بمنظومة القيم والاخلاق نعالج الغش والخداع

تم نشره السبت 15 حزيران / يونيو 2013 11:28 مساءً
بمنظومة القيم والاخلاق نعالج الغش والخداع
الدكتور شفيق علقم

تتعبأ في هذه الايام - التي تجري فيها استحقاقات امتحانات الثانوية العامة - كل الاجهزة والقطاعات التربوية منها والاسرية والمدرسية والامنية والاعلامية والاجتماعية الاخرى والتي لها علاقة بهذه الامتحانات والطلبة ، وتسيطر اجواء من القلق والتوتر والاستنفار على الطلبة وذويهم على حد سواء ، ويبدأ الحديث عن الامتحانات وصعوباتها وتسربها ورهبتها والاستعدادات لها ، وعن اساليب النجاح والتفوق والاكمال والرسوب ، والتقويم بشكل عام ، كما ينحو الطلبة في احاديثهم إلى الغش واساليبه وصوره وانواعه وتقنياته ومحدثاته ، وعن اساليب التستر والتهرب به عن عيون الرقابة والحراسة بالمراوغة والمزاوغة ، وينتقل الحديث عن عواقب الحرمان والانذارات ونتائجها المهينة ، هذه التعبئة الموسمية والاستنفارات المجتمعية لا مناص منها مع كل موجة امتحانات صيفية كانت ام شتوية ، ويتناول التربويون وذوي الاختصاص ظاهرة الغش وآفاتها المرضية المشينة ، والتي افتى العلماء بحرمتها في جميع مناحي الحياة ، ومنها الامتحانات المدرسية ، وحرمة الاعانة عليها ، وفي الحديث عن اسبابها واثارها وعواقبها وسبل علاجها ،لا يفتأ هؤلاء باستعراض النظريات والمبادئ التربوية التقليدية التي تعالج هذه الظاهرة ، ولكن لات حين وفاق او علاج ، اما وزارة التربية والتعليم ، صاحبة القول الفصل في هذا الامر ، فانها تكتفي بالتأهب والاستعداد لطوارئها ومتطلباتها ، ولديها الحلول السريعة لمواجهتها باشهار سيف العقاب والطرد والحرمان ، وربما يؤدي ذلك مع نفر من الطلبة بالتخلص من الحياة والانتحار ، وذلك ما يحدث احيانا.

وفي ضوء طلب البحث عن علاج لهذه الظاهرة الخطيرة ؛ تضيع وزارة التربية والتعليم بين اكوام من القرارات والتعليمات والتنبيهات التي اصدرتها وتصدرها في كل عام لمعالجة الغش والحد من تفشيه ، هذه القرارات الزاخرة بالوعد والوعيد ، والعقاب الشديد ، والضرب بيد من حديد ، وسوء العاقبة لمن يفعل ذلك او يساعد على فعله ، فلديها جميع سبل الكشف عن الغش ، ولديها جميع انواع العقوبات الرادعة ، باستثناء ضعفها امام الوساطات والتدخلات فانها تيسر لها العقبات.

ان لدى وزارة التربية والتعليم آلافا مؤلفة من المرشدين التربويين والنفسيين والاختصاصيين ، فماذا فعلت طوال السنين الماضية لعلاج هذه الظاهرة التي اصبحت مرضا عضالا ؟! هل حاولت اكتشاف الاسباب والمسببات ووضع الحلول والعلاجات ؟!

ان ثمة مبدأ اساسي في التربية هو ان المدرسة مجتمع صغير ؛ وان اهمال هذا المبدأ يعني الفشل الذريع للتربية واساليبها ، فالمدرسة بمنتسبيها مجتمع صغير وصورة عن المجتمع الكبير واصلاحها هو اصلاحه بلا شك ، وهذا المفهوم هو ما يجب العمل في ظله ، فان ارتقاء المدارس والوصول بها إلى غاياتها في المجتمعات المتقدمة كان بفضل العمل بمنظومة القيم التي رسموها لتربيتهم والمتأصلة في مجتمعاتهم، مثل: المواطنة الحقة، والوطنية الصادقة ، والمثابرة والتفاني والمواظبة في العمل ، والانفتاح على المستجدات ، واداء الواجب باخلاص وانتماء ، والتسلح بقيم الحق والتسامح ،والاعتزاز بالذات والولاء والاخلاق...... هذه من قيمهم وبها نجحوا ، ونحن لنا قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وبها يمكن ان ننجح ، لان القيم توحد حولها المجموعات لتؤول في نهاية المطاف القيمة المثلى الناسجة للحمة المجتمع وتماسكه ، اننا نستطيع الوصول إلى علاج هذه الظاهرة على حساب الوقاية وليس على حسابات الوعيد والتهديد والحرمان وشد الاعصاب ، وذلك يكمن في معرفة الاسباب الحقيقية لدرء مخاطر الغش ومسبباته ، وتجنب مضاره وآفاته ، فقد اصبح الغش فيروسا مرضيا تربويا اجتماعيا ، وان فرز وتحديد منظومة القيم المناسبة لمجتمعاتنا ، والتي تتفق مع مبادئنا ومعتقداتنا وافكارنا ،والتي نتوخى تكريسها لدى طلبتنا من خلال مناهج وطنية غير مستوردة، هي الخطوة الاولى والاساسية للوصول إلى العلاج .

يجب ان يتعلم التلاميذ منذ صغرهم في المدرسة ،بل وفي الاسرة هذه القيم، وان تغرس وتتأصل فيهم بمنظومتها ،ويتربوا على الاخلاق والعادات والتقاليد الاصيلة التي نريد ،حتى ينجحوا مع اساليب الاعتماد على النفس ، بالتدريب عليها لتندمج في شخصياتهم سلوكا وممارسة وفي افكارهم مبادىء واتجاهات، لان من اعظم الاكتشافات في عالم السلوكيات ان الانسان يمكن ان يغير حياته اذا ما استطاع ان يغير اتجاهاته العقلية ، كما عليهم ان يعيشوا اجواء العدل والمساواة والحق، والبعد عن التمييز، والاعداد المتساوي في المدرسة للامتحانات ، والغاء الدروس الخصوصية التي تفشت وكادت ان تصبح مرضا خطيرا ، كما ان على المدرسة انهاء المناهج الدراسية بنجاح ، كاملة غير منقوصة ، وان يكون ثمة مساواة بين ما يتلقاه طلبة التعليم العام واقرانهم في التعليم الخاص، لا ان يحرم طرف من تلقيه المعارف والمعلومات كاملة ، وان تتوفر البيئة التعليمية من الامكانيات والظروف والاجهزة لكلا الصنفين على حد سواء.

اما قضية الغش المتأصلة في مجتمعاتنا ؛ اذا ما اردنا استئصالها فعلينا ان نبدأ منذ الصغر مع ابنائنا ، لانهم يلجأون إلى الغش مجبورين عليه ، وهم ضحاياه بامتياز، فهم يرون المعلم يتصرف باستحقاقات الطلبة كما يشاء ويتبع اساليب الغش والمداراة ؛ لان ثمة زبائن من الذين يطلبون التدريس الخصوصي يدفعون الاجور، هم الاحق بالرعاية والعناية ، وهم الذين يتدربون على الفروض والاسئلة والاجوبة الصحيحة، كي يحصدوا اعلى الدرجات والعلامات .

ان الطلبة يلجأون إلى الغش والخداع لان حياتهم اليومية مليئة بصورهما في المدرسة والشارع والبيت والمؤسسات التي يزورونها ، وفي كل مكان ثمة غش وخداع ، ففي العمل غش وخداع ، وفي الانتخابات غش وخداع ، وفي الوظيفة غش وخداع ،وفي السلع واثمانها وجودتها غش وخداع ، ولا شك ان الطلبة هم جزء من هذا المجتمع فهم يفعلون ذلك لانهم استقوه من مجتمعهم ، اذن فلماذا يطلب منهم ان يكونوا ديمقراطيين صادقين وهم يعيشون حالات الغش والخداع وصورهما في حياتهم ، وتستعرض امامهم الحقائق المزيفة يوميا في شتى مفاصل الحياة ، وفي شتى وسائلها في الاعلام وفي المؤسسات العامة والخاصة على السواء، انه مرض عضال متأصل في مؤسساتنا وعملياتنا اليومية التي نجريها الانتخابية منها والتعليمية والصحية والزراعية والاقتصادية والدينية والعدلية...فالغش والخداع ليس سلعة مستوردة دخيلة علينا ، انما هي انتاج محلي متقن الصنع نطوره باستمرار، وهذا الغش الذي يمارسه الطلبة هو صناعتنا وبضاعتنا ردت الينا ،هي انتاجنا وانتاج بيوتنا ومدارسنا ومؤسساتنا ، وهو المنتج الوحيد الذي لدينا منه اكتفاء ذاتي ، بل ونستطيع تصدير الفائض منه بامتياز ايضا.

ان التنشأة الاجتماعية هي عملية اسرية مدرسية اصلا، وذلك بالتعاون مع مؤسسات مجتمعية مرتبطة يستقي منها الطلبة تربيتهم واخلاقهم وسلوكهم،ان علينا توريثهم اساليب التفكير السليم ، والقيم الصالحة القويمة والعادات والتقاليد الاصيلة والسلوكات القويمة، وليس توريثهم اساليب الغش والخداع ( من غشنا فليس منا ) كما ان على الآباء والامهات واولياء الامور ، والمعلمين والمربين والتربويين ان يكونوا القدوة الصالحة ،مسلحين اصلا بالمعرفة والفضائل الاخلاقية والاجتماعية والدينية والقيم الصادقة، ان محاربة هذه السلوكات السلبية الخاطئة لا يكون بالوعظ والارشاد والوعد والوعيد والانذارات والتهديد او الطرد والحرمان، بل المطلوب من جميع هؤلاء المتصلين بحياة التلاميذ وتهذيبهم ان يكونوا هم اولا القدوة الصالحة في سلوكهم وتصرفاتهم وتعاملاتهم اليومية مع الطلبة ومع غيرهم .

يلوم الناس ظروفهم على ما هم فيه من حال ولكني لا اؤمن بالظروف ؛ فالناجحون في هذه الدنيا بحثوا عن الظروف التي يريدونها ؛ فاذا لم يجدوها وضعوها بانفسهم (برنارد شو ).

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات