مسرحية "ترنيمة الحوت المهجور" تسبر اعماق النفس البشرية

المدينة نيوز -: سبر العرض المسرحي "ترنيمة الحوت المهجور" من تأليف الكاتب المسرحي الفرنسي المعاصر إيف لوبو وإخراج أريج الجبور، أعماق النفس البشرية بما تحويه من هواجس ومخاوف بالإضافة الى الذاتية (الايجوستية) التي اجتاحت النفوس البشرية في عالم سيطرت فيه القيم المادية على ما سواها من قيم جمالية وأخلاقية بما فيها اقرب العلاقات الانسانية بين الام وابنائها.
العرض الذي قدم على مسرح هاني صنوبر في المركز الثقافي الملكي ضمن مهرجان عمون لمسرح الشباب الثاني عشر، استهل مشاهده بمؤثرات صوتية تمثل صوت حوت ممزوجة بموسيقا ذات صخب وضجيج يعكس حالة من الالم المرير والذي حجب صوت الممثلة التي جسدت دور الام مرام ابو الهيجاء حال دخولها الخشبة باتجاه كرسي بمسند طويل يحوي نافذة يتخللها قضيبان كانه باب، ومتموضع في بقعة ضوء، بمنتصف الخشبة شبه المعتمة، حيث رددت "الابواب المغلقة تكون اكثر امانا على اصحابها اما المفتوحة بتجيب البرد".
يتناول العرض حكاية ام وحيدة وارملة بدت على وجهها علامات الزمن ، وشارفت على عمر متقدم، ويجتمع ابنها وابنتها في بيتها ليخبراها بانها يجب ان تترك منزلها كي تذهب الى بيت العجزة لأنها اصبحت مسنة ولن تتمكن من العيش بمفردها ، فيما كانت تتمنى هي ان تقضي ما تبقى لها من العمر في صحبة احد ابنائها وان لا تكون مكافأتهما لها هجرها وتركها كالحوت المستقر في قاع البحر يردد ترنيمة حزنه وآلامه.
المسرحية عبرت من خلال عناصر فضآتها المشكلة من سينوغرافيا واداء تمثيلي وتوظيف إخراجي عن محمولات ذات عدة مضامين وجودية منها حالة الجفاء والقطيعة ما بين الماضي والحاضر وتحميل الجيل اللاحق للجيل السابق تبعات ظروف ما يعيشه من ازمات فيما يتناسى الجيل الجديد ان دورة الزمن ستطويه ايضا ويصبح قديما، إضافة الى علاقة الانسان بالمكان والزمان .
وفقت المخرجة الجبور في العرض الذي جاء وفق اسلوب المدرسة الواقعية والملهاة الراقية ذات الطابع الجاد في انتقاد الواقع المعاصر بدون قسوة غالباً، بتوظيف عناصر السينوغرافيا ولاسيما الاضاءة التي جاءت متحركة ومتغيرة بحسب متطلبات العرض وساهمت كثيرا في حمل الكثير من الدلالات البصرية التي تساوقت مع الاداء المتميز للممثلين زيد خليل مصطفى بدور الابن ونهى سمارة بدور الابنة والتي قدمت مستوى رفيعا من خلال اندماجها بأداء الشخصية وهو ما كشف عن قدرات مميزة جديدة لها بالإضافة الى شخصية الام التي ادتها مرام.
العرض المسرحي "ترنيمة الحوت المهجور"، الذي اقترب كثيرا من "البنترية" حيث تتسم الشخصيات والمواقف بالتعقيد والحوار المتلعثم واثارة الشكوك حول الهوية اضافة الى اجواء التهديد بالخطر ، وغابت عنه الكتل الديكورية باستثناء الكرسي وما حمله من مدلولات، اتكأ بشكل رئيس على أداء الممثلين الذين لربما تباروا فيما بينهم لتقديم أداء رفيع المستوى ولا سيما محاولات زيد مصطفى في كسر الجدار الرابع في المسرح، من خلال تعليقاته اللفظية الطريفة التي تناولت المسرحية والراهن في الحياة، إضافة إلى لوحة الرقص النقري التي شارك فيها مع نهى سمارة والمنولوجات المعبرة .
وكانت عرضت على مسرح محمود أبو غريب في المركز "مسرحية البداية" من تأليف الكاتب العراقي سعدون العبيدي واخراج محمد الردايدة وتمثيل وليد الجيزاوي ونضال البتيري ومحمد الجيزاوي، وتناولت بسوداوية قاتمة حال الواقع الراهن في عدد من المجتمعات العربية وما تعانيه من كوارث الموت والدمار.
العرض الذي لم يوفق المخرج الردايدة فيه من توظيف مختلف عناصر الفضاء المسرحي جاء متشظيا ومحملا بالكثير من الاخطاء الاخراجية والفنية وان كانت قدرات وخبرات الممثلين سعت الى النهوض بالعرض ولا سيما الفنان نضال البتيري الذي ادى دور حفار القبور، الا ان الاداء بشكله الجمعي جاء متصلبا لا يتساوق مع سخونة الحالة التي يطرحها العرض وهو ما يلقي باللوم على الاخراج.
السينوغرافيا لم تكن منسجمة مع مشاهد العرض من بداية الاستهلال الذي جاءت فيه الموسيقى رومنسية حالمة فيما يطل الموت من بعيد محملا بأصوات التفجير والقتال، علاوة على ان القبور التي شكلت الكتل الديكورية على الخشبة حيث مجريات الحدث في مقبرة ، جاءت حديثة جديدة لم تحمل اي دلالات عن كونها لموتى حديثي العهد ام اموات سابقين، في حين سيطرت الاضاءة الحمراء بشكل ثابت على معظم مشاهد العرض دون توظيف موفق لعنصر الاضاءة.
(بترا)