الشريف: حالة الفلتان في مواقع الكترونية لا يمكن ان تستمر .. والصحافة التقليدية في خطر
المدينة نيوز- معاذ عصفور
واعرب عن امله أن يكون هذا الإعلام الجديد قادرا على مواجهة تحديات المستقبل بالعمل ضمن إطار الحرية المسؤولة وانه في نهاية الأمر فان الضوابط التي يجب أن تتبلور ستكون خير صيانة للحرية وخير ضمانة لنجاح الإعلام في الحاضر والمستقبل.
واضاف الدكتور الشريف خلال الندوة الحوارية التي نظمها منتدى السلط الثقافي في قاعة الاستقلال في بلدية السلط الكبرى بعنوان "الصافة الالكترونية بين الحرية والمسؤولية"ان الأردن سجل سبقا متقدما بين دول العالم في العمل على تعزيز آفاق عمل الصحافة الالكترونية من أجل أن تقوم على مهنية عالية وحرية مسؤوله تحترم الرأي والرأي الآخر، وقد شكلت استجابة مؤسسات الدولة للتحولات والتغيرات في المجال الإعلامي ومنها الصحافة الالكترونية تطورا ملحوظا وغدت هذه المواقع فضاء رحبا للتواصل وتبادل المعلومات.
و في المقابل حذر الشريف من حالة الفلتان التي لا يمكن أن تستمر وهي تهدد الحرية الصحفية كلها وهناك مسؤولية على كل الصحفيين والإعلاميين ان يضعوا حدا للكتابات غير المسؤولة والتعليقات الخارجة على حدود المنطق ما لم يفعل الصحافيون ذلك فان حالهم يكون كحال من رأى أناسا يثقبون السفينة ولم يأخذوا على أيديهم وهو الطبيعي في هذه الحالة أن تغرق السفينة أمام أعين الجميع.
واشار الشريف الى إن الإعلام لا يمكن أن ينجح ويحقق أهدافه في خدمة الحقيقة إذا كان هناك عددا من المنابر غير المسؤولة والتي لا تراعي مصالح الوطن العليا والتي تهدد مكونات هذا الوطن والتي تخرج عن المهنية وتهدد أسس الحرية الإعلامية التي نتمتع بها في بلدنا بفضل جهود جلالة الملك الذي قال ومنذ الأيام الأولى لتسلمه المسؤولية إن حرية الصحافة هي السماء وبالطبع الحرية يجب أن تقترن دائما بإطار المسؤولية.
واكد ان هناك ضرورة ملحة وحاجة ماسة للحديث عن المعايير المهنية والضوابط الأخلاقية وأتمنى ان يتم التركيز في وسائل الإعلام على المعايير المهنية و الضوابط الأخلاقية وهي لا تعيب أحدا حتى في كبرى المؤسسات الإعلامية الغربية هناك دائما مدونة سلوك أخلاقي يوقع عليها الإعلاميون قبل العمل في الوسيلة الإعلامية او في الصحافة.
وبين إن الواجب الأول والمسؤولية الكبيرة تقع على المؤسسات الإعلامية الرسمية والأهلية ووسائل الصحافة والإعلام في ضرورة تطبيق القوانين وتفعيل مواثيق المهنة لمحاسبة المسؤولين عن بث هذه الإشاعات والسموم المسيئة حفاظا على حرية الرأي والتعبير ومنع أي إساءة للأردن واستقراره.
وقال ان المسؤولية هي التي تحمي الإعلام سواء التقليدي او الالكتروني ولكن ما نشهده في المواقع الالكترونية الآن وخصوصا في التعليقات يمثل خروجا على كل التقاليد المهنية وضربا بالحائط بكل الأعراف الأخلاقية في العمل الصحفي وهذا لا يمكن ان يستمر ولا يمكن ان يعيش لأنه يعرض البلد إلى الكثير من حالات الخروج على القوانين كما انه ينتقص من حقوق الناس العاديين ويجعل أعراض الناس وحقوقهم نهبا لكل من تسول له نفسه الكتابة كيفما شاء والحكومة في نهاية المطاف مسؤولة عن حماية المواطنين ولا يمكن لها أن تسكت إزاء هذا الوضع خصوصا وان الحكومة أعطت المواقع الالكترونية وقتا كافيا لضبط نفسها وقد التقى دولة رئيس الوزراء السيد نادر الذهبي مع أصحاب المواقع الالكترونية منذ أربعة شهور وتحدث طويلا عن الضوابط المطلوبة للعمل الإعلامي وطلب منهم أن يقوموا بالوصول إلى ضوابط ذاتية لعملهم ولكن هذا لم يتم وخلال الأربعة شهور لم يحدث شيء على صعيد الضبط الذاتي للمواقع الالكترونية كما تم الاتفاق عليه وبالتالي فالحكومة مطالبة بحماية المواطنين من هذا التجني وهذا الخروج اللامسؤول على المصالح الوطنية العليا الذي تمارسه بعض المواقع ولكن الأردن دائما هو بلد الحرية وبلد حماية الحقوق والهدف ليس هو الحد من الحرية، إنما هدفنا يبقى دائما هو ضمان عدم تعريض حقوق المواطنين للخطر جراء الفهم الخاطئ للحرية والتناول اللامسؤول للقضايا في بعض المواقع الالكترونية.
وبين إن إعلام الوطن هو العين الباحثة عن الحقيقة وتقصيها لا عن نشر أنصاف الحقائق وترويج الإشاعات وهو الإعلام الذي يضع تعظيم المصلحة الوطنية العليا أولا وليس المصالح الشخصية والفئوية الضيقة وهو الأمر الذي ينطوي عليه مسؤولية كبيرة على الإعلام بإشكاله المقروء والمكتوب والمرئي، صحافة وإعلاما فضائيا والكترونيا لدوره الهام في مسيرة الأردن وتقدمه وحماية ثوابته.
واضاف إن الإعلام الالكتروني يقوم على حرية اختيار مصدر المعلومات والقدرة على الوصول إليها، وفي الوقت عينه على الشفافية وإتاحة الفرصة لإبداء الرأي إلا أن هذه الحرية والشفافية المتوفرة لا تعفي من المسؤولية المهنية لرؤساء تحرير وناشري المواقع الالكترونية والصحفيين أيضا من حيث منع نشر أي مادة صحفية إن لم تكن منسوبة إلى مصدر وموثقة بالشكل الصحيح بل ويجب على المواطن أيضا أن يقوم بدور القارئ المتفحص للمعلومة والموقع الالكتروني وأن نمارس جميعا ليس دور الرقابة بما تعنيه من قمع وضبط وإنما تقييم التجربة وتصويبها إن أمكن فكل مواطن في هذا الوطن مسؤول وكل مواطن رقيب.
وقال الدكتور الشريف ان كل مواطن اصبح صحفيا بسب هذه الثورة الإعلامية التي عصفت بالمشهد الإعلامي في السنوات الأخيرة فمن خلال المدونات يستطيع أي مواطن ان يخاطب العالم ويرسل رسائله إلى الناس في كل مكان وهذا هو العمل الصحفي في نهاية الأمر والهدف أن تصبح الرسالة الإعلامية في متناول الآخرين وهذا هو جوهر الإعلام فالمواطن أصبح الآن صحفيا يستطيع أن يكتب ويعلق وان يخاطب العالم كله كما ان المواطن يشارك في صياغة المشهد الإعلامي من خلال الصورة فيستطيع عبر هاتفه المتنقل أن يلتقط أي صورة وان يضعها على موقع الكتروني فتصبح ملك العالم كله وفي السنوات الأخيرة فان أهم الصور التي شغلت الرأي العام لم يلتقطها صحفيون محترفون بل التقطها مواطنون عاديون وأشير إلى صورة تفجيرات لندن وصور إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين هذه الصور لم يلتقطها مصورون محترفون بل التقطها مواطنون عاديون وأصبحوا صحفيين بمعنى من المعاني.
واوضح إن إشراك الناس في العملية الإعلامية هو تطور ايجابي فلم يعد العمل الصحفي حكرا على المحترفين وهذا يثري العمل الصحفي نفسه وقد بدأت العديد من الصحف التقليدية الاعتماد على كتاب المدونات المنتشرين في العالم كله واعتبارهم مراسلين متعاونين مع الصحف ومن خلالهم تستطيع ان تعرف ما يجري في العالم كله فكاتب المدونة الذي يعيش في احد أحياء بغداد مثلا يستطيع ان يرصد كل ما يجري أكثر من أي صحفي محترف قد يأتي إلى المدينة ويخشى حتى من التجول في أحيائها ولكن المواطن الذي يعيش في احد الأحياء ويعرف كل تفاصيله يعتبر اقدر على نقل الحقائق أكثر من الصحفي المحترف.
وتساءل الشريف هل تشكل الصحافة الالكترونية خطرا على الصحافة التقليدية. واجاب على السؤال بالقول ان هناك الكثير من الدراسات التي أجريت على هذا الموضوع ومعظمها يشير إلى ان المستقبل الذي يواجه الصحافة التقليدية محفوف بالمخاطر ونشرت بعض الكتب حول هذا الموضوع أشهرها كتاب the vanishing newspaper "الصحيفة المنقرضة" بل ذهب البعض إلى حد القول أن آخر صحيفة ستصدر من المطابع سيكون عام 2020 وتبارى الباحثون والدارسون في الحديث حول هذا الأمر وذهب بعض الكتاب الساخرين إلى حد القول أن الصحيفة ستبقى مهمة طالما انك لا تستطيع ان تقتل ذبابة بواسطة جهاز الحاسوب.
واضاف لقد كنت من القائلين إلى عهد قريب بان الصحافة التقليدية في مأمن وأنها لن تتأثر ولكني بدأت في الفترة الأخيرة أعيد النظر في هذا الأمر وأقول أن الصحافة التقليدية تواجه خطرا حقيقيا من الصحافة الالكترونية والدليل على ذلك أن عددا كبيرا من الصحف الكبرى في الغرب إما أنها أوقفت نسختها المطبوعة واكتفت بالنسخة الالكترونية أو أنها اختفت كليا أو أنها في بعض الحالات قلصت حجمها المطبوع مثل صحيفة USA TODAY قلصت حجم الصفحة، صحيفة Christian science monitor اختفت كطبعة تقليدية وبقيت فقط النسخة الالكترونية وأصبحت الصحف تولي مواقعها الالكترونية اهتماما كبيرا وأنا أقول ان مستقبل الصحافة التقليدية قد يكمن في طبعاتها الالكترونية فقط ويمكن للطبعات الالكترونية أن تكون ناجحة جدا شريطة توفر المردود الإعلاني ويمكن أن يكون هناك مردود إعلاني للصحافة الالكترونية والدليل أن المواقع الالكترونية العادية وخاصة الكبرى منها لديها حجم جيد من الإعلانات فإذا ما استطاعت الصحف أن تضمن نجاح مواقعها الالكترونية من حيث المردود المالي فيصبح المستقبل في هذه الحالة هو للصحافة الالكترونية ولكن الصحافة الالكترونية تحتاج إلى خبرة وتقاليد الصحافة المطبوعة فالفرق بين الصحافة الالكترونية والمطبوعة ان المطبوعة تعتمد على خبرات مهنية كبيرة فيما المدونات يكتبها أناس عاديون لا توجد لديهم الخبرة الصحافية الكافية فانا اعتقد ان المستقبل مشروط بوجود نوع من التجسير بين خبرة الصحافة المكتوبة وبين الإمكانات اللامحدودة للصحافة الالكترونية وهذا ما تفعله بعض المواقع الالكترونية الأمريكية وأشهرها موقع huffington post الأمريكي الذي أدرك رغم نجاحه الكبير انه يفتقر إلى التحقيقات الصحفية الكبيرة التي فجرت قضايا رئيسية في المجتمع الأمريكي مثل قضية ووترجيت وقضية غزو خليج الخنازير هذه القضايا فجرتها الصحافة مثل صحيفة واشنطن بوست وما لم تستطع المواقع الالكترونية خوض غمار التجربة الصحفية في كل أعماقها فإنها ستبقى على الهامش فإذن المطلوب خلق نوع من التجسير أو التعاون أو التكامل بين خبرة الصحافة التقليدية وبين إمكانات الصحافة الالكترونية بهذا نستطيع أن نشكل صحافة أو إعلام يستطيع ان ينافس في المستقبل. وتحدثت حتى الآن عن إمكانات الحرية والفضاء المفتوح أمام الإعلام الالكتروني وقلت أن المستقبل يعد بكثير من التفاؤل والأمل بالنسبة لهذا الإعلام لكن هذا الإعلام لن يستطيع أن ينافس ولن يستطيع أن يصمد ما لم يراع مسؤولية الصحافة.
وقال الدكتور الشريف إن العملية الإعلامية تحلق بجناحين احدهما الحرية والآخر المسؤولية ولا يمكن للعمل الإعلامي أن ينجح اعتمادا على جزء واحد من هذه العملية فالحرية يجب أن تقترن بالمسؤولية وليس صحيحا كما يقول غلاة الإعلاميين أن أي إضافة على كلمة الحرية تلغيها فإذا قلت الحرية المسؤولة فكأنك تلغي الحرية أنني أقول أن المسؤولية تحصن الحرية وتضمن ديمومتها وتحول بينها وبين الشطط فعندما يكثر شطط الإعلام وتغول الصحافة وتجاوزها على الحريات يخلق جو عام معاد للحرية ويسهل حينذاك اتخاذ إجراءات معادية للحريات الصحافية.
وشدد ان على الإعلام الالكتروني أن يراعي حدود المسؤولية في العمل الإعلامي بشكل عام وان يتوخي الدقة فيما ينشر وان يبتعد عن تجريح الأشخاص ونشر المعلومات قبل التأكد منها وكلنا نعرف أن بلدنا شهد في الآونة الأخيرة حالة فلتان غير مقبولة في بعض وسائل الإعلام تحديدا حيث نشرت الكثير من المقالات التي تسيء إلى الوحدة الوطنية والتي تشكك الناس في وطنهم وفي مستقبل هذا البلد مما دفع جلالة الملك وللمرة الثانية خلال عام أن يتدخل وان يضع حدا لهذه المهاترات ولهذا الكلام اللامسؤول.
واكد ان هناك تغييرات جوهرية طرأت على المشهد الإعلامي العالمي في السنوات الأخيرة وحدثت تحولات جذرية في مفهوم الإعلام ذاته بسب هذه التطورات، فمن المعروف أن الإعلام يعرف على انه رسالة يتم إرسالها من طرف فيتلقاها طرف آخر ولكن هذا التعريف بحد ذاته أصبح بحاجة إلى إعادة النظر على ضوء التغييرات التي طرأت على المشهد الإعلامي فالمتلقي أصبح مرسلا في نفس الوقت فمن يتلقى المعلومة على موقع الكتروني أو عبر الانترنت يستطيع هو نفسه أن يتحول إلى مرسل و يعلق وبالتالي يصبح شريكا في عملية التواصل الإعلامي.
كما اكد ايضا إن من أهم خصائص الإعلام الجديد والمقصود به الإعلام الالكتروني ميزتا الآنية والتفاعلية والمقصود بالآنية هو نشر الخبر ساعة وقوعه فالصحافة العادية أو التقليدية تنشر الخبر الذي يحدث الآن في اليوم التالي وقد يكون هناك فارق ساعات عديدة بين وقوع الخبر ونشره أما في الإعلام الالكتروني فالمعلومة تنشر لحظة وقوعها او بعد وقوعها بدقائق أو حتى ثوان فهذه ميزة ولكن هذه الميزة تنطوي على سلبيات عدم الدقة والتسرع في نشر معلومة غير دقيقة. الميزة الأخرى هي ميزة التفاعلية بمعنى أن المواطن يستطيع أن يتفاعل مع الخبر ويبدي رأيه حول المعلومة التي يتلقاها وبالتالي هو ليس متلقيا سلبيا ولكنه متفاعل مع ما ينشر من خلال إبداء رأيه أو تعليقه.
وكان رئيس منتدى السلط الثقافي المهندس محمد نعيم خريسات القى كلمة اكد فيها ان ظهور المواقع الالكترونية قد ارتبط بالتطور التقني واستطاعت ان تعبر الحدود والقارات دون حواجز واصبح المشهد الاعلامي اكثر سعة وانفتاح كما اصبح بامكان كل مواطن المشاركة دون قيود او رقابة كما هو الحال في الصحافة الورقية.
وتسائل المهندس الخريسات هل بامكان الصافة الالكترونية ان تكون بديلا عن الصحافة المطبوعة وهل تشكل رديفا ومكملا لها ام بديلا حقيقيا وهل ستصبح في النهاية سلطة جديدة يطلق عليها اسم السلطة الخامسة.
وفي نهاية اللقاء الندوة التي حضرها محافظ البلقاء عبد الجليل السليمات وعدد من رؤساء واعضاء الهيئات الثقافية والتطوعية سلم الدكتور الشريف دروعا لصحفيي مدينة السلط ولاصحاب المواقع الالكترونية تقديرا لجهودهم في نشر الاخبار الثقافية.