شباب غزة ... الأمل المفقود !!.
ربما تتفاجأ بعض القوى السياسية الفلسطينية مفاجأة مدوية ، كما تفاجأت بعض القوى الأخرى من قبل بتأثير عامل الشباب ، والذي يُعتبر العامل الأكبر والأكثر تأثيرا على مجريات كل عمل سياسي أو مجتمعي أو ميداني مهما كان نوعه ...
عشرات ألوف شباب غزة يعيشون حالات من الإحباط والقلق والخوف من المجهول ، وقد سيطر عليهم اليأس ، ودفعتهم ظروف القهر والحرمان إلى الانحراف أو التشرذم أو التشنج ، وألقت بهم إلى عالم المجهول ، يقتلعون أشواكهم بأصابعهم ، تلك الأشواك التي زرعتها الظروف في أجسادهم رغما عن أنوفهم ، في ظل غياب أدنى مخطط وبرمجة بهدف الحد من مشاكلهم ، ومع ذلك كله يتم ملاحقتهم في أرزاقهم ؛ ليزداد بذلك حجم معاناتهم وكأننا في دولة حرة كاملة السيادة ينبغي تطبيق القانون فيها على أكمل وجه ، وقد استكملت هذه الدولة مقومات الأخذ والعطاء لما لها وما عليها من حقوق وواجبات ، فما فائدة ملاحقة الشباب في بسطاتهم ، وعربات بيعهم ، وفي محلاتهم ومكاتبهم ، وعلى أبواب المؤسسات الحكومية ، فترهقهم تارة بدفع الرسوم ، وتارة بدفع قيمة المخالفات ، وتارة في منعهم من البيع ، أو مصادرة بضائعهم ، بحجج واهية وغير منطقية ، وقد عالجت بنفسي وبدافع انساني بعضا من تلك المشكلات مع المسئولين ...
ولم تنجح حملات مكافحة عقار ألأترمان بسبب الضغط الواقع على عاتق الشباب داخل السجن وخارجه ، مما يزيد الأمر تفاقما ، وربما يخرج الشاب من متعاطي إلى مدمن أو تاجر في هذه المادة المحذورة ... وربما لم تنجح ظاهرة محاربة تعاطي وانتشار المخدرات أيضا بسبب غياب برامج الاعداد والاصلاح والتأهيل داخل السجون وخارجها ...
عشرات الالوف من شبابنا الخريجين الجامعيين في غزة من غير عمل ولا مستقبل ...
وحوالي ألفا منهم حصلوا على الجنسية المصرية ...
وعشرات الألوف منهم يفكرون في الهجرة إلى خارج قطاع غزة ...
والقليل منهم من يحالفه الحظ فيعمل بأجر قيمته عشر دولارات تقريبا في اليوم الواحد في أعمال فرضتها عليهم الظروف فرضا أمام غلاء فاحش وحياة قاسية...
والكثير منهم يموتون بسبب تعرضهم إلى أخطار أعمالهم كالأنفاق و العمل في البنيان وغير ذلك ... كل ذلك وغيره الكثير يستدعي تقييما جديدا لكيفية التعاطي مع هموم ومشاكل الشباب الذين هم مادة وجود القوى الفلسطينية كافة ، والذين هم الدماء المتدفقة التي تجري في شرايين الوطن .
ينبغي توفير المزيد من الحدائق والاندية الشبابية الغير حزبية ، والمزيد من المكتبات ومراكز رعاية وتأهيل الشباب ، وإعادة النظر في سياسة القبول في جامعاتنا الفلسطينية ، وفي سياسة التخصصات ، فيها حيث ألوف الخريجين من ذات التخصص الواحد ، والتي تفوق القدرة الاستيعابية لمجتمعنا الفلسطيني ، وإطلاق سراح الشهادات المعتقلة بسبب عدم استكمال الرسوم الجامعية ، وتوفير فرص العمل في داخل الوطن وخارجه ؛ ليتمكن الشاب من بناء مستقبله بدلا من حرق نفسه ، أو الموت خنقا تحت الانفاق .
شبابنا أمانة في اعناق جميع المسئولين والقادة ، وهم ذخر الوطن ومادته وجوهر وجوده ، فلا يجوز بأي حال من الأحوال تركهم لمواجهة مصيرهم بأنفسهم ، من دون رعاية واضحة واهتمام ملموس ، ومن العيب التمييز بيم شاب وآخر على أساس انتمائه السياسي ، فذلك شكل من أشكال الطعن الممقوت بالمواطنة ، ووجه من أوجه العنصرية البغيضة ... أولئك الشباب الذين تصدوا للآلة العسكرية الصهيونية بحجارتهم وأيديهم الغضة وأجسادهم ، ودفعوا ثمنا باهظا من فاتورة الصمود التي لم يحترمها أحد على ما يبدو اليوم ، لا ينبغي تركهم فريسة سهلة لكل المتغيرات فتعصف بهم الرياح في كل اتجاه ... فاليأس قاتل ولا يولد إلا الدمار ، فالحذر من تبعات ذلك ....
تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب مستقل – 13/6/2013م