نظرية القنفذ والثعلب... ونتنياهو
من الغريب المدهش ، والعجيب المريب ، ان قادة السلطة الفلسطينية لا يزالون يلهثون وراء مفاوضات التسوية العبثية ، وانهم اعدوا لها كل ما يملكون وما لا يملكون؛ حتى انهم اخيرا يفاجئوننا بلقاءات واجتماعات تطبيعية مكثفة ، سرية وعلنية ، سواء في مقر منظمة التحرير في رام الله ، او في مبنى البرلمان الاسرائيلي "الكنيست" ، حتى انهم يستجدون اللقاءات في منزل نتنياهو نفسه ؛ لتقديم تنازلات غير مسبوقة ومجانية في المفاوضات مع اسرائيل ، لقد صرحوا بان المنظمة مستعدة للاعتراف باسرائيل على اي شكل تريده ، او تحت اي اسم تختاره ؛ مقابل ان تقدم اسرائيل خريطة تبين فيها حدودها ،او مقابل تقديم خريطة اميركية للدولة الفلسطينية العتيدة ،ضمن حدود 1967 ، تشمل القدس ، وهكذا يتعاطى قادة السلطة الفلسطينية مع حل الدولتين بكل اندفاع وتشبث وايجابية لانجاح ما يسمى عملية السلام الفاشلة ، سواء بحسن نية او استجابة لضغوط امريكية او دولية او عربية ، لقد تجاوز هؤلاء كل ما كانوا يحلمون به ويأملونه من تجميد للاستيطان بايقاف عمليات البناء الاستيطاني المستمرة بشكل جنوني محموم في القدس واراضي الضفة الفلسطينية وقضمها ، واطلاق سراح الاسرى من المسنين والنساء ، والاستناد إلى المرجعيات والقرارات الدولية ، والاتفاقيات الموقعة والتفاهمات السابقة مع اسرائيل ، وكل استحقاقات عملية التسوية ومتطلباتها والتزاماتها ، وايقاف مداهمة المنازل وملاحقة الناس واعتقالهم ، وهدم البيوت وتهجير سكانها وقلع الاشجار وحرق المزارع ، واستباحة قطعان المستوطنين ،وعبثية تصريحات نتنياهو عن المفاوضات ،والالتفاف على جهود محادثاتها لافشالها واضاعة عشرين سنة من عمرها في ظل العربدة الاسرائيلية ،والاستهانة بالشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه وسلطته ، لقد وافق قادة السلطة على العمل عبر اللجنة الرباعية الدولية ، والتحرك الامريكي الزائف الذي يقوم به كيري ، الذي برز اخيرا يهدد السلطة بالعودة إلى المفاوضات او ايقافها ، محملا اياها مسؤولية ذلك ، لقد تجاوز هؤلاء القادة كل الطروحات الدولية والقرارات الاممية ، كالرؤية الصينية لتسوية القضية ،وكل القرارات التي صدرت عن الامم المتحدة ومجلس امنها ، وهم الان باتوا يراهنون على امكانية قيام دولة فلسطينية ،ويشاركهم في ذلك العرب ، ولكنهم لم يعلموا انهم يتعاملون مع نتنياهو وحزبه المسيطر، صاحب السلوك الثعلبي ،وفق نظرية القنفذ والثعلب التي وردت في موروث الادب العالمي ، فالمعروف ان القنفذ حيوان له جلد مكسو باشواك ابرية تؤذي من يلمسها ، وكل ما يفعله القنفذ اذا ما استفز او اثير لدرأ الخطر عنه هو احد تصرفين ، يصبح كرة هامدة ثابتة لا تتحرك ويبرز ابره واشواكه الحادة ،وهو عندما يتخذ حالة الكورة هذه فهو انما يعبر عن حال عدم الارتياح ، واسقاطا على الوضع القائم ، ومماثلة لذلك ، يلاحظ في السلطة الفلسطينية هذه الايام كثرة حالة القنفذ المتكور على نفسه ، باعتبار هذه الحالة استجابة بسيطة واحدة لعشرات من حالات الاحباط المختلفة ؛ لكنها في النهاية جواب واحد يشير إلى حالة عدم الارتياح ، اما على الجانب الآخر فان سلوك نتنياهو الثعلبي ، الذي يعد العدة لكل حالة او ظرف ، ويصطنع لها الحلول والمراوغات ، ويقوم باكبر عدد من الاستجابات لكل طارئ ، فهو بذلك اروغ من ثعلب ،لان لديه مخارج واجابات واختلاقات ومسارب كثيرة متنوعة (فللقنفذ حيلة واحدة وللثعلب حيل عدة ) ؛ فيرى نتنياهو الثعلبي السلوك والتصرف والمراوغة ، ان التسوية ليست مبنية على النوايا الحسنة وشرعية وجود الكيان الصهيوني، بل تستند إلى قدرة تل ابيب على الدفاع عن نفسها ، في اشارة إلى قدرة الردع الاسرائيلي ، فهو تارة يدعو إلى مفاوضات مباشرة دون شروط ، لتخدير الطرف الاخر ، ومرة يؤكد هو ووزراؤه وقادته على دعم الاستيطان ، ورفض فكرة اقامة دولة فلسطينية ، التي يرون انها قد تشكل خطرا على كيانهم ، وهم يحاولون في خطاباتهم وتصريحاتهم الايحاء بالارتباط التاريخي بين فلسطين مع اجزاء اخرى من الوطن العربي وبين يهوديتهم ، ويذكر الثعلب نتنياهو في احدى مراوغاته ،ان اي حلول مع الفلسطينيين سيكون مع بقاء ووجود المستوطين والمستوطنات في الضفة الغربية ، لان هذه عبارة عن تغييرات جغرافية وديموغرافية طبيعية كما يدعي ، وليس احتلالا ، محاولا فرض سياسة الامر الواقع ، ويقول ايضا ان لا وجود لدولة فلسطين على كامل حدود 1976 ؛ لان اسرائيل لا تستطيع الدفاع عن نفسها بعرض تسعة اميال ، وبالتالي فمن حقها ان تضم اليها ما تشاء وما هو ضروري لامنها والدفاع عن حدودها!!
ان خطابات وتصريحات نتنياهو والقادة العسكريين والسياسيين في اسرائيل تفقد الامل النهائي في امكانية قيام سلام مع الدولة الصهيونية ، فعلى الرغم من مرور عشرين سنة من عمر المفاوضات العبثية ، وبالرغم من وجود اتفاقيات سلام بين اسرائيل وبعض الدول العربية، وبالرغم من مبادرة السلام العربية الاولى عام 2002 ، والثانية في هذا العام 2013 ، والتي تعلن صراحة موافقة النظام الرسمي العربي على القبول بما تطرحه اسرائيل في مراوغاتها بتبادل طفيف للاراضي مع اسرائيل في حدود 1976 ، وبالرغم من الاستعداد الرسمي الفلسطيني للقبول باقامة دولة فلسطينية على مساحة اقل من 22% من فلسطين التاريخية ، فما زاد ذلك نتنياهو وصهاينته الا تعسفا وغطرسة ، وتنكرا للحقوق الوطنية الفلسطينية ،وفرضا للمزيد من الاشتراطات والاملاءات المستمرة والمتجددة ، لقد ردت اسرائيل على المبادرة العربية الاخيرة التي قدمها وفد الجامعة العربية إلى وشنطون بالسخرية والموافقة على بناء مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في القدس الشرقية واراضي الضفة الغربية.
ومن مراوغات نتنياهو الثعلبية ، انه على استعداد لجمع حكومته للمطالبة بتجميد البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ؛ بشرط قيام القيادة الفلسطينية بالاعتراف امام شعبها بلا لبس اوغموض او تغطية بانها تعترف باسرائيل الدولة والوطن للشعب اليهودي ، ومن مراوغاته انه عرض على الفلسطينيين انه سيدعو الليكود إلى تقبل فكرة دولة فلسطينية مؤقتة الحدود !!!وما هم بقابلين .
باختصارشديد ، وبصريح العبارة ، فان اسرائيل ليس لديها اي مشروع او خطة مطروحة او حتى فكرة ناضجة للانسحاب لحدود 1967 ، وانما هي تطرح اصلا ما يسمى بتبادل اراضي، وتراهن على كسب الوقت وتمديده إلى ما لا نهاية ، بانتظار ما سيحدث في المنطقة التي تحلم في انها ستسيطر عليها ، وتكون هي الآمر الناهي فيها .
لقد ضربت اسرائيل بالجهود الدولية والعربية الرامية إلى التسوية وحل الدولتين عرض الحائط ، فلا تنتظروا منها ايها الفلسطينيون والعرب الا التوسع وقضم الاراضي والزحف إلى اهدافها الكبرى التي ستكون على ابوابكم ، فهلا يكف البعض عن الاستجداء والتذلل امام منزل نتنياهو ، او في كنيستهم ، والتعلل باميركا وكيري واوروبا، لقد ردوا قريبا على المقاطعة الاوروبية للمستعمرات الاسرائيلية بقرار بناء 1000 وحدة استيطانية جديدة ، فهم لا يكترثون بالعالم كله ، بمنظماته وهيئاته ومجلس امنه ، فالواقع ينبؤنا بكل احداثياته ان اسرائيل تفهم التسوية المؤقتة مع الفلسطينيين والعرب بالرضوخ والاستكانة والاستسلام الكامل لكل اشتراطاتها واملاءاتها التعسفية ، وقادتها شديدوا الاعتقاد بحقهم التاريخي اليهودي في الضفة الغربية (يهودا والسامرا) ويعملون بكل جهودهم علنا ووراء الكواليس لتحقيق اهدافهم وحلمهم الكبير، الذي يراودهم منذ تأسيس الصهيونية ، فهلا يكف القادة الفلسطينيون عن تصوراتهم بامكانية جنوح اسرائيل للسلام ، ذلك الضرب الخيالي البعيد!!!
انهم يعملون لتحقيق حلمهم الاكبر هذا منذ تأسيس الحركة الصهيونية ووضع اهدافها ومخططاتها التوسعية (من الفرات إلى النيل حدودك يا اسرائيل ) سرا وعلانية ؛ ولكن الوقت لم يحن بعد لتنفيذ خططهم ، لان ليس لديهم قوة ديموغرافية للسيطرة على كافة هذه المناطق الشاسعة الواسعة ، ولان الوضع الدولي الحالي لايسمح او يسعف بتوسع جغرافي لاسرائيل ، ولا يمكنهم في الوقت الحالي اجراء عمليات ترانسفير لعرب 48 ؛ لذلك فانهم يؤجلون تلك المخططات الخبيثة إلى ان تحين فرصتهم وتكتمل عدتهم ، فيكفي ان نعلم ان حرص اسرائيل على ان تكون دولة يهودية لليهود فقط هذا وحده يقوض كل الفرضيات والاساسات المطروحة من مفاوضات سلام إلى انسحاب الى اقامة دولة فلسطينية ...