رثاء الفقيد الحاج محمد سليمان أبوقديري
رثاء الفقيد الغالي المرحوم الحاج/ محمد سليمان أبوقديري
قال تعالى:
(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية
فادخلي في عبــادي وادخلي جنتي ). صــدق الله العظيــم.
فقيدنا الغالي
ريت المنايا اللي عليها الملامة كانت بعمري وصار مهما صـار
يابـو الفضايـل والعــزم والكرامــة حامـي حمانـا وللعــدا قهـــار
كنت المحبة وكنت رمــز وعلامة جامع شــمل كل الأهل والجار
طول الزمن مشهود لك بالشــهامة الســاس ثابت والفروع كبار
بيت الأصـل يا أبوي باقي دعامة راســي وما ينهز مهما صــار
بيتك شـــرف مع عـز عالي مقامه محفوظ ما يعلق عليه غبــار
يرحمك ربي يا حفيــظ الســلامة ونلقــاك في الجنة مع الأبـــرار
والدي الحبيب: كم كان رحيلك مفجعاً ومزعجاً لكن إرادة الله شاءت أن تهونه علينا قليلاً، فقد شهد رحيلك العديد من الكرامات والفضائل بإذن الله، نعم لقد أكرمك الله بصيام العشر الأوائل من شهر رمضان المبارك رغم مرضك وهن رحمة، ورحلت في أوسطه وهن مغفرة، وزادك الله من مكارمه لترحل عن هذه الدنيا الفانية والقاسية أثناء صلاة الجمعة المباركة، وفي اللحظة التي كان ينادي فيها المؤذن لصلاة الجمعة قائلاً: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله". نعم أبتاه في تلك اللحظات المباركة والمعطرة بذكر الرحمن فاضت روحك الطاهرة الطيبة المعطاءة النقية، لكن الابتسامة ارتسمت على محياك الملائكي المشرق السمح وأبت أن تفارقه. وفي عزاءك أيها الحبيب الغالي التقى جميع الأحبة الأوفياء، يحمل كل منهم في قلبه بعضًا من نبضك، وفي ضميره عبقاً من حبك، وفي ذاكرته آلآف القصص والروايات عن رجولتك وهمتك وطيبتك وشهامتك وجمال سريرتك، نعم أيها الحبيب لقد جاء محبيك من كل حدبٍ وصوب لا ليشيعوا جسدك الطاهر ويبكوا غيابك المؤلم فحسب، إنما ليعبروا عن وفائهم واعتزازهم بتلك القيم النبيلة التي كنت تحملها وتكافح من أجلها وعشت بها ولها.
نعم يا شيخنا
حلّت بشهر الصوم كاسات المنى مراً ودمع العين كان يدور
أبتـــاه قــد كـلّ الطبيـب وقــال لي أن الحيــاة تعبـدُ ومـــرور
أبتــاه قــد عـز اللقــاء وفارقـت عيناك دنيا شــابها التكديــر
أبتــاه يا كبدي ولوعــة مهجتي قــد زال صفو كنت فيه خبير
أبكيـك حتى نلتقــي في جنــة بريـاض خلد زينتهــا الحـــــور
قلبي وعقلي واللســـان ومهجتي لك داعياً والله جـدُ غفــور
يا رب أســـكن والـدي في جنة تـزدان فيها أنهـر وقصــــور
لقد غافلتنا جميعاً أيها الطود الشامخ ورحلت، رحلت دون أن نقرأ بين سطور أيامك الأخيرة رغبتك في الرحيل، لتطوي بذلك صفحات عمرك المضمخ بعبق الأرض والصحراء وعرق الجد والبناء ومسيرتك الغنية بالعطاء، رحلت يا أبتاه وأنت بكامل إدراكك وبهائك وهيبتك. رحلت ملبياً نداء ربك الذي أمهلك يومين ليتسنى لي احتضان أنفاسك الطاهرة ولثم جبينك الوضاء. لقد غافلتنا ورحلت بهدوئك المعتاد الذي يُخفي خلفه قلباً كبيراً شعاره الطيبة وروحاً نقية عنوانها التسامح.
أبتاه
تعـذر في وداعك ما أقولا فإن الصمت في الخطب رســـولا
جئنا وعمرو ضارعين لربنا أن يحفـظ الشيخ الجليل طويلا
أبتاه في يـوم الفراق تكسـرت كـل القلـوب تحسـراً وعويلا
يا أيها الشــيخ المحب لربعه يا مـن تجازي بالجميل جميلا
لله درك مـن مـلاك طـاهــــر إنـا نفـاخــر فيـك كـل عــذولا
يا من له كل القلـوب تهافتـت هيهـات مثلك للثـرى محمولا
في ذلك اليــوم المرير تعطلـت لغـة الكـلام ولم أزل مذهولا
آآآآه من الأيام يا شـيخ القُرا تُعمي القلوب وسرها مجهولا
آآآآه من الإنسان يا بحر الوفا من لي بغيرك ناصحاً مأمولا
أيها الحاضر في ضمائرنا جميعاً هل تعلم أنك لم تمت كلك؟ فبينما وارينا في الثرى ذلك الجسد الطاهر، سَكَنتْ في وجداننا وضمائرنا تلك الروح النقية الطاهرة التي كانت نبراسًا ونورًا وظلًا نستظلّ به. نعم لقد افتقدناك، وبغيابك عرفنا معنى الفقدان وأساه وقسوته. افتقدنا دفئك وحضورك المهيب، افتقدنا حكمتك وأبوّتك، افتقدنا آخر كلمة همست لي بها قبل رحيلك وأنت تتمعن وجهي الشاحب بعينيك الحانيتين وتقول: (يا ابوي). غافلتنا ورحلت يا عمودًا يتوسط خيمة الفضيلة ويرتدي عباءة الإنسانية. غافلتنا ورحلت أيها العظيم وتركت في القلب لوعة، وفي العين دمعة، وفي النفس غصّة. غافلتنا ورحلت أيها الأب الحاني، وإنّا على فراقك لمحزونون. ولكننا لن نقول إلا ما يرضي الله تعالى: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى).
فوداعاً أيها الرجل الفضيل
ويا أبتـي وداعــاً مـن قلــوبٍ حللـت بهـا نزيـلاً لا يــزولُ
فهل أبكيك أم أشــدو بفخر وما خطبُ الرجـالِ لهم عويـلُ
فمالي كلمــا فكــرتُ يومــاً بمـا يجــري تملكنـي الذهــولُ
فما أحلاك مبتسـماً ضحوكاً وما أحـلاك من رجــل فضولَ
وما أحلاك تغفـو فـي هـدوءٍ إذا ما حلَ فـي الـدارِ المقيـلُ
وما أحلاك تجلــسُ فـي وقـار قنوعـاً لا تمـنُ ولا تـجــولُ
وما أحلاك تحكي عـن قديـمٍ له ذكـرى تحف بهـا الطلـولُ
وما أحلى إبتسامتك الودودة كما البلسم بها يُشُفىَ العليـلُ
وما أحلاك حتى حيـن تبـدو غضوباً ليس يجهلُـك الجهولُ
وما أحلاك تنهرنـا وتشـجـب وشـجبك كالنسـيم لـه قبـولُ
تقـولُ لنا الكرامةَ كـل شـيءٍ فإن زالـت فصاحبهـــا ذليـلُ
لقـد حملتنـا حمـلاً ثقيـلاً فحظنــا مـن خصـالك مســتحيـلُ
وفاتك يـوم صــومٍ يـوم جٍمـع وفاتك يا أبي مـا مـن مثيـلُ
ليرحمـك الـرحيمُ أبـا رحيمـا ويشــفـع فيـك لله الرســـولُ
سأشـدو ما حييت بكل صـبرٍ وداعـاً أيها الرجـلُ الفضيـلُ
وداعـاً أيهـا الرجـل الفضيـل وقـر عيناً وفي ضـلِ ضليلُ
إنـا لله وإنـا إليـه راجعــون
ابنك المحب/ زعل أبوقديري- أبوعمرو
مع الاعتذار والاحترام لكل من اقتبست منه
حرفاً أو كلمـة أو جملة أو بيـت شـعر أو قافية
جزاكم الله خير الجزاء ورحم الله أمواتنا وأمواتكم