هذا وزير فاشل.. تعالوا أخرجوه..!
روى أحد السياسيين الثقاة القدماء وكان قد تقلّد مناصب أمنية وسياسية عدة في دولته، منها نائباً للوالي، ونائباً للحاكم بأمر الله، وقبلها قائداً للعسس، وكان يُعوَّل على عمل العسس كثيراً وبخاصة في حالات الفتن والفوضى التي كانت تتعرض لها الدولة بين فينة وأخرى، روى هذا السياسي أن وزيراً في مقتبل العمر وكان يشغل منصب وزير الخزانة والتجارة، كان قد اقترح على حاكم الدولة أن يفرض ضريبة خاصة على استهلاك المواطن لمادتي البندورة والبطاطا، ولمّا سأله الحاكم عن السبب، أجاب: من أجل تمكين الدولة من تمويل مشروعات فتح طرق ومرافق جديدة ينتفع بها الناس ومنها طرق زراعية ينتفع بها المزارعون البسطاء وترفع من كميات ونوعيات إنتاجهم، وبادره الحاكم بالقول: ولكن خزينة الدولة تفيض بالأموال، فما حاجتنا للمزيد، قال: ويُمكن يا سيدي أن نُحصّن الدولة بترسانة عسكرية ضخمة، فرد عليه الحاكم: ولكن لدينا هذه الترسانة ونحن نبالغ بالتسليح دون مبرر..! قال الوزير: ولكن يا سيدي نحن بحاجة إلى دعم الشرطة وقوى الأمن الداخلي والعسس.. عندها سكت الحاكم ولم يرد، وأخذ يفكّر مليّاً فيما قاله الوزير، ثم أمر بعقد اجتماع عاجل لوزرائه يحضره كبيرهم، وأصرّ بأن يكون مكان الاجتماع في الساحة العامة وسط البلد، وليشهده منْ يرغب من الناس، وحين التأم الاجتماع، أخبر الحاكم وزراءه باقتراح وزير الخزانة والتجارة، وسألهم عن رأيهم في ذلك، خاصة وأن منْ سيتأثرون هم الفقراء كونهم الأكثر استهلاكاً لمادتي البندورة والبطاطا، وكان أول من تحدّث وزير الأمن الداخلي والعسس، الذي أبدى استهجانه من الاقتراح، وقال بأن لدينا قوى أمن داخلي مجهّزة ومدربة، لا بل إننا نبالغ في ذلك كثيراً مما لا نحتاج إليه في الوقت الراهن وربما لعقود قادمة، لا سيّما وأن أوضاعنا الداخلية على أحسن ما يرام وأن الشعب راضٍ عن الحكم وسياسات الدولة، فالأوضاع مستقرة ومُطَمْئِنة داخلياً تماماً، ولا يحتاج أمننا الداخلي إلى مزيد من الدعم، وأيده بذلك وزير الحربية مضيفاً أن الدولة قوية، وأن جيشها قوي مُهاب، وأن مخصصاته السنوية أكثر من كافية.. وقال وزير المرافق العامة والأشغال: إن الوزارة قامت بفتح طرقات كثيرة في الدولة، وإن خططها تسير على ما يرام لفتح المزيد من الطرق الزراعية وإنشاء حدائق عامة جديدة ومرافق أخرى في الدولة لرفاهية الشعب، وإن المخصصات السنوية كافية لتمويل هذه المشروعات ضمن الخطط المرسومة تماماً.. وفي حين أعرب وزير الإنتاج الزراعي عن خشيته من أن يؤثر مثل هذا القرار سلباً على قطاع الزراعة في الدولة، ويؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي، ويقود في المحصّلة إلى إضعاف المزارعين البسطاء وإفقارهم، دافع وزير الإعلام عن هذا التوجّه قائلاً بأن ذلك سوف يسهم في حل مشكلة مستقبلية، وأن ترحيل الأزمات يعدّ هروباً من الواقع وأن القرار لن يمسّ السواد الأعظم من الناس..! لكن وزير التخطيط علّق على كلام الأخير قائلاً بأن الموضوع يحتاج إلى دراسة..!
عندها وجّه الحاكم كلامه لوزير الخزانة: ما رأيك..؟!!
أجاب الوزير بارتباك: نفكّر يا سيدي أيضاً برفع رواتب العاملين والموظفين في أجهزة الدولة المختلفة، فثمّة حراكات ساخطة وأخرى صاخبة تنادي بتحسين معيشة موظفي الدولة، والمخصصات المرصودة لا تكفي، وقد يكون اللجوء إلى فرض هذه الضريبة حلاًّ للمشكلة وإنقاذاً لخطة وزير تنمية قطاع الوظيفة العامة الرامية إلى وضع أسس مالية موحّدة لكافة الوظائف بصرف النظر عن أهميتها، لكنها اصطدمت بموجة رفض ومطالبات بلا حدود، لأسباب تتعلق بالتمييز والانتقائية والمزاجية وفقدان العدالة، الأمر الذي هدّد نجاحها ما لم نوفّر لها المخصصات المالية اللازمة التي فاقت قدرات الدولة وموازنتها، والتي من خلالها نستطيع إنقاذ الخطة وإرضاء قطاع واسع من موظفي الدولة وشحذ هممهم، وتحسين أدائهم، وعكْس ذلك سنجد أنفسنا في مأزق خطير...!!
وانتظر الحاكم برهة قبل أن يلتفت إلى كبير الوزراء الذي أشاح نظره عن الحاكم وطأطأ رأسه، وكأنه لا يجد ما يقوله..!! أما وزير تنمية الوظيفة العامة، الذي كان يجلس إلى جانب كبير الوزراء متظاهراً بتدوين ملاحظاته، فقد آثر الصمت، لكنه همس في أذن رئيسه: ليست مسؤوليتي وحدي سيدي.. وأنت تعلم ذلك جيداً..!! فما كان من كبير الوزراء إلاّ أن قال: هذا وزير فاشل.. تعالوا أخرجوه، وهمس في أذن وزير الإعلام مؤنِّباً بقوله: قبل أن تطلق تصريحاً تريّث قليلاً ريثما تتخلص من الإحراج..!!