'' نساء الشرعية '' يروين قصصا مروعة عن تعذيبهن
المدينة نيوز:- سندس 14 سنة.. هلا 13 سنة.. جوهرة 62 سنة..
معسكر أمني على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي (شرقا).. ومعسكر أمني آخر جنوب القاهرة.
ما ورد في السطرين من أسماء لأشخاص وأماكن كان من المستحيل أن تكون بينهما علاقة من قبل، يربطهما الآن كلمة سر هي أحداث ميدان رمسيس، وسط القاهرة، بـ"جمعة الغضب" 16 أغسطس/آب.
فمنذ ذلك اليوم تواترت الروايات عن قيام سلطات الأمن المصرية باحتجاز فتيات وسيدات من أعمار مختلفة من مسجد الفتح برمسيس ومساجد أخرى في محيطه، خلال مسيرات "جمعة الغضب" التي نظمها رافضو عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي احتجاجا على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة يوم 14 أغسطس/ آب الجاري، والذي سقط خلاله العديد من القتلى وآلاف الجرحى، فضلا عن المفقودين والمعتقلين.
وعلى لسان المعتقلات وذويهم تتضح أكثر ملامح الحدث .
سندس محمد عبده (14 عاما) كانت إحدى المحتجزات بمعسكر أمن، "السلام"، على طريق مصر الإسكندرية الصحراوي منذ مساء الجمعة قبل أن يطلق سراحها الإثنين الماضي تروي لمراسلة الأناضول "كنت في مسيرة سلمية قادمة من عين شمس (شمال القاهرة)، حينما فوجئنا بمدرعات تطلق علينا الرصاص في رمسيس، وسقط حولنا كثير من الشهداء والمصابين أنا وشيماء ابنة خالتي (19 سنة)".
"قال لنا الناس إن مسجد الفتح سيحاصر وعلينا الانصراف فورا، حاولنا لكن إطلاق الرصاص وإغلاق المترو لم يمكننا، فقادنا الأهالي إلى مسجد أبو بكر الصديق القريب من مسجد رمسيس وقالوا لنا اقضوا الليلة هنا لحين انتهاء الحظر ثم عودوا لبيوتكم، وسنحضر لكم طعاما الآن، فنمنا مطمئنين كنساء في الدور الثاني وبقي الرجال في الدور الأول، ولكننا فوجئنا قبيل الفجر بإطلاق رصاص حول المسجد، فقمنا فزعين".
"انتقل صوت الرصاص لداخل المسجد ووجدنا من يطرق بابنا بقوة، ثم ضرب رصاص على الباب فانفتح بعنف لنفاجأ بقوات خاصة من الشرطة يهجمون علينا ويجروني أنا وابنة خالتي المنتقبة من رأسنا وأبرحونا ضربا وسبا نحن وجميع النساء الذين بلغ عددنا 20، ثم عصبوا أعيننا بعدها وجرونا على السلم للدور الأرضي حيث تعثرنا بجثة أحدهم الغارقة في الدماء أسفل السلم".
"وفي الدور الأرضي أرقدونا على بطننا، ووطأوا رؤوسنا بأحذيتهم وضربوا ظهورنا بكعوب البنادق، وأبرحو ولدا عمره 15 عاما اسمه عبدالرحمن إبراهيم ضربا أمامنا، قائلين له أن ينطق الشهادتين في تهديد واضح بالقتل، وكنا نتنفس بصوت مرتفع من الذعر فيزيدون ضربنا حيث أمرونا ألا نصدر أي صوت".
"بعدها أخرجونا في سيارة الترحيلات إلى قسم شرطة باب الشعرية (وسط العاصمة)، واستولوا على حلينا الذهبية وأموالنا وسط إهانات العساكر الذين أجلسونا نحن والرجال على أرض القسم وأمروا الرجال بخلع ملابسهم وأبرحوهم ضربا بالأحزمة، وكان معنا سيدة عمرها 62 عاما اسمها جوهرة لا تستطيع الحركة إلا بالاستناد على عصا، فكانوا يأمرونها بالتحرك بدونها وسط السباب البذيء".
"بقينا في القسم حتى 7 صباح السبت، وبعد أن أخذوا بياناتنا أجلسونا في سيارات الترحيلات أمام القسم حتى العصر تقريبا، في جو خانق جدا، وبعدها نقلونا إلى معسكر السلام، وفي الطريق إلى المعسكر أنزلوا الرجال وخلعوا ملابسهم وجعلوهم يزحفون على بطونهم، في الصحراء تحت الشمس وأمرونا بالمشاهدة، وفي المعسكر تكرر نفس الأمر وأدخلونا غرفة قذرة كلها حشرات ولا يوجد بها أي فرش، وأدخلوا الرجال غرفة أمامنا، وعندما اعترضنا أبدلوا الغرف فكانت غرفة الرجال أقل قذارة، لكنها بلا سقف، والعساكر يمرون من على أسوارها ويسبوننا ليل نهار".
"في المساء أتت النيابة للمعسكر للتحقيق ووضعوا في أيدينا الكلبشات، اتفقت أنا وابنة خالتي ألا نقول أننا كنا في مظاهرة، وهذا ما قلته بالفعل، ولكنهم كتبوا خمس صفحات وقالوا لي: تعرفي تهمتك إيه؟.. سلاح وإرهاب ومشروع (لحداثة سنها لم تستطع نطقها بالشكل الصحيح وهو الشروع) في قتل ضابط، فقلت لهم كيف أسلحة آلية وأنا عندي 14 سنة، وأين السلاح قال لي: جت على السلاح ممكن تلاقي نفسك دلوقتي شايلة شنطة سلاح، ورفضوا أن نتصل بأهلينا، وعندما كان العسكري يجرني من الكلبش بعد التحقيق للزنزانة قال له زميله: ما تجيبها لي لفة".
"أما ابنة خالتي اتضح لي أنها كانت تدفعني للكذب لأنجو وأبلغ أهلنا بمكاننا، وهي أصرت على قول الحقيقة أمامهم وأنها كانت في رابعة العدوية وفي مسيرة، فعاملوها معاملة سيئة وأوقفوها طوال فترة التحقيق".
"يوم الإثنين كنت أغسل عبائتي المضمخة بالدماء عندما نادوا علينا وقالوا: إخلاء سبيل لي أنا وواحدة اسمها بسمة عندها 19 سنة، وعبدالرحمن إبراهيم والحاجة جوهرة، لكن الحاجة جوهرة بكفالة ألفين جنيها (300 دولار تقريبا)".
وتختتم روايتها قائلة "وفي قسم باب الشعرية ختموا إيدينا وبصمونا على ورق كتير وصورونا، قبل أن يسلمونا لأهلينا".
محسن الشيشتاوي عامر من كفر الشيخ والد الفتاتين المعتقلتين في معسكر السلام أبرار (20 سنة) وأمنية (18 سنة) يقول للأناضول "في الثامنة صباح السبت أتاني اتصال من عسكري بقسم باب الشعرية قال لي إن ابنتي اعطته الرقم ليخبرني أنه تم ترحيلهما مع 18 فتاة لمعسكر السلام، بالإضافة لنحو 142 رجل، فذهبنا للمعسكر لكنهم لم يسمحوا لنا بالزيارة حتى يوم الإثنين، وولكن فجر الخميس علمنا أنه وجه إليهم تهم بالإرهاب وحيازة سلاح وغيرها وتم ترحيل مجموعة من الرجال لسجن القناطر ومجموعة أخرى لسجن أبو زعبل ومجموعة ثالثة بقيت مع البنات في المعسكر".
وعن سبب تواجد ابنتيه في مسجد أبي بكر الصديق يوضح "ابنتي التحقت بالجامعة ونزلوا يشتروا ملابس جديدة، وحدثت الاشتباكات فحوصرت وأصيبت أبرار بخرطوش في ساقها، وعندما وجدت توافد المصابين وهي لديها معرفة بالإسعافات الأولية تطوعت للمساعدة هي وأختها، وعندما علموا أن مسجد الفتح محاصر حاولوا الانصراف لكن لم يتمكنا واحتميا بمسجد أبو بكر مع باقي النساء".
أما الشقيقات الأيرلنديات الثلاث من أصل مصري وأخوهم المحتجزين من مسجد الفتح فهم أميمة حلاوة (إعلام في أيرلندا- 22 سنة) وسمية (27- ماجستير في رياض الأطفال) وفاطمة (إعلام بأيرلندا- 23) وإبراهيم (17 سنة- ثانوي).
تقول والدتهم "كانوا في الشارع فوجدوا الاضطرابات فدخلوا يحتموا بمسجد الفتح، نظرا لدخول وقت الحظر، فتم حصارهم والقبض عليهم وقت الاقتحام يوم السبت ونقلهم لمعسكر الأمن المركزي بطرة، (جنوب القاهرة) ورغم إطلاق 30 سيدة وفتاة كانوا معهم فجر الأحد ظلوا محتجزات لسبب لا نعلمه".
وعن استمرار احتجاز الشقيقات تقول شاهدة عيان كانت برفقتهم في طرة "قبيل فجر الأحد نادى علينا آمر المعسكر قائلا إنه سيتم إطلاق سراحنا وعلينا الاصطفاف ليعدنا، وراح ينادي علينا بالاسم، وكانت بعض الفتيات مجهدات من مشقة الأيام السابقة وغلبهن النوم، فاستجبن لندائه بتكاسل، بينهن إحدى الشقيقات التي انفعل عليها مطالبا إياها بالرد عليه عندما ينادي وأن تسارع بالاستجابة، فقالت له إنهن اتصلن بالسفارة وسترسل مندوبا يتسلمهم، فقال لها: إذا ابقي حتى تخرجك السفارة... ولذا أظن أن ما حدث هو مجرد عناد منه ضدهن".
وتستطرد الوالدة لـ " الاناضول " "السفارة الأيرلندية حاولت التدخل، وبالفعل ذهبت مع القنصل للمعسكر، وسمحوا له هو فقط بالدخول ورفضوا دخولي أنا والمحامي، فتواصل معهم واطمأن عليهم، وأدخل لهم ملابس وأطعمة، ولقد تم نقلهم صباح الخميس لمعسكر السلام".
وعن التهم الموجهة إلى أبنائها الأربعة قالت "سمعنا عن التهم بأنها حيازة أسلحة والاعتداء على قسم الأزبكية وحرق مبنى المقاولون العرب وإلقاء مولتوف، وقد قدم القنصل التماس للنائب العام من خلال محامي للإفراج عنهم على ذمة القضية".
أحمد مفرح الباحث الحقوقي في مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان يعلق من جانبه على ما وصفه بـ"الاحتجاز التعسفي للنساء" قائلا: "هذا أمر خطير، وغريب على الطابع الشرقي والعرف المصري، كما أن الاتهامات واهية وليس لها أي دليل طبقا لشهود العيان والفيديوهات التي أكدت سلمية المسيرات".
وفيما يؤكد مؤيدو مرسي على سلمية مظاهراتهم، تؤكد من جانبها وزارة الداخلية المصرية أن المتظاهرين في ميدان رمسيس كانوا يحملون معهم أسلحة وأطلقوا منها النار على قوات الأمن فأصابوا وقتلوا عددا منهم.