لا صوت يعلو فوق صوت مصر
لا صوت يعلو اليوم على صوت مصر، ولا حدث يتقدم على مصر، إنها اليوم بدمائها فوق الجميع، وهي بأحزانها تظلل الأمة وتطغى على آمالها، وهي بأشلائها تؤلم كل قلب، وتحزن كل العرب، عيوننا إليك تتطلع يا مصر، وقلوبنا تضطرب من أجلك، إلى أين يا مصر قد مضيت، وأي سبيلٍ سلكت، وأي دماءٍ سفكت، أي ناصحٍ صدقت، وأي صديقٍ فضلت، وأي غيورٍ أمنت، وأي مجرمٍ اتبعت، ملعونٌ في التاريخ من سفك دماء المصريين، ومن فرط في حياة أبنائهم الطيبين، ملعون من عكر مياه النيل، وخائنٌ من بال في بحر المصريين، من يتحمل مسؤولية الدماء، ومن ذاك الذي أصدر القرار بالقتل، لن يرحم التاريخ من أصدر الأمر، ولا من فوض القائد العام بالأمر لينفذ، لن تذهب الدماء سدىً، ولن يفرط فيها ولي الدم، إنها دماءٌ طاهرةٌ بريئة، صدقت الديمقراطية، وآمنت بزوال عهود الظلم والاستبداد، لن تبتلع أرض مصر الدماء، ولن يمتصها التراب، ولن تجففها الشمس، ولن تتبخر في السماء، ستبقى هذه الدماء لعنةً تلاحق الفريق واللواء والرئيس والوزير والضابط والشرطي والآمر والأمين، وهي ستلعن كل الأصوات المتآمرة، والأقلام الحاقدة، والشاشات المسمومة، والصحف السوداء الأثيمة، القتلى اليوم على أرض الكنانة، وفي ميدان الصوفية العابدة رابعة العدوية، وفي ميادين الثورة والنهضة والنصر عابدين وكل الساحات، في القاهرة والاسكندرية، وفي المنوفية وبور سعيد، وفي السويس والإسماعيلية، إنهم نساءٌ ورجال، وبناتٌ وأطفال، وشيوخٌ وشباب، إنهم كل مصر، بمدنها وقراها ونجوعها، بل هم كل الأمة العربية والإسلامية، ويلي عليك يا مصر، ماذا صنعت يداك، بل ماذا دهاك، واحر قلباه يا مصر، واحر قلباه يا أرض الكنانة، من هذا الذي غرر بك وساقك إلى حتفك، وقادك إلى مذبح رجالك، كيف سينام من أطلق الرصاص وقتل، وكيف سيضحك مع أطفاله من اغتال البسمة من على الشفاه، كيف سيعيش من يتم الأطفال، وقتل الأمهات والأخوات، وحرق قلوب الأسر على أكبادها، إنه سيأكل خبزاً ممزوجاً ببقايا لحم المصريين، وسيشرب ماءاً مخلوطاً بدماء الأبرياء، توقفي يا مصر واعقلي، كفي عن القتل وارعوي، عودي إلى رشدك واهدأي ...فلن ينفعك اليوم سوى أبنائك، ولن يضمد جراحك غير أولادك، ولن يذرف عليك الدمع سوى نسائك،وكفاك ما حدث، وعوضك الله عما وقع، واندمي على ما ارتكبت، واستغفري الله على ما أذنبت، وتبرأي مما كسبته أيدي المجرمين القتلة، المرتهنين المرتزقة، الضالين الفسقة، ولكن إلى الحق أوبي، وبالشرعية تمسكي، وإلى جادة الصواب ارجعي ...