ماهر.. تحدى أصابع يده المقطوعة وعمل خياطا
المدينة نيوز- اختار مهنة قادته إلى قناعة أكيدة بأنه لن يكون عالة على أحد, فعلى الرغم من فقدانه لأصابع يده اليسرى باستثناء الإبهام, أتقن فن تصميم الأزياء والخياطة.
يجلس ماهر في مخيطته منهمكا في العمل بإجراء التصليحات على الملابس, ينظم الخيط بالإبرة التي يجب أن تتم باليد اليسرى لوجود الإبرة على الجانب الايسر لماكينة الخياطة, ويحرك كلتا يديه بديناميكية قد تفوق الخياط الذي يمتلك عشرة أصابع كاملة.
ماهر سلامة (35 عاما) متزوج وأب لثلاثة أطفال أكبرهم مضى من عمره تسع سنوات، يصف ما حدث لأصابع يده إلى وكالة الأنباء الأردنية مبتسما وكأنه يروي قصة جميلة للأطفال: "كنت أساعد والدي الذي كان يعمل جزارا عندما أدخلت يدي مع اللحمة في المفرمة". ويقول إن نظرات الزبائن خاصة الأطفال هي وحدها التي تذكّره بحالة يده, إذ إن حبه لعمله جعل حياته تسير بشكل طبيعي.
وبعد أن أنهى الثانوية العامة بنجاح حصل ماهر على رخصة قيادة سيارة عمومي لتأمين عمل يدرّ عليه دخلا يعتاش منه، إلا أن حبه لتصميم الأزياء جعله يتجه عمليا إلى تعلم مهنة الخياطة والعمل بها، وقد واجه صعوبة في البداية في التعامل مع الابرة والمقص الا انه تجاوز ذلك بحسب قوله خلال اقل من ستة اشهر. ويضيف أنه بعد إتقان أبنائه للحاسوب والانترنت حصل على دورات في هذا المجال لإيمانه بأن على الأب والأم الإلمام بالتكنولوجيا الجديدة لمواكبة تطور مراحل تعليم أبنائهما قدر الإمكان.
عندما قرر ماهر الزواج تم رفضه من أكثر من عائلة والسبب أصابعه المقطوعة, حيث يقول ماهر إن المخيطة تدر عليه دخلا جيدا ويحمد الله على نعمته.
ويشير الى ان ابنه الأكبر اعتاد على رؤية يده بهذا الشكل, لكنه سأله مرارا لماذا يدك بدون أصابع؟ وكان ماهر يجيب على السؤال دوما بأن من يعبث بالأشياء الخطرة كالكهرباء أو السكين تصبح يده بدون أصابع. وتقول زوجته إن "يد ماهر أمر شكلي لا يعنيها، إذ إن شخصيته جميلة، وهو محب للآخرين، ومتعاون مع الجميع، ولا ينحرج أبدا من شكل يده، بل انه مقبل على الحياة وطموح جدا".أستاذ علم النفس بالجامعة الأردنية الدكتور مروان الزعبي يشير الى ان كل انسان يوجد لديه شعور بالعجز بشيء معين, لكن الذين يحولون العجز الى دافع للأمام هم قليلون.ويبين أن الإنسان الصحيح نفسيا هو الذي لديه شعور بالنقص، موضحا ان هذا الشعور يؤدي الى وجود رغبة بإشباعه وتعويضه بطريقة إبداعية يتحدى من خلالها نفسه والآخرين. ويقول إن ماهر عمل على تحويل شعوره بالنقص إلى طاقة إبداعية أثبت من خلالها قدرته على التميز والإبداع وتجاوز شعور النقص لديه، وهو ما يعرف بعلم النفس بصلابة الشخصية التي من أبرز ميزاتها القدرة على تحمل الأعباء الإضافية بعزيمة قوية لتحويل الشعور بالعجز إلى طاقات إبداعية مميزة.ويشيد الزعبي بقدرة ماهر على التكيف مع وضع يده وتجاوز المشاعر السلبية لديه وتحويل وضعه من إنسان انسحابي الى آخر فعال في المجتمع يمتلك طاقات إبداعية. وحول رفض البعض زواج ماهر من بناتهم قال الدكتور الزعبي إن والد زوجة ماهر نظر إليه على أنه إنسان منتج في المجتمع، وأن يده لم تعقه من أن يكون إنسانا فاعلا وليس انسحابيا، وهو مثار للإعجاب، كما أن والدها شعر أن ابنته ستكون بأمان مع شخص يتمتع بشخصية قوية رفض أن ينقص عجز يده من عزيمته، وكانت ميزة له وليس عائقا أمام كسب عيشه وحياته.