"شوربة"
في احد "الرمضانات" السابقة دعيت الى "فطور" عمل في أحد فنادق عمان كانت قد نظمته غرفة صناعة عمان، تفاجأت عند الوصول بأن وزير العمل آنذاك - الذي لا أذكر لا إسمه ولا شكله - قد حضر "بجلالة قدره"، كانت المحادثات والتي كانت قبل الافطار تنصب حول كيفية رفد الاقتصاد الوطني عن طريق الصادرات الصناعية، وما ان جاء موعد الإفطار حتى بدأ الحاضرون بالتململ "وسلق" القرارت تباعا، ليتفرغوا بعدها لـ "البوفيه المفتوح".
بدون أن أخبركم فإنكم ستستنتجون أنه الى جانبي وعلى نفس الطاولة أحد أصحاب "الكروش" العملاقة كما هي العادة، المهم أتى النداء المنتظر ودعي الى الصلاة فلبي النداء بالاستعداد الى الطعام .
من أدبيات الطعام أن تبدأ بالتمر والماء، وتتبعه بما تيسر من "شوربة"، نظرت الى الرجل واذا بيده لا تمتد الى الطعام، اندهشت من الامر لسببين، الاول: انه كان يتأوه منذ قليل من الجوع، والثاني: أن شاكلته لا تدل على أنه من "ضيوف نبي الله ابراهيم " الذين جاؤوا لأمر قوم لوط، ففزع منهم حينما رأى أيديهم لا تصل الى العجل الحنيذ .
جاء "الجرسون" بـ "الشوربة"، ولما أراد أن يمنحه شيئا مما في قدره، صاح به وقال اياك أن تفعل، "هو أنا جاي على بوفيه مفتوح عشان أعبي معدتي مي"، وما لبث أن ذهب الى "البوفيه" وعاد بأطباق خُيّل اليّ أنها من طعام أهل الجنة....
أخبرني أحدهم بعدها أن صاحبنا ممن تلوثت أيديهم بقضايا الفساد التي يئن منها وطني حتى اليوم....
أدركت بعدها أن الموضوع كله "شوربة"
اليوم أقول أننا كلنا ضحايا لهذه "التصبيرة" المسماة "شوربة"....
فإخوان مصر حينما حكموا كانوا يعتقدون أن الامر "شوربة"....
والسيسي اليوم يعتقد أن الامر "شوربة".....
"دولة العراق والشام" حينما أُعلنت كان القصد منها جعل مسألة الثورة "شوربة"....
و "اسرائيل" حينما حاولت اجتياح لبنان 2006 وغزة 2008 كانت تعتقد أنها جولة "شوربة"....
والغرب حينما أراد اعادة ترتيب المنطقة أطلق على العملية تسمية "الفوضى الخلاقة" يعني بالشعبي "شوربة"
والانظمة العربية حينما بطشت بشعوبها كانت تظن أن الامر "شوربة"....
وشعوب الربيع العربي ظنت أن الخلل قد انتهى وأن الديمقراطية يمكن تحقيقها بقعدة "شوربة"
ولدي الصغير يطلق تسمية "شوبرة" على طبخة "الشوربة"
وأنا اليوم أقول لكم لا تنتظروا الخير الكثير مما يدور حولكم فالمسألة حقيقة "شوربة"
أيّ بنيّ أعذرك على تلعثمك في ترتيب حروف "الشوربة"، فغيرك الكثير من حملة الشهادات يتلعثمون في أصل المفهوم وربما يدعونها "سوب" من باب تجميلها، وما هي الا "شوربة"...
محمد حسني الشريف