بطل حجي جابر يغادر وطنه بحثاً عنه

تم نشره الخميس 01st آب / أغسطس 2013 10:18 صباحاً
بطل حجي جابر يغادر وطنه بحثاً عنه
صورة من الرواية

المدينة نيوز - من نهاية الحلم، تبدأ رواية «مرسى فاطمة» (المركز الثقافي العربي) للكاتب الإريتري حجي جابر، الحائز جائزة «الشارقة للإبداع العربي» عن روايته «سمراويت» (2012). يستهل الكاتب روايته بهذا الحلم ليشي بالمدلول الرمزي للمشكلات والصعاب التي تنتظر البطل وحبيبته خلال مجريات السرد. وارتفع هذا الاستهلال- الذي استطاع من خلاله الكاتب أن يكثف موضوعه في شكل رمزي- بالعمل إلى مستوى الاستعارة الأدبية القادرة على اختراق حجب الزمن وعلى تلخيص وضع إنساني أليم خارج إطار اللحظة الزمنية التي تتناولها الرواية وخارج حدود الواقع الجغرافي الذي تصدر عنه.

يلعب التمهيد للرواية بهذا الحلم دوراً مهماً في بنيتها السردية، ليس فقط لأنه ينطوي على تلخيص كامل للموضوع الروائي، إذا شئنا استخدام هذا المصطلح، وإنما لكونه يستوعب أيضاً، في إطار بنيته التي تقترب من بنية الأمثولة الرمزية (اليغوريا)، بنية العمل الروائي برمته. إنه يطرح هذه البنية في شكل تراجيدي يتساوى مع طموح الرواية في تسجيل رغبة البطل في لقاء حبيبته سلمى. هكذا سافر وتغرب ظناً منه أنها سافرت، في حين أنها لا تزال في «مرسى فاطمة»، وأخذت بدورها تتعقب أثره.

تكشف رحلة البحث هذه بذور مفهوم غامض للأحداث الاجتماعية، يقترب من النظرة المادية التاريخية أو الحتمية العلمية. فكأن المؤلف أحس بأن الإنسان هو نتاج مجتمعه وظروفه التاريخية، فأتى الزمن عنصراً دائم الحضور في جوانب الرواية كلها. والزمن عند حجي جابر ليس تتابعاً لما يمكن قياسه بالدقائق أو الساعات، كما أنه ليس بالبعد الميتافيزيقي الذي يقوم كحد للوجود وكنطاق لسير الأحداث، بل إنه طاقة حية وقوة داخلية فاعلة في النفس الإنسانية.

تقع أحداث الرواية في تواريخ متسلسلة، ما عدا بعض المرات التي كان يسترجع فيها البطل لقاءاته مع حبيبته سلمى: «بينما أخذتني لحظة السعادة النادرة هذه إلى أحضان سلمى... عدت إلى خيمتي، وأنا أسترجع كيف باغتتني سلمى بفكرة مجنونة...». ويُمكن أن نلحظ ايضاً في كل مرحلة من مراحل السرد، ظهور عامل إيجابي (مساعد) يسهل أمام البطل مهمة تجاوز محنته: بداية من خلال جبريل الذي ساعده على السفر إلى «ساوا» ليلقى سلمى. ومن ثم يظهر كداني ليخلصه من هذا المكان، ويسهل له فكرة هروبه... وفي مرحلة لاحقة، تُساعده أم أو أب على تخفيف ألمه وتحمل عذاباته. وأخيراً يظهر أمير، الذي يتخلى عن عرض السفر إلى إيطاليا لمصلحة صديقه بطل الرواية. أما العامل «المعاكس» فهو عدم وجود أي أثر لحبيبته سلمى.

ويُمكن القارئ أن يلحظ حضوراً بارزاً لعنصر المكان على مسرح السرد الوجداني لصور اجتماعية أليمة: دولة «الشفتا»، حيث اعتقل في الحاوية وهي تضج بالمرضى والمستضعفين، ثم في سجن الحرس السوداني، تالياً الشجراب، حتى وصل إلى «سيناء» وأصبح على مقربة من إسرائيل التي رفض الدخول إليها، قبل أن يعود إلى نقطة الانطلاق «مرسى فاطمة». وفي رحلة القهر والسجن والتعذيب هذه، يتحول الإنسان إلى مجرد رقم. يقول أحد الجنود لأم أو أب «أنا أعرف رقمك سيدتي، ألست 601؟ أنا أسأل عن رقمَي الشابين».

تحمل رواية «مَرسى فاطمة» شهادة صريحة وجريئة في أوضاع المجتمع الذي تصوره: الحب، السجن، الفقر، الظلم، الاتجار بالبشر ...

وإن كان التحديد الكلاسيكي للرواية يقوم على سرد الحوادث المتشابكة والمتفاعلة في تطورها من العقدة الأساسية إلى الهيكل أو النهاية. نرى أن حجي جابر تحرر من كلاسيكية هذا التحديد ليجعل من مقدمة روايته، أو من إطار واضح الزمان والمكان، موقفاً وجدانياً يخطر عبره أشخاص يستمدون حيويتهم من عاطفة حب تعصف بقلوبهم، لا مما يفرضه السرد الروائي المتدرج، وتتراءى من خلاله أحداث تولد وتموت بين صفحات الكتاب. ففي الرواية نماذج بشرية حية، يُبرز الكاتب نتوءات شخصياتها بحركة، أو مناجاة، أو حوار قصير. ويمر قلمه على مجتمعه بوصف يتضمن ما يتضمنه من وعي للحقيقة وللواقع المفجع، ما يسبب هواجس لـ «أنا» المواطن، الذي يبحث عن خشبة خلاص في بلاده. وقد تجسدت، هنا في سلمى، التي هي كما يروي البطل «حلم بحجم الوطن، بين يديها أشعر بالأمان، ولجبينها الأسمر أنتمي. سلمى لغتي وحدودي وخريطة وعيي واحتياجاتي».

إن قارئ روايات «حجي جابر»، يُدرك أن هذا الكاتب متمكن من الأصول الروائية، الكلاسيكية منها والحديثة. وفي «مرسى فاطمة»، لم يتفنن الكاتب في موضوعه، بل قدم ببساطة موضوعاً عادياً يلم به كل مَن عاش في تلك البلاد.

وإن كانت الرواية تقوم على حدث واحد، هو غياب سلمى المفاجئ، إلا أن الكاتب قدم صوراً متناثرة من حياة بلده الذي عاش فيه... كانت تلك الصور عبارة عن لوحات تعكس حوادث ووقائع حصلت هنا وهناك على أرض بلاده. أما عندما تنتهي الرواية، فتخرج فارغ الرأس من كل هذا، ولا تسيطر عليك إلا صورة واحدة وشاملة: صورة مواطن يبحث عن وطن له. ( الحياة )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات