الزنازين أوطان المعتقلين
ثلاثة كلمات فقط ... لكنها تكفي للتعبير عن حجم الألم وعن المخزون الكبير من العذاب الذي يستوطن في نفوسنا ونحن نمارس ولو عن بعد حقنا في الإحساس والشعور بما يعانيه ويكابده كل الأبرياء والمظلومين الذين كتب لهم القدر تمضية سنوات حياتهم وعمرهم وراء قضبان السجون ، والمعتقلات ، والزنازين ، وخصوصا أولئك الذين وضعت الأغلال والقيود في أيديهم وأرجلهم وحُرموا من حقهم في الحياة الطبيعية على خلفية نضالات وتضحيات تخص أوطانهم وشعوبهم وقضايا أمتهم .
ثلاثة كلمات فقط وردت في رواية " يا صاحبَي السجن " للشاعر والروائي الأردني أيمن العتوم ، هذه الرواية التي لا يمكن لإنسان حُر وشريف وغيور على وطنه وشعبه أن يقرأها من دون إنحباس للدموع في حدقات العيون ، فالقارىء وهو يطالع الرواية التي تتحدث عن تجربة ذاتية وشخصية لكاتبها لا يستطيع بل هو مجبر على أن يعيش الأحداث التي دَونها وسطرها الكاتب بالحب أحياناً ، وبسيف الغضب أحياناً أخرى ، فشكرا لأيمن الذي تركَ لنا بل وأعطانا درساً بالغاً في كيف يمكن أن يكون حب الوطن وترابه الغالي .
في فلسطين ، وفي أقبية وسجون القهر الصهيونية يقبع الآلآف وراء قضبان الإغتصاب والأحتلال وليس لهم من ذنب ولا تهمة سوى حب الوطن ، والإستعداد لتقديم الجسد والروح فداءً له ، فهذاالحب عند هؤلاء الرجال الأحرار لا يعترف أبدا بالموانع والمعيقات والخطوط الحمراء ، ولذلك فكل شيء عندهم مادي أو معنوي يصبح رخيصاً ما دام الأمر يتعلق بقضايا الإنتماء لهذا الوطن وما قد يتعرض له من محن وأخطار .
هل أصبحت هذه الزنازين في فلسطين أوطاناً لهؤلاء المعتقلين المعذبين ؟ هذا هوالسؤال الكبير الإستنتاجي الذي قد تثيره رواية أيمن العتوم في نفوس البعض منا ، والذي قد يرتبط بشكل مباشر مع قضية هؤلاء الآلآف من المعتقلين الفلسطينيين ، فمن هو يا ترى الحُر الفعلي على أرض فلسطين ؟ وهل يتمتع من يتحرك " بحرية " فوق تراب المدن والقرى والبلدات الفلسطينية وهو محاط من الجهات الأربعة بكل وسائل وأدوات القمع والبطش والتنكيل الصهيونية ولو بالحد الأدنى من هذه الحرية الإنسانية اللازمة للعيش والتنقل ، من هو المسجون ؟ ومن هو الحُر يا ترى ؟!
معتقلينا البواسل هم الأحرار ، وهم الذين قَهروا بصمودهم الأسطوري كيان وسلطة هذا الغاصب وقمعه ، معتقلينا الذين انتصروا على الجوع والعطش بالأمعاء الخاوية ، وعلى كل ثانويات الحياة هم الأحياء داخل أوطانهم الصغيرة الحرة من الزنازين التي يتوزعون علهيا ، أما الأموات ، فهم اؤلئك الذين لا يزالون يتربعون على بقايا منظمة تحرير ، وهم اؤلئك الذين يستحلون ويستحوذون على مقاعد واهية لسلطة وطنية عبثية ، وآخر هؤلاء الأموات فهم من صنف " القيادات " الذين لا يزالون يلتصقون بمقاعد نخرة لمكاتب سياسية ، ولجان مركزية ، لفصائل بعضها فقدَ بوصلة التحرير تماماً ، والبعض الآخر حائر ويقلب كفيه على مفترق الطرق وهو لا يعلم إلى أين يمكن أن يكون المفر ، فلا تنتظروا من الأموات لا تحرير ولا حرية !.
المجد والحياة الحرة والكريمة لا يليقان إلا لكم ما دمتم قد اخترتم أن تكونوا عنواناً للكرامة والعزة ، فيا درر ويا نجوم شعبكم الذي لن ينساكم مهما طال الزمان أو قَصر، وإن كنا لا نعلم متى ستأتي ساعة الفرج ، هذه الساعة التي انتظرها أيمن العتوم كثيراً والتهمة قصيدة حب وعشق وإنتماء لوطن ليس إلا ، ولكنها حتماً أتت وجاءت في غمضة عين من الزمن ، ولذلك فقد كتب يقول في نهاية الرواية : وطني يا أكبر من كل الأشياء ، ويا أطول من كل القامات ، ويا أبقى من كل الجلادين ، ويا أنصع من كل التهم ، ويا أجمل من كل النساء ... ها أنا ذا أخرج من السجن لأعود إليك هامةً لم تنكسر أمام الرياح ، ولم تنحني أمام الأعاصير !.