الديمقراطيه العسكريه وجه جديد لحكم مصر!
المراقب للأحداث الأخيرة التي حدثت في الشقيقة مصر يستنتج بشكل واضح أن الذي حصل هو انقلاب عسكري (انقلاب على الشرعيه المنتخبه ) ، وما دعوة وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالفتاح السيسى الجماهير المصريه للنزول إلى الشوارع والميادين يوم الجمعة الماضي، فى ظل وجود رئيس للدولة (مؤقت) وكذلك في ظل وجود رئيس للحكومة مكلّف ، الاّ تأكيدا على هذا الانقلاب ، فانفراد وزير الدفاع في القرار يدل عل أنه صاحب السلطة الحقيقيه في حكم الانقلاب، وحتى نقف على الهدف الحقيقي من وراء هذه الدعوه نقول أن الهدف كان الحصول على شرعية انقلاب بمشاركة الشعب، وليس انقلاب باسم الشعب كما كان يعلن سابقا في الانقلابات العسكريه التقليديه .
انقلاب عسكري يؤيده نسبة من الشعب وتؤيده بعض القوى السياسيه ولعل تأييد القوى الليبرالية و اليسارية و الوطنية للانقلاب في مصر يوفر مؤشرات غنية للاستقراء في تأسيس نموذج جديد للديمقراطية وهو ما يمكن تسميته بـ"الديمقراطية العسكريه" ، ديمقراطية مبتدعه لم نقرأ عنها في كتب العلوم السياسية ، ولم تكن مدرجه ضمن نظريات الديمقراطية التي عرفتها أنظمة الحكم على مدار تاريخ البشريه ، الغريب أن نسبة لا بأس بها من الشعب المصري أيدت شرعية الانقلاب وتبنت خارطة حكم العسكر وفي الاسباب والعوامل التي أدت الى تغير منظومة القيم السياسيه لدى الشعب المصري للوصول الى ديمقراطية مدنية حقيقيه يطول الحديث ولكن من الواضح أن فشل ما يسمى بالربيع العربي في احداث ثورة حقيقه تلبي رغبة الشعوب كان من أهم الاسباب ، فالقتل والتشريد وتفكيك الجيوش وتدمير البنية التحتية لدول الربيع العربي وانعدام الأمن فيها أدى بالشعوب العربية للوصول الى مرحلة الاحباط .
الحقيقة أن التجربة المصريه الجديده تقدم نموذجا مختلفا عن الديمقراطيات التي عرفتها أنظمة الحكم المدنية الحديثه بل نعتبرها انقلابا على المفاهيم التقليديه التي عرفتها ثورات الشعوب ، فالثورات تصنع الدساتير وعليها يتم انتخاب الرئيس والبرلمان ، ادارة مدنية تحكم البلاد ، أما أن يتم تعين رئيس دوله ورئيس حكومة بدون دستور ومن قبل حاكم عسكري ويجد لنفسه شرعية شعبية وحزبيه( نسبيه) فهذا لم يعرفه التاريخ ، وهو بالتأكيد لايدخل في قائمة الانقلابات العسكرية التقليديه.
مثل هذ التطور الدراماتيكي لايمكن أن يتم دون موافقة ومباركة الدول العظمى ، تمهيدا لتأسيس شرق أوسط جديد ، وخصوصا بعدما نفضت واشنطن وحلفائها أيديهم من مشروع الإسلام السياسي في المنطقة برمتها بعد ان استنفذ أهدافه غير المعلنة .
وفي حال نجاح النموذج المصري الجديد مرحليا، فانه قد يشكل نموذجا قابلا للتطبيق في مختلف دول الربيع العربي وها هي تونس تستعبد لتطبيق النموذج المصري فبعد اغتيال المعارض التونسي النائب محمد البراهمى، تشهد تونس حاليا مظاهرات تتزايد حدتها يوما بعد يوم تمهيدا للانقلاب على الشرعية بقيادة حركة تمرد التونسيه ، ويبدو ان مشروع دفن الربيع العربي بدا ينفّذ على أرض الواقع وبقيادة محور دول الاعتدال العربي التي سعت جاهدة لإفشال مشروع الثورات العربية الذي شكّل خطرا لأنظمتها الوراثية .
وفي قناعتنا أن مثل هذه الأنظمة الجديدة ( الديمقراطية العسكرية ) لا تمثل البتة نموذجاً للتحول الديمقراطي المنشود، ولن يكتب لها النجاح في المدى البعيد وسوف يستعيد الشعب وعيه السياسي ويتمرد من جديد ، وسوف يثتبت التاريخ أن ما يحدث في مصر إنما يشكل حلقة في مرحلة تغيير تاريخية بدأت مع انطلاق الربيع العربي ، وسوف تنتهي بديمقراطية حقيقية ولكنها لن تحدث في شهور بل تحتاج الى سنين .
اللهم احفظ شعب مصر وشعوب الامة العربية من كيد المتآمرين ...اللهم آمين