجازات عبر العالم شرقه وغربه؛ وما كان ذلك ليكون الا بسبب من سمو الاخلاق وصحة المعتقدات ونبل المبادئ والاهداف، والتمسك بالقيم الدينية التي جذبت الناس من شتى بقاع الارض ، واستقطبت القبائل والامم للدخول في دين الله افواجا .
ان الامر جد خطير، وصعب وعسير ، لاننا امام بناء اجيال امة ، فلا بد من الوقوف بتعقل ونجاح ، وحزم وفلاح امام هذه الظواهر الهدامة ،ولا بد من التنادي لمؤتمر عام تطرح فيه هذه الظواهر على الطاولة ، ولا بد من ايجاد برنامج وطني واستراتيجية محكمة لمعالجة ذلك، يشرف عليها خبراء تربويون ونفسيون ودينيون وصحيون وذوي العلاقة من اصحاب الرأي والمشورة ، وتشارك فيه جميع المؤسسات التي يستقي منها الشباب تربيته ،وينهل منها قيمه وعاداته وتقاليده واتجاهاته ،وهي المؤسسات الاسرية والمدرسية والاعلامية والدينية والمجتمعية بشتى انواعها.
برنامج توعوي اجرائي ينطلق من البيت والاسرة والمدرسة وكل المؤسسات الدينية والمجتمعية الاخرى، فلا بد من ردم الفجوة الكبيرة ورأب الصدع واسترجاع قوى الرقابة وتفعيلها وفتح عيونها ،ولا بد من اعادة النظر في اثراء البرامج المدرسية والتربوية بالقيم الاصيلة الدينية والاخلاقية، ووضع نظام رادع وعقوبات صارمة ، وكبح جماح امكانيات التكنلوجيا الهائلة التاثير، وايجاد تعليمات رادعة لها في البيت والمدرسة والمجتمع، ولا بد من حجب المواقع الاباحية والتحكم بوسائل الاتصال والتواصل الرقمية والالكترونية هائلة النفوذ والتاثير على الشباب والشابات وعلى شرائح عديدة من مجتمعاتنا الاصيلة التي باتت مهددة ، ووضع حد للحريات المفتوحة الزائدة عن حدودها دون قيود اجتماعية واخلاقية ودينية والوقوف امام غزو الثقافات في ظل هيمنة العولمة والمجتمع العالمي المفتوح وافرازاتهما.